للأسف انضم وزير التعليم العالى، الدكتور أشرف الشيحى، إلى جانب الإخوان والسلفيين والتابعين، عندما وصف قرار الدكتور جابر نصار- رئيس جامعة القاهرة، بإلغاء خانة الديانة فى مُحَرَّرات جامعة القاهرة- بجملة عجيبة وغريبة وخارج السياق تماماً، نصاً قال سيادته، تعقيباً: «الكلام ده بيعمل فتنة.. وعيب نتكلم فيه».
كان حرياً بالوزير أن يبين ماهية الفتنة فى صدور مثل هذا القرار التاريخى من جامعة القاهرة، وما العيب حتى نتدارى منه، ولكن مثل هذه الجمل المفتوحة، غير المُقَوَّسة، تفتح الباب لهجمات عقورة مستندة على توصيف الوزير للقرار وصاحبه والجامعة الأم لكل الجامعات المصرية.
إذا كان الوزير لم يتم استئذانه قبل القرار، فهذا من صميم اختصاصات رئيس الجامعة دون العودة إلى الوزير، وصلاحيات رئيس الجامعة تُمَكِّنه من إصدار القرار دون مرجعية الوزارة أو استصحاب رؤية الوزير، ونصار لم يفتئت على سلطات الوزير، ولم يفرض عليه رأياً، ولم يطلب منه تبنى هذا القرار وزارياً، وهو أجدر بالتبنى والمحاكاة فى كل جامعات مصر.
جنّب «نصار» الوزارة والمجلس الأعلى للجامعات الحرج السياسى، وجنّب نفسه مشقة التحصل على إجماع أو توافق حول هذا القرار، ويعلم علم اليقين أنه إذا دخل هذا القرار إلى المجلس الأعلى للجامعات ما خرج منه أبداً، وإذا دخل على خط الوزارة، ترفيعاً إلى الحكومة، فلن يصدر فى سنته، حكومة بتنفخ فى الزبادى، وتتحسس خطواتها تجاه متطلبات دولة المواطنة.
قرار «نصار» بهذه المواصفة قطع الطريق على التردد واللجلجة التى تنتهجها الحكومة فى تجليس مفاهيم المواطنة على أرض الواقع، ولو لم يفعلها «نصار» بهذه الطريقة لما كُتب لهذا القرار الصدور، ولم يتجاوز صلاحياته التى قررها القانون، ولم تدر بخلده المزايدة على الوزير أو الحكومة، وليس موهوماً بأنه أكبر من الوزير، أو متطلعاً إلى الوزارة، وتبقى له سنة فى المنصب، لم يشأ أن يمضيها فى راحة ودعة، «نصار» من النوعية التى لا تشترى دماغها، ومثل هذا القرار سيؤلب عليه كتائب الإخوان والسلفيين، وسينال تسخيفاً وتلويماً واتهاماً بـ«الشو» والاستعراض وغيرها من عبثيات الفضاء الإلكترونى.
يقيناً مَن وقف ضد الإخوان وألزمهم احترام قوانين الجامعة، طلابا وأساتذة، ومَن استرد الجامعة لطلابها من براثن جماعات الظلام، ومَن أعاد إلى الجامعة وجهها التنويرى، وكتب فصلاً جديداً من فصول الجامعة، مستعيداً ذكريات جامعة فاروق الأول، فى عهد عميدها التاريخى، دكتور طه حسين، «نصار» أعاد ابن رشد إلى الجامعة، وطرد فلول ابن تيمية.
ماذا فعل «نصار» لكى يخذله الوزير، ماذا صدر عن «نصار» ليصفه الوزير بـ«العيب»، وهل ما أتاه «نصار» من أبجديات المواطنة وتجليس الدستور يثير فتنة، وأين هذه الفتنة التى أثارها «نصار»، إذا كان الوزير يخشى الإخوان والسلفيين فهذا شأنه، وليقل خيراً أو ليصمت عن الكلام الذى يثير فتنة لأنه عيب!!
«نصار» لا يريد منكم جزاء ولا شكورا، ولا يرغب فى ازدياد، وكتابه بيمينه، وإذا شاء الوزير فليراجع موازنة الجامعة، وكيف تحولت من العجز إلى فائض دون حاجة إلى الحكومة، جامعة القاهرة بموازنتها الآن قادرة على تحسين أحوال الطلاب وهيئات التدريس وإصلاح المعامل وقاعات المحاضرات وإعانة البحث العلمى وإطلاق الطاقات وتمويل المشروعات وتحسين المستشفيات، موازنة جامعة القاهرة بالموجب ليست بالسالب بقدرات ذاتية وتحسين الأداء، تتقدم جامعة القاهرة فى الترتيب العالمى للجامعات، سمعة جامعة القاهرة تحلق فى السماء.
انحيازى لـ«نصار» ليس عن صداقة، انحياز لرؤية، لفكرة، لقرار شجاع فى توقيته، جرىء فى صدوره، متسق مع حقوق المواطنة فى تجليها واقعياً، تحدثنا كثيراً عن المواطنة، وعندما يأتى مواطن اسمه جابر نصار يعتمدها أسلوباً ومنهجاً ننكره.. عجبا!
نقلا عن المصري اليوم