يسجل التاريخ بحروف من نور، أسماء رجال تحلوا بالشجاعة وآمنوا بقيم المواطنة والمساواة، واتخذوا قرارات مثلت نقطة فارقة فى مسيرة البلاد تجاه قضايا الحرية، الديمقراطية، المواطنة والمساواة.
وإذا كان التاريخ قد سجل لقاسم أمين دعوته لتحرير المرأة، وسجل لرجال أمثال أحمد عرابى، مصطفى كامل، محمد فريد وسعد زغلول، النضال من أجل التحرر الوطنى، وجمال عبدالناصر نضاله من أجل الاستقلال الوطنى والعدالة الاجتماعية، وعبدالفتاح السيسى استرداد هوية مصر التى كانت مختطفة من قبل التنظيم الدولى لجماعة الإخوان، فإن التاريخ سوف يسجل بأحرف من نور مواقف الدكتور جابر جاد نصار، رئيس جامعة القاهرة، وقراره التاريخى بإلغاء خانة الديانة من كافة الأوراق الرسمية لجامعة القاهرة، فالرجل تحلى بالشجاعة ووضع قيمة المواطنة والمساواة على قمة أولوياته، لم يرضخ لحسابات الشخصيات المهتزة المناورة الراجفة والمتملقة للتيار السلفى فى البلاد، وقال كلمته بكل قوة، قال إنه رصد استبعاد تسعة طلاب من دخول الدراسات العليا بسبب الدين، أى إنهم مسيحيون تم التمييز ضدهم بسبب الدين، صحيح أن من يريد التمييز ليس فى حاجة كبيرة لرؤية ديانة المصرى فى أوراقه الرسمية، فلديه القدرة على معرفة ذلك عبر أدوات مختلفة منها الأسماء التى باتت تميز بين المصريين اعتباراً من السبعينات بعد أن باتت الأسماء تعبر عن الهوية الدينية أكثر من الوطنية، وقد جاءت المبادرة من الأقباط كنوع من التحدى للسياسات التمييزية التى ابتدعها «السادات» وتسير عليها البيروقراطية المصرية حتى اليوم، ولكن الصحيح أيضاً أن قرار الدكتور جابر جاد نصار يمثل أول الغيث، فهذه كانت منطقة مسكوتاً عنها يتجنب الجميع الاقتراب منها.
وفى تقديرى أن إرهاصات عديدة سبقت قرار «نصار» الشجاع، منها الطلب الذى تقدمت به الدكتورة آمنة نصير، عضو مجلس النواب لإلغاء الفقرة (و) من المادة (٩٨) من قانون العقوبات التى تنص على تهمة «ازدراء الأديان»، ثم مشروع القانون الذى تقدم به الأستاذ علاء عبدالمنعم، عضو اللجنة التشريعية بمجلس النواب من أجل حذف النص على الديانة فى بطاقة الرقم القومى، وفى الوقت الذى يخضع فيه مشروعا قانون آمنة نصير وعلاء عبدالمنعم للسجال ويتعرضان فيه لمقاومة شديدة من بيروقراطية الدولة المصرية، أقدم الدكتور جابر جاد نصار على اتخاذ قراره التاريخى بإلغاء النص على الديانة فى كافة الأوراق الرسمية الخاصة بجامعة القاهرة.
وفى الوقت الذى يواصل الدكتور جابر جاد نصار معركته من أجل تكريس قيمة المواطنة والمساواة ومناهضة سياسات التمييز التى تمارسها بعض مؤسسات الدولة المصرية على أساس من دين وطائفة وطبقة اجتماعية، ظهر صغار النفوس الذين كانوا أمثال الضباع التى تقتات على الجيَف وبقايا فرائس الأسود، فخرج عضو بلجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب يقول إنه سوف يطالب بإقالة د. جابر جاد نصار لأنه خالف الدستور، وخرج علينا وزير التعليم العالى الدكتور «الشيحى»، ليقول إن قرار جابر جاد نصار يمكن أن يؤدى إلى إثارة الفتنة، وهو قول يستوجب فى تقديرى محاسبة بل محاكمة الوزير الذى يطلق تصريحات تشجع الجماعات المتطرفة على التحرك رفضاً لقرار الدكتور جابر جاد نصار.
إن القرار الذى اتخذه الدكتور جابر جاد نصار بإلغاء النص على الديانة فى كافة أوراق جامعة القاهرة هو قرار تاريخى بمعنى الكلمة، ويمثل خطوة مهمة على طريق استعادة الهوية المصرية باعتبارها هوية مدنية تقوم على المواطنة ورابطة الجنسية، أما من يعارضون قرار الدكتور جابر جاد نصار فهم مجموعة الضعفاء، متملقو الجماعات المتطرفة، لا مكان لهم فى تاريخ مصر الناصع.
نقلا عن الوطن