كتبها Oliver
كان التلاميذ منشغلون بقواربهم العتيقة.كان في قاربهم وسادة و هو ما لم يكن معتاداً عند الصيادين.فلا أحد ينام في القوارب العتيقة لا في إبحارها و لا في إستقرارها.
هذه هي المرة الوحيدة في الكتاب المقدس التي تذكر فيها كلمة(وسادة) و يبدو أن التلاميذ قد احضروها خصيصاً للمعلم فلماذا؟....كان للمسيح متكأ في كل بيت يدخله. و كم قيل عنه أنه إتكأ أي جلس علي وسادة كعادة اليهود.و كان كبير البيت هو الذي يتكأ.و حين يدخل البيت ضيفا مُهٍماً كان يأخذ المتكأ فيغسل له أصحاب البيت قدميه كنوع من الترحيب و التكريم.و هكذا صنعت ساكبات الطيب و الدموع.وسادة القارب كانت ترحيب و تكريم و تمييز و إعتبار أن هذا القارب هو بيت التلاميذ يرحبون فيه بالمعلم العظيم والزائر العجيب. كان هذا ما يجب أن يكون غير أن الأمر في السفينة كان مختلفاً.
مر وقت إنشغل التلاميذ بالبحر و السفن الصغيرة المرافقة تاركين المعلم وحده الذي دعاهم لكي يكونوا صيادى الناس. و صار كبير البيت في المؤخرة متروكاً فأخذ الوسادة بلا تكريم و جعلها تحت رأسه و إنزوى .حيث لم تعد الوسادة متكأً للسيد.
حين تصبح للمسيح وسادة بلا تكريم و معرفة بغير محبة و صلاة فاقدة الروح و قلب ينقصه الرحمة و مكان بلا مكانة و كنيسة بغير وحدة و إيمان بدون شركة هنا فقط تبدأ العاصفة.
في العاصفة
نزل نوء ريح في البحيرة .فنزول النوء كان بأمر الرب الذي ظنوه نائماً .أو تركوه بإدعاء أنه نائم.و هو لم يكن .لأن النوء ينزل بزخات من المطر علي ثياب المسيح الخفيفة و من ينعس وسط المطر؟ فالماء يوقظ النائم.أيضاً كان موج البحر يتصاعد بضربات مخيفة للسفينة والماء يتراكم حتي يكاد يملأ السفينة و إذا تراكم الماء فهو ينحدر إلي المؤخرة. فكيف يكون المسيح نائماً .
المطر من فوق والموج من أسفل و لا زال البعض يعتقد أن المسيح نائماً. الريح تشتد و السفينة تتمايل بإضطراب عظيم و تكاد تغرق فهل المسيح في نعاسِ ثقيل كما يظن البعض؟ كلا. لم يكن المسيح نائماً ناسوتياً و لا هو ينام لاهوتياً. لقد أراد بعد أن علم الجموع عند الشاطئ أن يقدم درساً عملياً لتلاميذه في البحر .فالدروس عند الشاطئ سهلة.و التعليم بالكلمات ميسور. أما التعليم وسط البحر فهو الأثبت مع أنه الأصعب.المسيح يعلم بالوصايا كما يعلم بالريح و النوء و الموج و المطر. المسيح يعلم بالطبيعة كلها كما فعل قديماً مع يونان النبى..كل ما في وسط البحر صار أداة تعليمية في يد الرب الذي حسبوه نائماً و هو المعلم البارع. هكذا كل ما في تجاربك أدوات يعلم بها الرب قلبك و فكرك و إيمانك.كل ما تحسبه مخاطر للموت تصير في يد المسيح معالم للطريق و الحق و الحياة.كل ما تستصعبه يكون لك ثبات إيمان لا يتزعزع.فقط لا تدع المسيح في المؤخرة.لا تتركه منزوياً في أركان حياتك.المسيح هو الأول.له الصدارة في كل شيء.لكنك لو ظننته نائماً تحسب نفسك وحدك .تبتل ثيابك من دموع الهموم.و تضطرب من رياح بحر العالم .تنظر إلي الناس فى السفن المرافقة فإذا هي لا تقدر أن تعينك فهي في ذات البحر و نفس الإضطراب.فكيف تلتجئ لذراع بشر.و تدع المسيح هناك وحده و تقاوم الصعاب بدونه فتكتشف أخيراً أنك تغرق حينها فقط تسرع و توقظ المعلم.حينها فقط تنسي البحر و الموج و النوء و المطر و إضطراب السفينة و تتجاهل السفن الأخري والناس و من معك و تنظر للمسيح الذي حسبته نائماً عنك و هو لا ينم.فأنظر و إنتظر ما سيفعل لأجلك.
