الأقباط متحدون - «خريج توك توك» بين بيروقراطية حكومة وذاكرة وطن!
أخر تحديث ٢١:٤٥ | الاربعاء ١٩ اكتوبر ٢٠١٦ | بابة ١٧٣٣ش ٩ | العدد ٤٠٨٧ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

«خريج توك توك» بين بيروقراطية حكومة وذاكرة وطن!

منى مكرم عبيد
منى مكرم عبيد

 المتابع لأحوال الشارع المصرى سيجد أن الذاكرة فى أضعف أحوالها والمزاج العام يتغير بسرعة، وأن الأحداث الكبرى والوطنية خاصة لا تؤثر إلا حينما يتم استدعاؤها فى الذاكرة للاحتفال بها وما عدا ذلك، النسيان سيد الموقف.

 
أقول هذا بمناسبة حديث الرئيس السيسى الأخير فى إطار ندوات القوات المسلحة، حينما تساءل مندهشا: هل أزمتنا اليوم تقتصر على توفير السكر والزيت والرز؟، وكأن لسان حاله يقول نسيتم المخاطر التى تحوم بالوطن، سواء مخاطر إقليمية أو دولية، أو حتى داخلية وهى من أسباب الإطاحة بحكم الإخوان وهو ما دعاه للإشارة إلى بيان الثالث من يوليو، والتفاصيل المرتبطة به، وربما لسان حاله يعف عن ذكر ما شهدته مصر مؤخرا من مشروعات قومية كبرى مثل شبكة الطرق وتطوير محطات الكهرباء ومياه الشرب والإسكان الاجتماعى وغيرها.
 
ربما هذا الموقف يذكرنى بما شهدته مصر فى سبعينيات القرن الماضى، حينما كان الرئيس الراحل أنور السادات بطلا للحرب والسلام ويتمتع باحترام الداخل والخارج، ومع تحرك طفيف للأسعار ثار الناس فى الشوارع، ولم يتقبلوا ما حدث ليعود السادات عن قراراته، وما وصفه بهذه الاحتجاجات، وكأن لسان حاله يقول لهم: أنسيتم دورى فى الحرب واستعادة الكرامة؟
 
لا أهون من مشكلات ارتفاع أسعار بعض السلع أو نقصها، ولكن أين الحكومة؟ وأين مجلس النواب؟، مصر دولة مؤسسات وعلينا أن نرسخ ذلك بتحميل مؤسسات الدولة كلها لمسؤولياتها، خلط الأوراق لم يعد مقبولا، وتحمل الرئيس أخطاء الجميع ينبغى أن ينتهى، وعلينا أن نفعّل نصوص الدستور، إذا كنا نبحث عن تحول ديمقراطى حقيقى.
 
الحكومة تتعامل مثل موظف اعتاد مناخ البيروقراطية، لا خيال ولا رؤية ولا تحرك بدون قرار رئيسه، يرى معاناة المواطنين ولا يتحرك، ينتظر تكليفات قبل الإقدام على أى خطوة، تتراكم الأزمات ولا يتحرك، والنتيجة ما وصلت إليه حالة اليأس والإحباط التى بدأت تنفذ للمجتمع رويدا رويدا، ويتجدد السؤال: ماذا انتفعنا من الثورة؟!
 
نفس الشىء يتعلق بمجلس النواب، وبالرغم من أنهم نواب الشعب إلا أن تبنى هموم ومعاناة المواطنين هو آخر همهم، لا توجد لديهم وسائل لاستشعار الخطر ووضع الحلول قبل تفاقم الأزمة، لا رقابة على أداء الحكومة ولا مساءلة على أخطائها، والنتيجة تسوء الأوضاع وتتزايد المعاناة.
 
ووسط هذا المناخ ينشغل الرأى العام بما صرح به سائق توك توك لأحد البرامج التليفزيونية وإشارته إلى معاناة الناس وعدم إحساس الحكومة ومجلس النواب باحتياجات المواطنين، وبالرغم من أن حديثه غير جديد والمشكلات التى أشار إليها معروفة، إلا أننا اعتدنا الاهتمام بمثل هذه الوقائع، لتصبح كالبخار ينتشر ثم يتراجع ويختفى، وهذا مثيل بقصيدة كتبها أحد الشعراء الشباب ما قبل ثورة يونيو، وقدمها فى برنامج تليفزيونى دغدغت مشاعر المواطنين وعواطفهم ولخصت معاناة المواطنين أيضا، ثم النسيان!
 
هناك خلل لا يمكن إنكاره، وهناك معاناة للمواطنين لا يمكن التهوين منها، وهناك فى نفس الوقت شروط قاسية وضعتها مؤسسات دولية قبل حصولنا على القرض، وربما ستعجّل هذه الشروط باندلاع أزمات واحتجاجات كبيرة ما لم توفر الحكومة المناخ الآمن لها حتى لا تترك المواطن يعانى فى ظل غياب الرقابة على الأسواق، ولتكن تونس عبرة لهم، حيث شهدت احتجاجات نتيجة تفاقم الأزمة الاقتصادية وإملاءات المؤسسات الدولية فى ظل تراجع السياحة والاستثمارات الأجنبية.
 
الخلاصة: المشروعات الكبرى وحدها لا ترضى المصريين، ولا بديل عن النهوض بالتعليم والصحة وتعزيز آليات الرقابة والمساءلة على كل المؤسسات، مع ضرورة المصارحة والمكاشفة للرأى العام بكل التحديات التى يتعرض لها المجتمع، لن نصل إلى سويسرا من حيث الديمقراطية المباشرة ومشاركة المواطنين فى الاستفتاء على كل القرارات الحكومية، وإنما أبسط القواعد مصارحة الناس بما يحدث وأن يخرج مجلس النواب أو رئيس الوزراء ليقول للناس ماذا يفعل وماذا يخطط وكيف ومتى، حتى يطمئن المجتمع إلى أين يذهب الوطن؟
 
المصارحة نعمة وفضيلة، لا حرام ولا خطيئة دستورية.
 
* برلمانية سابقة وأستاذة العلوم السياسية
نقلا عن المصرى اليوم
 

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع