د. مينا ملاك عازر
توقفنا في المقال السابق عند تقييمي لأفراد العمل المعنون بالفزاعة، لا داعي هنا إلى أن أؤكد أن الفكرة متميزة، ولها إسقاطات سياسية في رأيي، لا أعرف إن كان هذا مقصود أم أنني فهمته بسبب اهتمامي بالسياسة، غير أن الفكرة كانت أيضاً إنسانية في المقام الأول قبل المسألة السياسية، بيد أنه عابها إظهار رجل الدين مهتز في إيمانه، صحيح هناك رجال دين يهتزون في إيمانهم لكن المسرحية لم تفلح في الإجابة على الأسئلة التي طرحها الحداد قبل موته على الكاهن، فحين سأله لماذا يصمت الله على كل هذا الظلم الذي يجري؟ وكان أولى برجل الدين أن يقل له أن متى لا يحل الله لك مشكلتك فهو يؤمن بقدرتك على حلها، وهي حقيقة أن الله يريدنا أن نعمل بأنفسنا، وهو ما تم حين ثارت الرعية على الظالم وعلى من يخيفهم وتجردوا من خوفهم تخلصوا من الطغيان بيد أن من جسد رجل الدين زاد في توصيل إحساس اهتزاز رجل الدين لنا بدون داعي في شكل مسيء جداً.
أما من جسد دور الوالي فكان جيد في مستواه واجتهد، في حين كان واضحاً أن من جسدوا دور الفلاحات اللائي يبعن الخضروات بعيدات جداً عن تجسيد تلك الشخصية، فكنا فلاحات مودرن، أما السكران فقد كان رائعاً في الجزء الأول من المسرحية ولكنه حين استفاق وقرر أن يفيق ابن الحداد كان عليه أن يتخلى عن لكنة السكران التي استخدمها طوال المسرحية، وكان عليه التخلي عن زجاجة الخمر لكنه لم يفعل، فأساء للدور، أما ابن الحداد فكان هو فزاعة العرض، فكان صوته عالي دائماً دون مبرر، فليس شرطاً أن يكون الثائر ذو صوت عالي. ولا تنسى عزيزي القارئ، أن صوتك العالي دليل على ضعف منطقك، ففي حين كان منطقه حسن كان صوته منفر، أما صاحب المنطق الحسن والصوت المخنف هو حكيم المسرحية -سليم العريس- الذي كان مقدمه متوسط الأداء، أما تاجر العبيد فكان أقل الممثلين إذ حاول أن يجود فقدم أفيهات أفسدت الكثير من اللحظات الدرامية التي صيغت بحنكة، وهذا ما ينقلني للمخرج الذي كان واضحاً أنه غير مسيطر على الممثلين، فلم يحكم الموقف، وترك الكل يجود بقدر استطاعته، فكانت منافسة بين الفريق، فأساءوا للعمل أكثر مما أفادوه.
العرافة وهي التي شعرت بأنها الإعلام، تدافع عن من في السلطة دون النظر للمنطق ودون الإحساس بأهلها وشعبها، كان الدور كبير على من قدمته حتى أنها لم تقدم سوى كلمات مسجوعة من باب جذب الانتباه، أما غير هذا فكان دورها مهتز لحد كبير، كان واضحاً أن الممثلين غير حافظين بشكل جيد، وأن مجموعات العمل التي ملأت المسرح غير متجانسة، فكنا نراهم يتداخلونمحاولة لتغطية أخطاء الآخرين،عابهم محاولتهم التعلية على النص، وإظهار خفة دمهم في مسرحية درامية ما عبر عن عدم فهم البعض لعمق دورهم.
أما من قدم شخصية الطاعون، فكان أقوى الممثلين وأروعهم، وأكثر فهم لعمق الدور، أبدع وعابه فقط ارتفاع صوته في بعض الأحيان الذي أرجعته في رأيي أنه يحاول التغطية على ضعف من حوله، لكنه أحسن.
آخر الكلام إلى فريق مارمرقس للدراما، البون شاسع بين فن الإلقاء والتمثيل، ومن لا يعرف الفرق فليرحل، لأنكم تحملون على كواهلكم تاريخ عظيم من العروض الجيدة بل والمتميزة، يبدو أيضاً أنه من الأفضل الاستمرار على استخدامكم للغة العامية فهي أسهل لكم وتخففكم من عبء استخدام اللغة العربية التي كانت ثقيلة عليكم وعلى قدراتكم، ما كان واضحاً في "الأشجار تموت واقفة" للأسف معظم من شاركوا في العرض لم يمثلوا بل ألقوا الكلام في رغبة فقط للظهور، ومنهم من أساء للعرض بأفيهات ليست في محلها أفسدت كثيراً لكنهم لم يعبءوا بهذا إذ كانوا يبحثون عن ضحكات الجمهور وتصفيقه حتى لو كان هذا على حساب العمل.
المختصر المفيد نحتاج للجدية في كل أعمالنا، حتى ولو كنا نرسم بسمة.