ذات يوم، كانت تستضيف إحدى الفضائيات طبيبًا في جراحة العمود الفقري، يدعى محمد إبراهيم رشيد، يروي أمجاده في جراحة العظام، وبنى في عقولهم انطباعًا جيدًا حوله، بقوله إنه أجرى مئات العمليات الناجحة، وحاصل على الدكتوراه من جامعة فيينا بالنمسا، وتنفيذه لابتكارات علمية حول مجاله.
كانت هبة عبدالحميد موسى تجلس وقتها أمام شاشة التلفاز تتابعه، بينما تعاني من تدهور تدريجي في الغضروف وآلام في الساق اليسرى، لتستقر على أن تستشيره في حالتها، وبالفعل ذهبت إليه في عيادته، قال لها إنها تحتاج إلى عملية جراحية، لكن بعد العملية، حدث ما لا يحمد عقباه وتدهورت حالتها، وقررت استشارته بعدها بعامين، ويقرر إجراء عملية ثانية أدى إلى إصابتها بعاهة مستديمة استدعي علاجها خارج مصر.
"هبة" كانت الحالة الأولى للطبيب، سيناريو متكرر للمرضى باستقطابهم عبر وسائل الإعلام، 4 حالات أخرى بخلاف "هبة" ذهبت إلى الطبيب المذكور في مستشفى" صفوة الجولف" بمصر الجديدة، لكنهم وجدوا أنفسهم بين يدي القدر عبر فترات زمنية مختلفة من الطبيب نفسه، جراء عمليات فاشلة ضاعفت آلامهم، واكتشف أسر المرضى بعد ذلك أنهم ضحية لعملية نصب مكتملة الأركان.
الضحية الأولى
في عام 2011، تعرفت هبة عبد الحميد على الطبيب محمد إبراهيم رشيد عبر إحدى القنوات الفضائية، وكان يتحدث عن الجديد في جراحات العمود الفقري، بينما كانت تعاني هبة مرض "الانزلاق الفقاري"، إثر حادث في عام 2000، وذهبت "هبة" للطبيب المذكور، والذي قرار إجراء عملية جراحية بتثبيت الفقرة القطنية الخامسة على العجزية الأولى، وبالفعل أجرت العملية الأولى لها بشرائح ومسامير معدنية.
بعد الجراحة بأشهر قليلة، حصلت زحزحة الفقرات بالشرائح، ما ترتب عليه فشل العملية الأولى، وأدت إلى وجود كهرباء فوق الركبة اليمنى بعد العملية مباشرة، وهي مستمرة إلى اليوم، بحسب قول "هبة"، ما أدى إلى نسبة من العجز أثر على حركتها.
عرضت "هبة" الأمر على الطبيب نفسه، وطلب منها بعد مرور عام ونصف على العملية الأولى إجراء عملية جراحية ثانية، وقال إنه سيستأصل الغضروف ويضع مكانه قفص كربوني لضمان ثبات الفقرات، لكنه أخل بما وعدها به، وأزال الشرائح دون علمها وهي تحت التخدير، ولم يضع شرائح أخرى، وإدعاءه أنه حصل التئام عظمي، وهذا ما تم نفيه من التقارير المصرية والألمانية، والتي تؤكد أنها تعرضت لجراحات فاشلة، وتسببه في عاهة مستديمة لها، وفق قولها، وبحسب التقارير المذكورة.
تقول الفتاة الثلاثينية، إن ذلك أدى إلى آلام جسدية ومعاناة نفسية بسبب الضغط الشديد على الأعصاب نتيجة ضغط الفقرة عليها، إضافة إلى عدم قدرتها على الزواج والإنجاب بسبب الآلام التي تعاني منها نتيجة إزالة الشرائح في العملية الثانية وعدم وجود التئام في العظام، ما ترتب عليه زحزحة أكثر للفقرة.
تضيف "هبة"، أن ما يثبت فشل الطبيب في العمليتين هو حصولها على شهادات طبية من 3 مستشفيات حكومية و3 جراحين ألمان في جراحات العمود الفقري، وقررت التقارير الطبية أن العمليتين فاشلتان لم تراع الأصول الطبية والمهنية المتعارف عليها، وهو ما استدعى إجراء جراحة ثالثة في ألمانيا على نفقة الدولة بـ12 ألف يورو، وفق قرار صادر عن وزير الصحة الأسبق عادل عدوي، وقررت المريضة رفع قضية ضد الطبيب المذكور بتهمة الإهمال الطبي، في بلاغ حمل رقم 28375 إداري قسم أول مدينة نصر عام 2014.
