الاربعاء ١٩ اكتوبر ٢٠١٦ -
٠٧:
٠٦ م +02:00 EET
صورة أرشيفية
البروتوبرسفيتيروس اثناسيوس حنين
دكتوراة فى التاريخ اليونانى – المصرى
قال يوما داج همرشلد:
(لا يمكن أن تلاعب الحيوان الذى فيك
ولا تصبح بالكلية حيوانا
وأن تلاعب النفاق ولا يصادر حقك بالحقيقة
وأن تلاعب القسوة ولا تخسر احساس الفكر) . "لئن بسطت يدك لتقتلنى ما أنا باسط يدى أليك لأقتلك انى اخاف رب العالمين " القرأن
لا أدعى أنى متخصص فى الاسلاميات ’ ولكنى أستطيع أن أؤكد أننى صادق فى حبى للمسلمين جميعا ’ ولنا منهم أصدقاء وأحباء وعلماء ومثقفون وحقوقيون وأولاد بلد واولاد حتة ظرفاء وهم قوم لا يستكبرون ! لهذا أحسست بالرضى الكبير حينما تصفحت جريدة (الكاثيميرنى الاربعاء 12 أكتوبر 2016) الرسمية اليونانية الذائعة الصيت ’ ووقعت على خبر ’ فى الصفحة الرئيسية ’ الانتهاء من كافة الأجرأأت وتخطى كل الصعوبات التى عطلت بناء مسجد للجالية العربية فى أثينا Η ΚΑΘΗΜΕΡΙΝΗ ΑΘΗΝΑ , ΤΕΤΑΡΤΗ ,12 ΟΚΤΩΒΡΙΟΥ 2016 (Ξεκινούν τα έργα για το τέμενος , θα ολοκληρωθεί τον Απρίλιο). . هرعت الى مكتبتى الاسلامية العامرة لكى أحتفى بالحدث وأوثق له ’ على طريقتى وكعادتى ’ وقمت بعمل بحث سريع فى الكتب الاسلامية ووجدت أن كلمة "مسجد" لم ترد كثيرا فى القرأن ’ جائت ’ مرة ’ فى سورة البقرة والأية 186 بما يحدد القصد من وراء وجود المسجد وهو أنه وبالدرجة الاولى مكان الاعتكاف والهدوء والسجود (....وأنتم عاكفون فى المسجد....) وهرعت الى تفسير الجلالين "دار المعارف بيروت ص 39" فوجدته يقول (وأنتم عاكفون أى مقيمون بنية الاعتكاف فى المساجد). بحثت فى باب عكف فى "مختار الصحاح "اصدار المؤسسة الحديثة للكتاب –طرابلس لبنان ص 380 (عكفه بفتح العين والكاف وضم الهاء أى حبسه ووقفه وبابه ضرب ونصر ’ ومنه قوله تعالى "والهدى معكوفا" الفتح 25 . ومنه "الاعتكاف" فى المسجد وهو الاحتباس و"عكف" على الشئ أقبل عليه مواظبا وبابه دخل وجلس قال الله تعالى "يعكفون على أصنام لهم " الأعراف 138. يؤكد المعجم الوسيط ( اصدار مجمع اللغة العربية ’ الادارة العامة للمعجمات واحياء التراث –المكتبة الاسلامية –استانبول تركيا وص 691 ) على نفس المعنى ويزيد "الأعتكاف هو الاقامة فى المسجد على نية العبادة".
عرجت على كتاب "الاتقان فى علوم القرأن " للحافظ جلال الدين عبد الرحمن السيوطى ’ تحقيق ’ أحمد بن على (اصدار دار الحديث القاهرة ص 316 ) ’ وجدته يقول قولا سديدا وحديثا صحيحا فى أداب السلوك ليس فقط الجسدى بل الصوتى فى داخل المسجد (وأعتقد شخصيا أنه فى حالة مسجد أثينا لا يوجد حاجة ماسة لمكبرات الصوت والهورنات !!!) ’ يقول "عن أبى سعيد : اعتكف رسول الله "صلى الله عليه وسلم" فى المسجد ’ فسمعهم يجهرون بالقراءة ’ فكشف الستر ’ وقال :"ألا ان كلكم مناج لربه’ فلا يؤذين بعضكم بعضا ’ولا يرفع بعضكم على بعض فى القراءة". تخيلى أن اليونانيين ’ حكومة ’وشريحة ليست قليلة من الشعب ’ قد باتت على قناعة ’ بما علمه لنا أساتذتنا فى علم المنطق قديما ’ وهو القاعدة القائلة ( ليس كل مسلم أرهابى ’ كما أن ليس كل أرهابى مسلم حقيقى ) ! ويتمنون ونحن معهم أن يعود المسلمون الى تراثهم القديم ويحافظوا على المساجد فقط للاعتكاف والتأمل والهدوء والدعاء من أجل الناس أجمعين ’ لأنه قد ولى العهد الذى كانت تدار فيه شئون الأمة من المساجد ! بعد عصر العولمة وظهور المنتديات الثقافية ومجالس النواب وومراكز البحوث والنوادى والموبايلات ووسائل التواصل وخلافه ! أعجبنى سيادة المطران الارثوذكسى جورج خضر اللاهوتى الذى تخصص فى كتابات المسلمين حبا وشغفا وعمقا حينما يرفض منطق العشائر السائد فى ’ بلده ’ لبنان ويؤكد " كنيستى تلح على أنها ليست بعشيرة ولا يمكن أن تستجيب لمنطق العشائر ’ لأن كل عشيرة قاتلة ونابذة وخارجة عن الكنيسة الجامعة . العشائرون ابناؤنا االضالون ’ نرعاهم بصبر ’ غير أننا نرفض هذه الوجدوة المجتمعية التى يريدونها للمسيحيين" لبنانيات –دار النهار للنشر ’ 1997 ص 7". هذا ما أرجوه للاحباء المسلمين الذين سوف يرتادون ويعتكفون ويعكفون على مسجد أثينا الجديد ’ أن لا يحشروا أنفسهم أو يحشرهم أحد فى روح العشائرية !
هم مواطنون على قدم المساواة مع الأخرون وعليهم أن يظهروا أن المسجد هو مطرح من مطارح السجود والهدوء والابداع والثقافة والتثاقف والاعتكاف ’ ومصدر سلام للبلاد والعباد . قد يظن البعض أن قصة بناء مسجد فى أثينا هى قضية حديثة ’ أو شطحات متطرفين ! لا بل هى قضية قديمة وتعود الى عام 1976 من القرن الماضى حينما تقدم السفراء العرب فى اليونان بطلب رسمى الى الحكومة اليونانية يعبرون عن حاجة الجالية المسلمة ’ المهاجرة ’ الى مكان للعبادة الروحية والتريض الثقافى وحفظ الهوية ’ لابد من الاشارة الى أن المهاجرون والأتون الى اليونان مثلوا شريحة من الطلاب ورجال الاعمال والصحافين الهاربون باقلامهم من التكسير والتجار الفارون باموالهم من المصادرة ’ هذا الى جانب طلاب العلم يوم كانت اليونان قوة عظمى تمنح البعثات لدول العالم الثالث (كان المبعوث منا يحصل على منحة شهرية قدرها 12 الف درخمة أى مائة دولار وقتها)!’ وهؤلاء جميعا والذين دخلوا البلاد بشكل قانونى ’ لم يأتى أحدهم وقتها فى قارب مطاطى حاملا الاحقاد والقرف من كل شئ وثقافة الكراهية والرفض الموثقة دينيا ولاهوتيا ’ وهذا الكلام ينطبق على الجميع مسيحيين ومسلمين ! لم يكن هناك داعشيون ولا تكفيريون !.والجدير بالذكرأن هذا الجيل ’ وقد عايشناه نحن طلاب اللاهوت والمبعوثون المصريون ’ قد أتقن لغة اليونانيين وأحب بلادهم وأخلص لعاداتهم وصاهرهم وأضاف الكثير مما أغنى الثاقفة العربية واليونانية فى مظاهرة تثاقف وما أروع !...وبعد صمت وفى عام 1983 قامت المملكلة العربية السعودية بتقديم طلب أخر وأكثر تحديدا ’ وتم تقديم الطلب هذه المرة الى وزارة الخارجية ’ ليأخذ الطريق الرسمى والمدعوم بثقل العلاقات والمصالح المشتركة بين الدولتين اليونان الارثوذكسية والمملكة المسلمة ’ طلب السعوديون ’ طلبا أكثر ذكاء هذه المرة ’ وهو تأسيس مركز ثقافى اسلامى و(وبداخله ) مسجد أى أن العبادة ستكون فى حماية الثقافة ولا داعى للخوف من التدين والتوجس من التطرف ! . أستجابت الدولة اليونانية وبدأ مشوار البحث عن المكان ! أين ! قام البعض باقتراح منطقة أليموس والبعض الأخر عرض كالوجريزا وأخيرا قالوا ليكن فى منطقة كوروبى ! وتم وضع الاقتراحات فى درج المكتب نتيجة لضغوط شعبية يمينية وكنسية أرثوذكسية وأعتراضات رؤساء مجالس المناطق المقترحة ! وهذه الاعتراضات لا تأتى من فراغ ’ فاليونانيون لم ينسوا بعد الاحتلال العثانى لبلادهم والذى دام اربعمائة عاما !’ وأن نسوها أو تناسوها ’ فقد ذكرهم الاتراك بها باحتلالهم جزء من قبرص عام 1974 !!! نعود الى رحلة المسجد والى أن حلت الألفية الثانية ’
وفى بدايات عام 2000 وصدر القانون 2833 لعام 2000 وفيه يتم التقرير بانشاء مركز ثقافى اسلامى على مساحة 33 استرما (الاسترما الف متر مربع) فى منطقة خريسموزا . وفى عام 2003 تم وضع قانون المركز التنظيمى وأنشطته المقترحة ’ بينما تم الاتفاق على ان تتولى المملكة العربية السعودية الانفاق على المشروع برمته ! ’ ولكن وحتى فى هذه المرة ’ لم يرى المشروع النور نظرا لاعتراضات من جانب أهالى المناطق المقترحة ورؤساء البلديات من ناحية ومن بعض رجال الكنيسة اليونانية من ناحية والتوجس من أن يكون وراء التمويل السعودى أجندات دعواتية ومنظومات اقتناصية- تبشيرية بالاسلام !. الى أن جاء الاقتراح الجديد وتم اختيار منطقة (فوتانيكوس) فى أثينا وذلك عام 2006 (قانون 3512) . ولقد جاء الاقتراح على يد السيدة مارييتا ياناكو وزيرة التعليم وشئون الأديان والعضوة البارزة فى حزب الديمقراطية الجديدة وقتها ’ والسيد الوزير يورغوس سوفلياس وعلى مساحة 42 سترما(أى 42000 متر مربع تقريبا ) وتقع قطعة الأرض ضمن ممتلكات وزارة الدفاع اليونانية وبالتحديد ممتلكات القوات البحرية. ما هو الجديد فى هذا القرار ؟ الجديد فى هذا القرار هو أنه قد تم به تغيير مسار المشروع وهذا التغيير يعنى فيما يعنى (هللنة ! ) مشروع الجامع ’ أى أعتبار الجامع ومن سيتعاطون معه من أى حدب وصوب ’ بأنهم مواطنون يونانيون الهوية والثقافة ومن ثم فمن حقهم على الدولة اليونانية هو أن تنفق الدولة على المشروع ’ وليس الأمر مجرد الانفاق ’ بل وستقوم المؤسسات التعليمية اليونانية بالاشراف على اختيار الأئمة والوعاظ الدائمون والموسوميون ’ وسيكون للحضور اليونانى نصيب الأسد فى أعضاء مجلسي الادارة وبالطبع لا نقصد باليونانيين مجرد العرق ’ بل وكما قال سقراط بأن كل من تعلم لغتنا وأدمن ثقافتنا فهو منا ونحن له ’ ونقصد اليونانيون من أصول عربية بالطبع واسلامية بالتحديد ومنهم كفأأت كبيرة فى اليونان ولكنهم لا يتقنون لغة الصياح الدينى والردح الدعائى السياسى ومسح الجوخ كما يقول المصريون . . كان لابد من أن تمر السنون ’ الى عام 2011 حيث تم تحديد الامور وتخصيصها بصدور القانون رقم 4014 لعام 2011 ’ وفى ربيع عام 2013 تم ضم المشروع الى موازنة الدولة العمومية. ولكن المشروع لم ير النور لأنه تم الاعلان عن مناقصة بناء المشروع ولم تتقدم أية من شركات الأنشأأت اليونانية وذلك خوفا وتحسبا من ردود الأفعال الداخلية !
وأخيرا وفى عام 2013 ونتيجة لجهود السكرتير العام لوزارة الانشأأت السيد ستراتو سيموبولوس وقبلت الاربعة الشركات الكبرى فى اليونان ( أبايى –تيرنا - أكتور – انتراكت) أن تتقدم للمناقصة شراكة فيما بينها ’ وهكذا ففى عام 2013 نجحت المناقصة الخامسة للمشروع وحاظت الرضا والقبول. وأدت بعض الأخطاء والتعديلات الى ضرروة صدور تعديلين بقوانين (القانون رقم 4327 لعام 2014 والقانون 4414 لعام 2016 ) وبذلك تم فتح الطريق نحو توقيع العقد النهائى لبناء المشروع . سيتم تنفيذ المشروع طبقا للدراسات التى أعدتها وزارة الانشأأت العامة اليونانية وفى فترة ستة شهور وبتكلفة اجمالية963 ,886 يورو . وبالطبع سيكون هناك موقف للسيارات وحديقة والعاب للاطفال ومساحات خضراء. لاشك أن الفرصة قد أتت للملسمين فى اليونان أن يستفيدوا من هذه الفرصة لكى ما يؤسسوا للعيش المشترك مع اليونانيين ويستفيدوا من الجو الثقافى العام والحرية المتاحة ووسائل الاعلام الحرة لسد الفجوات التى أحدثتها الأيام الغابرة فى حائط العيش المشترك وأن يتخلوا عن الخوف القنوط والضجر والشكوك وفحص النوايا قبل الله ! الثقافة تبنى مع الناس القائمين عليها واذا كان الايمان حيا فانه يتمثلها ’ وليسمع المسلمون ’ فى اليونان ’ لصوت أئمتهم حينما قالوا ( أن أعظم الخيانة ’ خيانة الأمة ’ وأفظع الغش ’ غش الأمة ) ’ ونحن جميعنا حينما حصلنا على الهوية اليونانية ’ اقسمنا جميعا على أن لا نغش هذه الأمة وأن لا نخون هذه الأمة ’ هذا ما نرجوه لأخوتنا المسلمين فى اليونان فى رحاب بيتهم الجديد والذى نرجوا لهم فيه ان يتبنوا أنفسهم ويعلوا ويتفوقوا فى ثقافتهم العربية –اليونانية –الأوروبية وينجحوا فى القراءة السايسية كأصحاب مبادرات ذاتية وخلاقة ’ غير مستوردة ! خلاف ذلك سيعرض عنهم تاريخ هذا البلد وهو لا يرحم !’ نرجوه بيتا ’ للجميع ’ مجالا للابداع الثقافى والحضارى . يجب أن يدرك المسلمون العرب ’ فى اليونان ’
بأنهم هم أيضا قد عانوا من الاحتلال العثمانى وأنهم مع المسيحيين الشرقيين قد قطعوا أشوطا بعيدة فى عشرة الحضارة السياسية العصرية وقرأة الفلسفة اليونانية والتى أعلنت "حقوق الانسان والمواطن" فى فرنسا وأثينا القديمة ولهذا فمن الغير المعقول ’ والخطر بمكان ! أن يظن البعض ’ ونكرر البعض ! بأن دور جامع أثينا الجديدة هو دور جماعة من الناس (جيتو دينى !) تعتبر نفسها قد أؤتمنت على شريعة ألهية ما ! تقوم على التفريق فى الحقوق والواجبات بين أهل الأمة الواحدة أى بين المسلمين أنفسهم وبين المسلمين واليونانيين ’ بل سيكون ’ أى المسجد ’ وهذا ما نرجوه أن يصير ’ مطرحا من مطارح السجود والحوار والثقافة والحب لكل انسان أيا كانت ركائبه ’ كما لا يفوتنى أن أهمس فى أذان المسيحيين الشرقيين المقيمون فى اليونان ’ على اختلاف مشاربهم ’ أن لا يتركوا أحزان الماضى ’ تسكنهم وتلاحقهم الى بلاد الغربة وأن ينسوا ما وراء ’ كما يعلمهم كتابهم ’ وأن يسعدوا ويسعوا مع أخوتهم المسلمين من أجل سلام وبنيان اليونان الذى يحتاجهم جميعا فى هذه المرحلة من تاريخه . مبروك.