يروى نجيب محفوظ فى مذكراته، التى كتبها الراحل رجاء النقاش، أنه لما تخرج فى جامعة القاهرة كان مرشحاً لبعثة دراسية فى الخارج، وأن اسمه جرى رفضه عندما عرضوه على الموظف المختص، وأن الرفض كان راجعاً إلى اعتقاد الموظف أن صاحب الاسم قبطى!
فى ذلك الوقت، من زمان ما قبل ثورة يوليو 1952، كان الدكتور نجيب محفوظ باشا، طبيب أمراض النساء، اسماً شهيراً فى الحياة العامة، وكان هو الذى أشرف على وضع نجيب محفوظ طفلاً، وكانت أم أديب نوبل قد أطلقت اسم طبيبها على وليدها، وكان موظف الجامعة يعرف، فيما يبدو، أن الطبيب الشهير قبطى، وأن الطالب المعروضة أوراقه أمامه، من أجل الفوز بالبعثة، قبطى بالتالى، فحجبها عنه، فلا سامحه الله، ولا سامح أمثاله، ممن يتطلعون إلى كل شخص حسب ديانته، لا حسب انتمائه إلى وطنه وفقط!
واقعة كهذه، تشير لنا جميعاً إلى أهمية الخطوة التى اتخذها الدكتور جابر نصار، فى الجامعة ذاتها، حين ألغى خانة الديانة فى الأوراق الرسمية التى تتعامل فيها جامعته كلها، ليس لأنه ضد ديانة أحد أياً كانت، لا سمح الله، ولكن لأنه يريد كما نريد، وكما يريد كل عاقل فى هذا البلد، أن ننحى جانباً ديانة كل واحد منا، لتكون بعيدة عن أى نقاش عام بيننا، وأن تكون الديانة مسألة بين الإنسان وربه، سبحانه وتعالى، وألا يدخل فيها طرف ثالث لأى سبب!
قرار رئيس الجامعة الأم قرار مهم، وعلينا أن نشجعه كلنا، وأن نقف إلى جواره، غير أن له بقية، فى الجامعة وفى خارج الجامعة، وهذه البقية هى ألا نحرم أى مصرى من أى وظيفة بسبب ديانته، وأن تكون كل الوظائف داخل الجامعة وخارجها بالسواء، مفتوحة أمام كل مصرى، مادام قد استوفى باقى الشروط المطلوبة لشغلها كوظيفة!
إننى أطالب الدكتور جابر بأن يفرض هذه القاعدة فرضاً، وأن يرسخها فى تعيينات المعيدين، والعمداء، ورؤساء الأقسام، وغيرها فى جامعته، وأن يتحراها بنفسه، وألا يتهاون فى ذلك أبداً، وألا يتم حرمان أى إنسان داخل الجامعة، من موقع يستحقه، لسبب متعلق بديانته، فمثل هذا الحرمان إذا وقع، يظل عاراً فى جبين كل إنسان حر!
واقعة نجيب محفوظ تنبهنا إلى أن التمييز ضد الناس، يمكن أن يمارسه بعضنا من مجرد سماع الاسم، ومن مجرد تخمين ديانة صاحب الاسم، دون الرجوع إلى شهادة ميلاده، ولا إلى أوراقه، وهذا ما لا يجب أن نسمح به، بأى حال، وما لا يجب أن نمرره تحت أى ظرف!
حامل جنسية هذا الوطن هو مصرى، ولا شىء غير ذلك، وليس مطلوباً منه أن يكشف عن شىء يخص شخصيته، سوى أنه مصرى، ولا مطلوب منا، كحكومة بكل أجهزتها، ودولة بكل مؤسساتها، أن نعامله على غير هذا الأساس.. أساس أنه مصرى وفقط، فهو يكفى ويزيد!
نقلا عن المصري اليوم