الضحية الثانية
في 5 يوليو 2015، قرر أبناء نجية حامد الديب، الذهاب للطبيب محمد إبراهيم رشيد في مستشفى صفوة الجولف بمصر الجديدة، حيث تعاني المريضة من "الانزلاق الفقاري"، ما قرر الطبيب إجراء عملية جراحية للمريضة، أدى إلى مضاعفات وتدهور صحتها، وبحسب إسلام أبوشادي، نجل الضحية، فإن الأطباء قالوا له "المريضة لم تكن تحتاج العملية".
إسلام أبوشادي، يقول: "والدتي أخدت ميكروب قاتل من المستشفى وده بسبب عملية تثبيت فقرات، ما أدى إلى أعراض خطيرة أدت لوفاتها"، مشيرًا إلى أنهم لم يخطر على بالهم سبب الوفاة، إلا بعد تكرار نفس الأمر مع حالات أخرى.
وأضاف "أبوشادي"، أن والدته خرجت من مستشفى صفوة الجولف وتدهورت حالتها بعد شهر ونصف من إجراء العملية، لافتًا إلى أنهم ذهبوا بوالدتهم إلى المركز الطبي العالمي، لتتوفى بعد أيام من وجودها بالمستشفى.
وجاء إخطار الوفاة بالمركز الطبي العالمي بأن المريضة دخلت المركز ولديها ضعف شديد بالأطراف الأربعة وفشل بوظائف التنفس وضيق بالقناة الشوكية وتدهور بدرجة الوعي، واشتباه بجلطة المخ، وهبوط بالدورة الدموية، وجاء التشخيص النهائي بأن سبب الوفاة هبوط حاد بالدورة الدموية والتنفسية، ما أدى إلى توقف عضلة القلب والوفاة، وأكد نجل الضحية، أنه ينوي التقدم ببلاغ ضد الطبيب المذكور، لإيقاف نزيف الضحايا.
الضحية الثالثة
عبر إحدى الفضائيات، كانت نجاة متولي تشاهد الطبيب محمد إبراهيم رشيد من منطقة حدائق الزيتون، ولديها في ذات الوقت آلام في الظهر وتعاني من الانزلاق الفقاري، وقررت الذهاب للطبيب المذكور في مستشفى صفوة الجولف، ليقرر إجراء عملية جراحية لها، بحسب قول ابنتها مايسة بدوي، التي أكدت أن والدتها كانت تبلغ من العمر 70 عامًا، وهو ما يثير القلق بشأن العملية، لكن الطبيب أقنعهم بإجراء العملية.
ظلت نجاة متولي لمدة 8 ساعات داخل غرفة العمليات وظهرها مفتوح بالكامل، بحسب ابنتها مايسة، التي تقول إن "والدتي ظلت تعاني بعد إجراء العملية، والجرح مفتوح بالكامل، وأزال الأطباء الاسترا، ومغيروش الجرح"، لافتة إلى أنها انفعلت على الأطباء هناك بعد تدهور حالة والدتها الصحية جراء إجراء العملية.
أضافت مايسة، أنه "في اليوم الثاني من إجراء العملية عانت والدتي كثيرًا، وصرخت داخل المستشفى، وكشف أحد الأطباء عليها، وقرر أنها تعاني من آلام في صدرها، والحالة بدأت تتدهور وحصلها ضيق في التنفس، وأحد الأطباء قال إن هناك ميكروب أصابها جراء العملية وصل إلى النخاع الشوكي، وطالع على المخ، وبدأت تدخل في غيبوبة، وقال طبيب لي إن الحالة صعبة".
مشادات كلامية كل يوم كانت ترتكبها "مايسة" داخل المستشفى، جراء المعاناة التي أصابتها من تدهور حالة والدتها الصحية، لتصاب بحالة تشنجات أدى إلى وفاتها داخل غرفة الرعاية، وجاءت تقارير المستشفى بأن المريضة توفيت بنفس أعراض الحالة السابقة، وذلك إثر هبوط حاد بالدورة الدموية والتنفسية، والتهاب رئوي مع وجود متلازمة الضائقة التنفسية وتشنجات مستمرة مع وجود صدمة حادة ناتجة عن وجود التهابات وبكتيريا.
وعن التقدم ببلاغ ضد الطبيب، تساءلت "سامية": "هل أوضاع البلد تسمح بأن نأخذ حقنا من الطبيب المذكور؟"، مؤكدة أن ما يهمها حاليًا هو عدم تكرار الإجرام الطبي من الطبيب وفريقه داخل المستشفى تجاه حالات مرضية أخرى، خاتمة بقولها: "ربنا ييسر الأمور".
