أصبح تعويم الجنيه حديث أساسيًا في الشارع المصري، ليس فقط بين الاقتصاديين والنخبة، لما ظهر من بوادره، في ظل تسيد حالة من التقرب سوق العملة بشأن انتظار القرار المرتقب للبنك المركزي لتعويم الجنيه، في ظل ما يشهده السوق من ارتفاع أسعار الدولار في السوق الموازية بشكل متواصل لتزيد الفجوة بين سعره في السوق الموازية والسعر الرسمي إلى وصل إلى الستة عشر جنيهًا، مما حول الأمر من مجرد أداة نقد إلى سلعة تدير الأرباح الطائلة على المشتغلين بهذا المجال، وكان اتخذ محافظ البنك المركزي هشام رامز إجراءات لوضع حد أقصى لسحب العملة الأجنبية، للسعي للسيطرة على السوق الموازية، إلا أن تلك المحاولات والإجراءات باءت بالفشل وازدادت أسعار الدولار لمستويات قياسية، وشهد الاقتصاد المصري في 2003 قرار الحكومة المصرية برئاسة عاطف عبيد حينها، تعويم الجنيه، مما تسبب هذا القرار إلى ارتفاع سعر الدولار إلى 50 %، ولا زال النقاش والحديث حول جدوى قرار تعويم الجنيه وأثره السلبية والإيجابية على الاقتصاد المصري. ودارت مناظرة في حلقة أمس لبرنامج "مع إبراهيم عيسى"، حول تعويم الجنية بين مؤيد وهو الدكتور ماجد شوقي، نائب رئيس مجلس إدارة شركة بلتون المالية، ومن الطرف الأخر، الكاتب الصحفي أحمد السيد النجار، رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام.
للتعويم أكثر من سياسة وأكثرها حكمة المتغير
قال الكاتب الصحفي أحمد السيد النجار، رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام، إن مصطلح تعويم الجنيه، يعيني ترك العملة لقوى السوق، حيث يتحدد سعرها حسب العرض والطلب، وذلك سواء كان طلب مشروع وغير مشروع مثل تجارة السلاح والمخدرات وغيرها، مضيفًا أن هناك عدد من سياسات سعر الصرف منها سعر الصرف التحكمي، والتعويم الكامل وهناك التسعير التحكمي المتغير وهو الأكثر حكمة ويطبق هذا النظام في ماليزيا والصين، بالنسبة لوضع مصر هناك عجز حساب في ميزان الحساب الجاري 18.7 مليار دولار، في السلع والخدمات والتحويلات، 39 مليار دولار عجز في التجارة السلعية، وتجارة الخدمات تعوض جزء من ذلك، ففي بلد لديها مثل هذا العجز ولديها تجارة مخدرات ومشاكل أخرى، فتهريب أموال السوق السوداء للخارج وأموال الفاسدين.
في مصر ما سيحدث تخفيض للجنيه وليس تعويم
قال الدكتور ماجد شوقي، نائب رئيس مجلس إدارة شركة بلتون المالية، مصطلح تعويم العملة معروف ومتداول في العالم، لكن هنا في مصر يطلق عليه "تعويم الجنيه" لكن هو بالأساس تخفيض لقيمة الجنيه بنسبة معينة، فتجارب مصر السابقة قامت بتخفيض نسبة الجنيه بنسبة معينة 20 أو 30 %، ويتم تخفيض الصرف، ويجري ما يسمى بالتعويم المدار، أي يتم إدارة السعر، لكن بالعموم ليس بالضرورة أي تعويم يؤدي لتخفيض، فهناك بعض الحالات ترتفع سعر العملة، لكن في الحالة المصرية ستقل بالتأكيد. وما يجري هو تخفيض للجنيه وليس تعويم للجنيه، فالتعويم 50 أو 60 % ثم يرتفع اليوم التالي 20% أو 30%.
الاقتصاد المصري يعاني من نقص العملة الأجنبية في حين الطلب مرتفع
أكد "النجار"، أن التعويم هو عرض لأمراض كثير في الاقتصاد المصري، فهناك عجز في الميزان التجاري وعجز في ميزان الحساب الجاري، وهناك طلب كبير على العملات الأجنبية والعرض أقل بكثير ففي الأخر يتم الضغط على الجنيه، بالإضافة إلى الفائدة السلبية، فهذا لا يشجع على الادخار بل ويسبب اللجوء إلى الكسب بطرق أخرى منها شراء الأصول مثل العقارات والاستهلاك منها السلع المعمرة، كما العجز في الدين المحلي للدولة الذي وصل في مارس الماضي إلى 2.5 تريليون جنيه، بالإضافة إلى الدين الخارجي الذي وصل إلى 53.4 مليار دولار، ومرشح للزيادة أكثر بعد قرض صندوق النقد الدولي، الذي يشترط دائمًا تخفيض العملة.
قرار التعويم يجب أن لا يكون منفرد فيجب إيجاد مصادر للدولار
وأكد "شوقي"، تطبيق القرار والمراقبة على تطبيقه ومسار تأثيره على السياسة الاقتصادية يكون من البنك المركزي، والذي من مهامه سوق الصرف وانضباطه وانضباط الأسعار واستهداف التضخم، وأسعار الفائدة، ولكن يجب أن في الاعتبار يجب وجود بالأساس سياسة اقتصادية واضحة وصريحة للمصادر التي ستزيد سعر الدولار، والمصادر هذه تأتي بمصادر أخرى منها السياحة والمحاولة لتنميته أو التصنيع وتشجيعه والسياسات التصديرية وإزالة العوائق بها، كل تلك المصادر يجب أن تخدم القرار، لكن أخذ القرار مطلقًا لن يجدي نفعًا، ومن سلطات البنك المركزي الموافقة على قرض صندوق القرض الدولي بالتشاور مع الحكومة بالتأكيد.
تعويم الجنيه جزء من حل المشكلة الاقتصادية وليس كل الحل
قال "شوقي"، إن تعويم الجنيه هو عرض وليس مرض، لكن الحكومات في الإصلاحات الاقتصادية تطبقه لعلاج المعرض، فحدوث خلل في الإنتاجية في دولة ما فيقوم تعويم العملة حتى يشجع على التصنيع أكثر ويكون أكثر منافسة في التصدير وتكون خدمات مثل السياحة أكثر منافسة من الدول السياحية الأخرى. فلهذا تعويم الجنيه ليس مرض للاقتصاد المصري، لكن هناك أصبحت هناك سيطرة كاملة على الذهن والفكر بسبب الإعلام، أن سعر الصرف سيحل كل مشاكلنا الاقتصادية، لكن واقعيًا سيكون هو حل لجزء من المشاكل الاقتصادية، بجانب باقي الإصلاحات الاقتصادية مثل الاستثمار والسيحة و التصدير، وضبط الأسواق الداخلية، فمن المفترض أن عدم تحرك سعر الدولار أن تتحرك أيضًا أسعار السلع، وكما في السوق السوداء هناك زيادات في الأسعار غير مبررة.
التعويم أحد مظاهر أزمة الاقتصاد المصري
قال "النجار"، إن تعويم الجنيه ليس حلًا لحل أزمة الاقتصاد المصري، بل هو أحد مظاهر أزمة الاقتصاد المصري، وقرار التعويم أكبر من أن تقوم سلطة نقدية بإصداره، فمؤكد أن الحكومة تتشارك في القرار مع البنك المركزي وهذا يتم في كل البلدان، وذلك نظرًا لأهمية القرار ولتداخله مع مجالات كثيرة تتأثر في سعر الصرف منها الصادرات والواردات والسياحة وارتفاع الأسعار، والتأثير الاجتماعي والتأثير السياسي أيضًا، ومن حيث الواردات فمصر تستورد بقيمة 86 مليار دولار فعندما تتأثر أسعار الصرف ستتأثر وترتفع الأسعار بنفس قيمة انخفاض الجنيه أمام الدولار.