هل نحن فعلاً شعب ابن نكتة أم أن النكتة قد ماتت على أيدى حكوماتنا وأنظمتنا الميمونة؟!، هل نحن نحب المرح والفكاهة والضحك فعلاً أم أننا نكديون بدرجة امتياز؟، وهل النكت التى تتناسل بالملايين على شفاهنا هى تعبير صادق عن البهجة أم ترجمة للكبت وتعويض عن قهر؟، وهل الأفلام الكوميدية التى تجتاح شاشات السينما هى غسيل للروح حتى تصبح أكثر انتعاشاً أم غسيل للعقول حتى تصبح أكثر بياضاً؟!، نكتة كل ثانية.. نكتة لكل مواطن.. نكتة مع كل مولود... إلخ، كلها شعارات تؤكد على الحس المصرى الساخر الذى يواجه القهر والظلم بالنكتة، إن النكتة تحتاج إلى ذكاء لصياغتها، وذكاء أيضاً لاستقبالها، ولكنها دائماً عندنا نكتة مغموسة بالحزن واليأس، نكتة تلقى بقنبلة نووية على الواقع المرير،
ولكنها أبداً لا تلقى بحبل نجاة، يرد البعض ليست وظيفة النكتة أن تقدم حلاً، إنها تكشف العيوب وتفضحها لا تصلحها، إنها كشاف ضوء وليس المطلوب منها أن تتعدى هذا الدور لكى تصبح مولداً كهربياً، إنها نكات مفخخة تلمّح أكثر مما تصرّح، بداخلها كل تراث القهر الذى عانى منه الفلاح المصرى، اتهموه باللؤم برغم أن اللؤم عنده هو مجرد حيلة دفاعية يراوغ بها السلطان الجائر والموظف الظالم والواقع البخيل، والمدهش أن حجم النكت المصرية يتضاءل يوماً بعد يوم ربما لأن الواقع أكثر كوميدية من أى تنكيت، والوعى الجمعى المصرى أصبح لا يستطيع مسايرة الأوضاع المقلوبة، والدخول فى سباق خاسر مع الواقع المجنون، النكتة فقدت حرارتها والمتلقى فقد اهتمامه ومن يلقيها فقد الأمل فى التغيير، هل حدث ذلك لاختلاف وظيفة النكتة من منبه يوقظنا على جرسه المزعج إلى كرباج يجلد ظهورنا المجروحة المدهونة بالملح؟، أم حدث هذا لأننا شعب نكدى؟، بعد كل ضحكة جماعية تتمتم العائلة «اللهم اجعله خير»!، وكأنهم يعتذرون للقدر عن أنه ضبطهم متلبسين بجريمة الضحك الجماعى، لماذا هذا الاعتذار؟ وهل هذا يتماشى مع ما يقال إننا شعب ابن نكتة يحب الفكاهة والمرح؟!، مشهد متكرر وكأن القدر قد ثبت الكادر على الأصحاب الذين ما أن يصلوا لدرجة الاندماج فى الضحك و«السخسخة» حتى يبادروا بتقديم أسمى آيات الأسف والاعتذار، إننا نخاف ونتوجس من المرح والفرح والبهجة،
نخفى أفراحنا حتى لا نحسد وتصيبنا العين، نحن ننشئ تنظيمات سرية للفرح وأحزاب علنية للحزن، نهمس إلى بعضنا البعض بالنصيحة الذهبية الغالية «اعلن حزنك وابحث عن مصيبة حلت بك تقولها لأصدقائك حتى يبعدوا عن الخوض فى سيرتك والقر عليك»، أفراحنا التى نمارسها فى حفلات الزفاف صارت مسرحية هزلية وتمثيلية مسبوكة نقترف فيها أى شىء إلا البهجة والفرح، نرقص بافتعال، ونصرخ فى الميكروفونات بهستيريا، ويختلط الحابل بالنابل ويتوه العريس والعروسة فى بحر نميمة عواجيز الفرح، ويصبح الفرح سوق التلات الذى تأتى فيه الأمهات لعرض بناتهن العوانس على الزباين لاختيار سلعة الزواج التايوانى الغارقة فى الماكياج، ويتباهى فيه أهل العريس والعروسة باسم المطرب الشهير وسعره ومصمم الكوشة وعدد نجوم الأوتيل وحجم الأوبن بوفيه ونجومية المعازيم وثمن فستان الفرح، ونسأل ونحن نقتحم بالأكتاف زحام اللحم الإنسانى أين الفرح؟، فيأتينا الرد أمال اللى قدامك ده إيه...حفلة زار؟، وأبتسم.. هى فعلاً حفلة زار بكودية وقرابين ودروشة ودق دفوف ولكن اسمها الحركى حفلة زفاف.
نقلا عن الوطن