أوقظ المعلم
الثلاثة أناجيل التي ذكرت هذه المعجزة قالت أن الرب نام نعم المسيح ينام جسدياً لكنه في هذا الموقف لم يكن نائماً كما نفهم النوم الجسدي.النوم هنا يعني التخلي المؤقت.لحيظة الترك التي يشعرها الإنسان حين تتوقف النعمة عنه قليلاً ليدرك ضآلته بدون العون الإلهي.النوم هنا هو طريقة المسيح لتوصيل الدرس الخالد لتلاميذه و ليس نوماً كما ننامه نحن.المسيح نائماً هذا ما ظنه التلاميذ.الحقيقة أن التلاميذ هم الذين ناموا و أراد الرب يسوع أن يوقظهم. مع ظنهم أنه نائم لكنهم لم يريدوا أن يوقظوه إلا أخيراً.كان الإيمان نائمُ.و الإتكال علي الرب نائم ُ .كانت العيون مشتتة بين الموج و بين النوء.تنظر إلي أسفل فتجد الغرق تنظر إلي فوق فتجد الرياح هائجة تطيح بالأشرعة. هناك ليس ببعيدا سفناً أصغر.تواجه نفس الورطة.كل السفن كل النفوس تكاد تغرق.لن ينجو سوي من يصرخ للإله الذي صنع هذا البحر و الريح و الموج و النوء. كل من في تجربة تأتيه أفكار أن الرب نام عنه و يقول مع المرتل قم يا رب لماذا تنام؟ أو نتركه منزوياً في القلب ثم نعاتبه قائلاً لماذا تختفي في أزمنة الضيق؟ نحن من يجب أن يستيقظ و ينتبه لا الرب.هذه بداية اليقظة.أن تعرف أن مسيحك متروك منك مع أنك لست متروكاً منه.أن تدرك أنك متجاهله بينما عينه عليك فيما تظن أنه نائم و عيناه مغلقتين. لتكن محبته أكثر من محبتك للناس و الأشياء.لا توقظ المعلم أولاً بل إستيقظ أنت أولاً حينها تعرف أن المعلم منتبه جداً لا يحتاج من يوقظه.و أن التجربة هي من تدبيره و أنها لأجل حياة ابدية و ليست للموت.فالإبن الضال حين إستيقظ كان أبوه هناك منتبهاً و عينه عليه خارجاً إلي الطريق ليعانقه.يا كل من في ضيق إستعد لعناق المسيح.إنه خارج من السماء لأجلك.ليكن معك طوال حياتك.
إن أردت أن تتأكد أنه منتبه إليك فالأمر سهل .أصرخ من قلبك لا من فمك.إغلق عينيك عن الناس و إتجه ببصرك نحوه.لا تخش الماء أي الضيقة و لو غمرت حياتك و لو حسبت أن أحداً لا يعاني مثلما تعاني.و كأن التجارب تترصدك أنت وحدك.لا تخش.فالموت و الحياة في يد الله الذي يحسبوه نائماً و ليس في يد الضيقة أو التجربة. ليس الموت في سلطان البحر و الموج .ليس في الريح و النوء بل في يد المسيح وحده حياتنا. الكنيسة السفينة التي لن تغرق طالما هي تاركة الإتكال علي الناس.لن تغرق و لو إمتلأت بالمياه من الداخل و هاجمتها الريح من الخارج لأن ربها صاحب السلطان.و هو أيضاً داخل كل قلب حتى القلوب التى تتجاهله و لا تقدم له سوي وسادة لينام لأنها قلوب تتكل على نفسها فحسب و تطلب من المسيح أن يقف متفرجاً أو يمض عنها.و يتخدر ضميرها الروحي . الآن و بسرعة حول الوسادة إلي متكأ.و أكرم سيدك.قدم له ما يليق بمكانته.إغسل أقدامه بغسل أقدام أولاده.أي بمغفرة أخطاء الناس نحوك و عدم إدانتهم.ستخرج عندئذ الخشبة من العيون و تبصر السيد جالساً في القلب كأنه علي العرش.لا تنس .إستبدل الوسادة بالمتكأ.فكبير البيت مستحق أن يتصدر مشهد حياتك القصير من أوله إلي آخره.
