بقلم : عمرو الشوبكي | الاربعاء ١٩ اكتوبر ٢٠١٦ -
٥٦:
١٠ م +02:00 EET
عمرو الشوبكي
الأسئلة التى يطرحها الكثيرون همساً تتعلق بمسؤولية الرئيس عن التراجع الذى أصاب أوضاعنا الاقتصادية والسياسية فى السنوات الثلاث الأخيرة، وأن الأمر انتقل لدى قطاع يُعتد به من الناس من تحميل مسؤولية الأوضاع السيئة للحكومة أو المحافظين أو موظفى الدولة إلى مؤسسة الرئاسة، وأيضا الانتقال من مرحلة الهمس إلى مرحلة الصراخ مثلما فعل سائق التوك توك، الذى اتهم الرئيس بشكل واضح بمسؤوليته عن تدهور الأوضاع فى مصر.
ويقيناً أن النظام السياسى الذى يقوده الرئيس السيسى لا يتحمل بمفرده مسؤولية إرث عمره 40 عاما، حدثت فيه عمليات تجريف واسعة لكل مؤسسات الدولة، بجانب أخطار كبيرة شهدتها البلاد عقب ثورة يناير.
ولعل أول هذه الأسئلة يتعلق باختيارات المسؤولين، فإذا كانت الحكومة سيئة فإن مَن اختارها هو الرئيس وأجهزته الأمنية النافذة، وهنا سنجد أننا أمام أداء حكومى هو الأسوأ فى تاريخ مصر المعاصرة، وقضية السوء هنا لا علاقة لها بالأشخاص- فهناك وزراء على قدر كبير من النزاهة والإخلاص- ولكن لها علاقة بانعدام أى رؤية تحكم المعايير التى تختار الحكومة ككل، هل نحتاج وزراء ميدانيين أو مهنيين مثل إبراهيم محلب، ومعهم عدد من الوزراء السياسيين القادرين على التواصل مع المجتمع بخطاب متماسك بدلا من التصريحات العشوائية والمستفزة، وكثير منها عكس بعضها على طريقة «من كل بستان زهرة».
والحقيقة أنه بخروج محلب من رئاسة الحكومة ومنير فخرى عبدالنور من الوزارة انتهى دور المسؤول الميدانى، الذى يشعر المواطن بأنه قريب منه حتى لو لم يحل مشاكله، وأيضا نهاية آخر وزير سياسى وحزبى فى الحكومة المصرية لصالح حكومة صامتة بالكامل.
هل بالفعل الرئيس، كما يردد البعض همساً، لا يرغب فى وجود شخصيات لامعة وكفؤة فى حكومته أو من حوله، فرأينا هذا النظام الباهت؟ على عكس ما جرى فى عهد عبدالناصر (الملىء بالكفاءات الشابة المذهلة) والسادات شرحه، وحتى مبارك احتمل عمرو موسى والجنزورى (ولو لفترة امتدت إلى 4 سنوات) وغيرهم الكثيرين، أما الآن فلن نجد مسؤولا واحدا قادرا على المبادرة أو حتى حسن الكلام ولا حتى مستشارا سياسيا مدنيا واحدا مثلما شهدنا فى عهود كل رؤساء الجمهورية السابقين.
هناك مشكلة كبيرة فى طريقة اختيار المسؤولين وفى المعايير التى تحكم هذا الاختيار، وللأسف نتيجة عدم قدرة البرلمان والأحزاب على مشاركة الرئيس فى اختيار الحكومة بقيت الصورة على هذه الدرجة من التدهور والعشوائية وانعدام الكفاءة. أما الحديث الهامس الثانى فيتعلق بدور الجيش فى جوانب سياسية واقتصادية لم نعتد أن نراه فيها من قبل، صحيح أن الرد الرئاسى فى هذا الصدد له وجاهة، ويتعلق بأن مصر تعيش فى أشباه دولة، وأن كل المؤسسات تم تجريفها، وأنه لم تعد هناك مؤسسة واحدة منضبطة ويحبها الناس إلا الجيش.
وإذا كان هذا إجمالا صحيحا إلا أن المشكلة الكبرى تكمن فى أن دور الجيش (بعيدا عن مناقشة حدود هذا الدور) يأتى فى ظل حالة غير مسبوقة من الانقسام المجتمعى لم تعرفها البلاد من قبل، صحيح أنها بدأت عقب تأييد أغلبية كبيرة من الشعب تدخل الجيش لعزل مرسى، وبين أقلية عارضته، إلا أن هذا الانقسام تفاقم فى الفترة الأخيرة، وانتقل إلى قوى اجتماعية كانت مؤيدة بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية.
ولعل أخطر ما شهدته مصر، الأسبوع الماضى، يكمن فى «حروب الفيديو» التى شهدتها البلاد، فمن حديث سائق التوك توك إلى حديث السيدة «بنت البلد» المحتجين على أداء الرئيس، إلى رد أحد رجال القوات المسلحة المصرية (وهو مغطى الوجه) على حديث الأول بكلام واقعى عن تضحيات الجيش المؤكدة، ولكنه يقارن بين احتجاج المواطن والمواطنة المشروع فى أى نظام مدنى وتضحيات الجيش، وأصبحنا أمام صورة خطرة تقول إن فى مصر مدنيين مرفهين ومحتجين، وهناك عسكريون منضبطون يضحون، وإنه تم تصوير الأمر على أنهما فى حالة صراع وليس تكاملا نتيجة اختلاف واقع الحياة المدنية فى كل بلاد الدنيا عن العسكرية.
لقد أصبحت البلاد تعيش انقساما متعددا يتعمق كل يوم، بين فريق المؤيدين- الذى يدَّعى فى نفس الوقت أنه مؤيد للجيش وليس لحزب حاكم، كما يحدث فى كل الدنيا، بما فيها النظم الشمولية، وهنا سنجد مفردات: الشعب الكسول، الشعب النمرود، الشعب سبب المصائب، وبصورة أسوأ مما كان يُردد فى عهد مبارك هى السائدة الآن- ويقابلهم المعارضون الساخطون من خارج الإخوان، وكثير منهم من شرائح اجتماعية كانت مؤيدة للرئيس، وهؤلاء واجهوا المؤيدين بهجوم قاسٍ وسخرية لاذعة، ويمكن القول إنهم ربحوا معركة التواصل الاجتماعى وجزءا متزايدا من الشارع، ولم يربحوا معركة تقديم البديل.
الحديث الهامس تحول فى بعض الأحيان إلى صراخ مطلوب تأمله، وعلى الرئيس فى تلك الأوقات الأصعب فى تاريخ مصر أن ينفتح على الآراء التى تنتقد طريقة إدارته للبلاد، دون حساسية ودون إحالة لنظريات المؤامرة و«اسمعوا كلامى فقط»، أو نظرية التشكيك فى الإنجازات، وأن يراجع مسؤولية سياسة الحياد السلبى فى إهدار القانون والاستباحة وتعميق الانقسام المجتمعى، حتى دفع بالبعض إلى القول همساً إنها سياسة متعمدة، وهى كلها أمور فى حاجة إلى تأمل بلا انفعال أو أحكام مسبقة ومراجعة فورية قبل فوات الأوان.
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع