د. مينا ملاك عازر
قبلت دعوة صديقي الأستاذ ريمون زكي رائد فريق مارمرقس للدراما لأحضر أحد عروض الفريق يوم الجمعة الماضي، وأنا أمني نفسي بليلة درامية هانئة، وبالفعل حضرت العرض الذي كان عنوانه الفزاعة، عن مسرحية للمبدع ألبير كامو بتصريف مصري لا يقل إبداعاً في الحقيقة.
الفكرة التي قدمتها ورشة الفريق رائعة في تمصيرها للمسرحية، عادوا بنا لعام 1700 في تدقيق تاريخي رائع، حيث ضرب مصر الطاعون وقتها، ومن خلال تلك الحالة الزمنية قدموا فكراً رائعاً في كيفية هزيمة الإنسان أمام الخوف، وأنه يمكنه أن يصل لأن يموت من الخوف في تصوير درامي رائع واسمح لي عزيز القارئ أن أقدم لك فكرة موجزة عن شخصيات العمل وكيف فهمتهم.
والي مصر رجل ضعيف الشخصية لكنه يتخفى وراء سلطانه لا يعرف إلا فرض الضرائب والجباية ومضاعفتها، لكنه كان جباناً أمام الطاعون حين ظهر،وحاول أن يستخدم بوقه الإعلام المنادي وقتها لإجبار الناس على ألا يتحدثوا عن حالات الوفيات المستشرية، وهو ما خضع له الناس بالفعل إلا قليلين لكنه حين تواجه مع الطاعون قرر الانسحاب من منصبه وتركه لمن جسد الطاعون، ومن بين الرعية هناك الحداد الخانع الذي يخشى على ولده فيكمم فمه، وكأنه حزب الكنبة، ولكن الابن للحداد كان ثائراً على الوالي وعلى الطاعون - من حكم المحروسة بعد الوالي- وهناك سليم الحكيم الطبيب الذي حاول مكافحة الطاعون دون أن يصل لدواء له لكنه أمام تسلط الطاعون - بدلاً من الوالي- خاف على عروسه وحبيبته فهربها، فبات قريباً من الموت بعد أن أصابه المرض، وذلك لتخليه عن جرأته وابتعاده عن علمه أمام الكاهن الذي ظهر في الرواية، فكان صوت الدين في المسرحية،وقد عان من اهتزاز بحسب الرؤية الدرامية، إلى أن انتفض وقرر أن يواجه كما واجه الحكيم وبتحريض من أحد المهزومين سابقاً والمتستر وراء زجاجة الخمر، استفاق صامويل ابن الحداد وتجمع الكاهن والطبيب وابن الحداد والسكران سابقاً والعروس لتجميع الرعية للتمرد على الطاعون الذي حرض عاصم تاجر العبيد على أن يقتل أخوه الطبيب في محاولة يائسة لإرهاب الرعية، لكنه فشل في إرهاب الرعية ونجح في أن يقتل الأخ أخيه طمعاً في السلطان الذي وعده به في وعد لم ينفذ، ولم يؤمنه على حياته، ويقفز بنا الفريق عبر السنوات ليرونا حريق القاهرة، وكيف خاف المصريون منه إلا في عام 2016 حيث حاول الطاعون مرة أخرى اقتحام مصر لكن المصريين وقفوا وتصدوا له في غير خوف، فتراجع.
ومع ختام هذا الجزء أحب أن أؤكد على أن المشاهد قد خرج وذهنه مليء بالأفكار والأسئلة التي يجبأن يسألها لنفسه من بينها، هل كانت الأم الفلاحة مخطئة حين خافت على أبنائها من الجوع فخرجت كاسرة قوانين الطاعون بعدم الخروج بعد غروب الشمس؟ في رأيي لم تكن مخطئة، وأن فعلها كان في منتهى الشجاعة ولم تكن تستحق الموت في المسرحية بحكم الطاعون، بل كان واجب أن يظهر أن الطاعون غير قادر على قتلها، فليس كل الخوف عيب، وما دمنا في صدد الحديث عن الفكرة فلا يفوتني أن أشير أن الأغنية التي صاحبت أحد مشاهد المسرحية أظهرت أن كاتبها لم يكن على دراية بعمق فكر المسرحية، بل كادت كلمات الأغنية تفسد هدف المسرحية.
عزيزي القارئ، انتظرني في المقال القادم - بإذن الله- لأقدم لك رأيي المتواضع في أفراد العمل ونقاط القوة ونقاط الضعف.
المختصر المفيد أنت تموت متى تخاف.