الثلاثاء ١٨ اكتوبر ٢٠١٦ -
٤٠:
٠٥ م +02:00 EET
صورة تعبيرية لحفل هيرودس الملك
اندرو اشعياء
إنها حفلة كان قد اقامها الملك هيرودس تذكار ميلاده فصنع وليمة لأكابر مملكته ومقدمي الجليل. وحضرت ابنة أخيه. فرقصت في الوسط. فأعجبته جدًا ودون ان يدروا جُعل رقصها فخًا لبني الاثم، فنصبه الشرير لكل المتكأ ليصطادهم وصارت اضحوكه عظمى على جبابرة المملكة. وجدير بالذكر أن هيرودس كان واحدًا من القضاة الذين مثل يسوع أمامهم، وأخذ يجادل يسوع ويسأله (لو 23: 7- 12 ، اع 4: 27) وهو الذي سماه يسوع ثعلبًا (لو 13: 32) ..
منظر القصر كان مهيبًا بالملك ورفقاءه حيث كان كل المراؤون يحرصون أن يُظهروا محبتهم بكثرة الخمر الذي احتسوه حتي يكرموا العيد العظيم. فدخل الخمر والشهوه وهربت الكرامه والفضيلة من محجله، فرقصت سالومي ولعبت دورًا خطيرًا في عيد ميلاد هيرودس، فعن طريق رقصها المثير قُطعت رأس يوحنا المعمدان، وفقد هيرودس مملكته. يخبرنا كيتو (Kitto) المؤرخ الشهير أنه في عصر هيرودس، كان الرقص عملة نادرة ولم يسمع احد عنه تقريبًا، ولذلك فبتنازل سالومي التي تطوعت لتكريم عيد ميلاد ذلك الحاكم باستعراض جمالها في قلعة ماكيروس (وهي قلعة عند المكور شرق البحر الميت) شعر هيرودس أن هذه لفته تستحق اعلى مكافأة فطلب منها ان تطلب حتى ولو نصف المملكه، فلم يكن يهتم بفحص سلاح مقاتليه لان قلبه كان مسبيًا برقص ابنة هيروديا وكأنها شنت حرب ضد الجبابره وستأخذ اللؤلوة التي لا ثمن لها جراء الخمر الذي دخل اليه وطرد ذهنه ..
وبمشورة هيروديا طلبت رأس يوحنا المعمدان هذا الذي وبخ الملك قديمًا لئلا يأخذ هيروديا امرأة له .. هذا الذي بكلمته الساميه وبسمو برارته وتنسكه وسيرته كان الملوك يخافونه بل وكان يوبخهم .. هذا الذي سمى الفريسيين والصدوقيين: اولاد الأفاعي، ولم يكن يحابي الرؤساء والسلاطين .. هذا الذي كان قد هدد بني الاثم بالنار مثل ايليا وأرعبهم بقصاص اللهيب وحثهم ليعطوا ثمار التوبة ..
طلبت ابنة هيروديا رأس المعمدان على طبق فاغتم قلب الملك وأمر بقتل المعمدان مع انه لا يوجد ناموس يحكم بالموت على البار، بموجب الناموس، لو لم يقتل أحد. وسريعًا دخل الرأس في طبق ليبين أمام المدعويين بأن الملك لم يكذب في كلمته بما وعد، ولم يخف اولئك الدنسون وهو ينظرون الي رأس رجل عفيف، بل ولم يرتجفوا ولم تسقط الكؤوس من ايديهم بعد أن شاهدوا دم ذلك الشهيد مسكوبًا وايضًا لم يرتعب قلب الملك الذي راى فم القديس مسدودًا بدمه الطاهر فحتمًا عندما راءه تذكر توبيخه له .. وعلى الجهه الاخرى كانت هيروديا وهي تهمس في اذن ابنتها سالومي (كما ذكرها يوسيفوس المؤرخ) قائله: انظري اليه وافرحي لان هذا الفم كان كل يوم ينفث فينا بالنار، ويخيفنا لئلا ندخل الي بيت الملك. وبهذا صار ليل هيروديا المخيف الملئ بالاحزان هو من يحبس نهار يوحنا حتى يسكت ..
كان منظر مرعب فالبتول مقتول .. الكاهن مذبوح بل الزيتون الممجد الذي نبت على جدول المعموديه قطعوا رأسه الملاعيين لئلا يدهن زيته الرأس .. العنقود الحلو عصروه في طبق الملك.. إنه كاروز الحق، والبتول البهي، سامع الآب، وماسك الأبن، ورائى الروح، والمسجون بالغيرة والمقتول بالحسد .. هذا الذي صار وسيطًا للعهدين ..
أتعجب كيف صار اعظم مواليد النساء: انه اعظم من هابيل وقربانه واعظم من نوح الذي غلب الموج ببرارته واعظم من ابراهيم الذي سحب السكين على حبيبه ومن اسحق المربوط ليصير ذبيحه، ومن يعقوب الذي صارع وغلب ومن يوسف الذي تغلب على الشهوه وصار انشوده نترنم بها .. انه اعظم من ايليا الذي ربط السماء ومنع المطر واحيا ميتًا وانزل النار ووبخ الملوك وفضح الأصنام .. انه اعظم من اليشع الذي شق النهر وطهر البرص بل واعظم ايضًا من يونان الذي صار اية للابن في كل دربه وصور دفنه .. انه اعظم من اشعياء وارمياء اللذان صارا مسكنًا للنبوة وعارفي الأسرار .. اعظم من حزقيال الرجل الذي شاهد مركبة الكاروبيم واعظم من الثلاث فتية في اتون النار .. مختارًا كداود وجماله ابرع من يوشيا ..واعظم من الرسل في خدمتهم بل اعظم مواليد النساء هذا الذي نذكره بعد القديسة الطاهره مريم في ليتورجيات الكنيسة ..
لم يشق القديس البحر قبلاً او لم يوقف الشمس مثل الذين سبقوه ولم يصنع القوات ليضج العالم بجبروته بل سلك بخفيه وهدوءًا وكان هدفه ان يشفي امراض النفس ويوشح النفوس نورًا سماويًا فاستحق ان يكون المعمدان العظيم ..