الضحية الرابعة
عبر أحد مواقع الإنترنت، تعرف اللواء محمد حمدون أبو العلا، مساعد رئيس قطاع مصلحة السجون سابقًا، على الطبيب محمد إبراهيم رشيد، حيث كان يعاني من آلام بسيطة في ساقه ويده اليمنى، وقرر الطبيب المذكور إجراء عملية جراحية بفقرات العنق، قائلًا له: "إذا تأخرت عن 4 أيام سيؤدي ذلك إلى شلل كامل لا يمكن علاجه".
استجاب اللواء محمد حمدون، لكلام الطبيب، ودخل المستشفى في 7 أكتوبر من العام الماضي، للتجهيز للعملية، وسدد وقتها مبلغ 67 ألف جنيه، وفي اليوم التالي، دخل غرفة عمليات مستشفى "صفوة الجولف" في مصر الجديدة، بحسب قول زوجته سلوى الديب، التي أكدت أن المستشفى لم يكن مجهزًا بإمكانيات لإجراء مثل تلك الجراحات الدقيقة.
تروي زوجته وقائع يوم العملية، قائلة: "مكث زوجي داخل غرفة العمليات 6 ساعات تحت التخدير، رغم معاناته من ارتفاع في السكر وضغط الدم، وطالت مدة إفاقته على خلاف المعتاد، وبعد أن أفاق من التخدير، نقل مباشرة إلى غرفة عادية، رغم أنه كان يعاني من ضيق شديد في التنفس وحالته متدهورة للغاية، وفاقدًا للإحساس بأطرافه الأربعة".
وأضافت سلوى الديب: "زوجي عانى معاناة بالغة بعد العملية، وصرخنا داخل المستشفى لإحضار الطبيب مجري العملية أو أي طبيب متخصص دون جدوى، وبعد مرور ساعات، قال الطبيب المذكور إن أطرافه ستتحرك خلال 48 ساعة"، مشيرة إلى أنهم قرروا إجراء أشعة خارج المستشفى، وتبين وجود تجمع دموي وتورم في الحبل الشوكي نتيجة خطأ في العملية الجراحية.
انتهت الـ48 ساعة التي قررها الطبيب المذكور محمد إبراهيم رشيد، ليتفاجأ أهله بقرار من الطبيب المذكور بنقله على الفور إلى مركز علاج طبيعي، وقال لهم: "سيتحرك خلال 6 أشهر"، ونقل اللواء "حمدون" بعدها من مستشفى صفوة الجولف، في طريقه إلى مستشفى القوات المسلحة بالمعادي، وتم فحصه من اللواء دكتور محمد توفيق، الذي قرر أن هناك خطأ طبيًا جسيمًا أدى إلى شلل رباعي، فضلًا عن التدهور الكامل في حالته الصحية، وقرر نقله إلى مستشفى الشرطة بالعجوزة، ومنها إلى مستشفى الكاتب التابعة للشرطة بالدقي، لوجود غرفة عناية مركزة بها.
محاولات مستشفى الكاتب، بحسب قول زوجته، باءت جميعها بالفشل، وانتهت عمليات نقله من مستشفى إلى أخرى في النهاية إلى لقاء ربه، نتيجة جلطات حادة بالرئة بسبب مضاعفات أخطاء طبية متلاحقة، ليقرر نجله محمد محمد حمدون، التقدم ببلاغ ضده حمل رقم 2663 بتاريخ 2 نوفمبر 2015 عرائض المحامي العام لنيابات شرق القاهرة.
الضحية الخامسة
في شهر مايو الماضي، كانت تعاني سمية محمد السيد عبدالله، من بعض الآلام في يدها وظهرها، وكانت تجلس أمام إحدى الفضائيات، لتجد الطبيب محمد إبراهيم رشيد في شاشة التليفزيون يتحدث عن الجديد في جراحة العظام.
قررت "سمية" وقتها الذهاب للطبيب في مستشفى صفوة الجولف بمصر الجديدة، الذي أجرى لها فحصًا طبيًا في مركز إياتروس للعمود الفقري، الذي يمتلكه الطبيب المذكور أمام المستشفى، وقرر أنها تعاني من تزحزح فقري قطني مع انزلاق غضروفي بين الفقرات القطنية الخامسة والعجزية الأولى مع ضيق بمجرى الأعصاب بالمنطقة القطنية وضغط على أعصاب الطرفين السفليين.
وكتب الطبيب محمد إبراهيم رشيد، في تقريره الطبي، أن المريضة تحتاج إلى تدخل جراحي، وبلغت تكلفة العملية 60 ألف جنيه، قالت "سمية" للطبيب: "إنها تنوي إجراء عمرة بعد إجراء الجراحة"، وكان رده عليها: "هتقومي يا حاجة وهتبقي زي الفل"، لتدخل غرفة العمليات، وبعدها شهادة وفاة، بعد إصابتها ببكتيريا الكليبسيلا، وهي نفس الأعراض التي أصابت نفس الضحايا السابقين.