هدوء عظيم
من موج عظيم إلي هدوء عظيم هذا هو عمل المسيح. من المزبلة إلي العرش يرفعنا السيد تحت البائسين و يجلسنا علي كراسى الرؤساء.فأنظر أي مجد يأتي بعد الإضطراب العظيم.فلا تنخدع بهياج الدنيا لأن مسيحك يأمر فيختفي الهياج.ليس في البحر آثار هكذا أيضاً التجارب .تختفي بلا أثر لكن يضع المسيح فيك آثار محبته.و ما يبقي من التجارب هو ذكريات للإيمان.
صلاة لأجل السفينة المضطربة
يا عالياً فوق الأعالي كلها.من الأسفل نناديك و أنت هنا أيضاً.سفينتك قد إمتلأت بالمياه من الداخل.كنا نسكنها للنجاة معك الآن ندخلها خائفين من الغرق . لم نعد ننتبه إليك.لم تأخذ مكانتك التي تليق بك في كنيستك و وسط شعبك بعد. لذلك نضطرب.فصوت المياه يزمجر كالأسد و نحن ننهزم من خيالاتنا . مع ضربات الموج نترنح. أرواحنا مصابة بهشاشة المحبة.الربابنة يترنحون مثلنا أيضاً مثلما فعل التلاميذ ذات مرة. الأشرعة تتطاير و تتمزق و نتعري من القداسة.إمتلأت السفينة بأمتعة غريبة حتي لم يعد لك فيها مكان .متي تأتي و تطهر سفينتك؟ نصلي من أجل ربابنة سفينتك.قل لهم أن يستيقظوا فنستيقظ معهم.قوَم ربابنة السفينة لأنهم لك تلاميذ .إسألهم أين متكأك.لقد أعطوك وسادة فإنزويت.لذا نكاد نهلك كلنا. سفينتنا تدور حول نفسها من الموج العاتي.فلا نمو و لا ثبات.سفينتنا مرتعاً للرياح تخترقها أفكار الناس كالغربال.فكيف تبقي ساكتاً ساكناً و فكرك السماوي لا يسكن عروستك.نحن نعلم يقيناً أننا نهمك.و لو لم يهتم تلاميذ هذا الزمان بك فنحن البسطاء الجهلاء محتاجينك أكثر منهم فلا تسكت.
إنتهر الجهل الذي به جعلناك في المؤخرة.إنتهر العمي الذي أصاب قلوبنا فظنناك نائماً عنا لا يهمك أمرنا.إنتهر العيون التي تنحرف عن النظر إليك.و المشاعر الممتلئة بخوف العالم لا مخافتك.إنتهر من تجبر و طمست عيونه القساوة و من نسيك و ظن أن مقود السفينة في يده.خذ من الكل القيادة و كن لنا الأول .تصدر شعبك كله.إسبق كل نفس قدام أبيك الصالح و توسط لأجلنا و الربابنة الذين يرعون أنفسهم أوقظهم لأنهم أخذونا بعيدا بعيداً. أظهر جبروتك فيعود الهدوء العظيم الذي إفتقدناه في كنيستك و يخاف منا الموج و الريح .أغرس في سفينتك ربابنة يرتفع من قلوبهم صوت تسبيحك.
ليس أحد منا علي الشاطئ.كلنا في عمق البحر.كيف نعبر هذا الإضطراب بدونك. علًم تلاميذ هذا الزمان درسك التليد.قل لمن إستغني عنك أن سلطانك فوق كل سلطان.علي الموج و الريح و البحر و الربابنة و علينا لك كل السلطان.نعتذر لك عن أزمنة الضيق التي جلبناها لأنفسنا ثم إشتكيناها لك .نطلب الصفح و المغفرة عمن تاهت مسئوليته من كهنتنا و اساقفتنا الذين تهنا معهم.نعم نحن ليس لنا سواك نبث إليه ما فينا.نفوسنا تأذت جداً و لا تقدر إلا علي محبتهم.لكن الجروح تتعمق و المجاديف تتحطم . النفوس المكسورة تتزايد مع كل ريح تخبطنا.و الغرقى يتضاعفون مع كل موجة تلطمنا بعنفها.سفينتك مفتقدة لحضنك.شعبك يطلب رحمة منك أنت و لطفاَ من روحك القدوس.فنكف عن صراعاتنا مع الذين فوقنا و الذين تحتنا و نستريح عند قدميك لأننا تعبنا جداً حتى صار التعب عملتنا التي بها نشتري و نبيع في سفينتك.أبطل عن سفينتك الذوات المتناحرة و إستبدلها بالودعاء الذين يرثون الأرض الجديدة معك.يا أب الكل كن عوناً للكل صغيرا و كبيراً فيعود اليمام ليسكن في أرضنا و العصافير البريئة تجد لها عُشاً فيك.السنونة الرقيقة تطمئن.و قلوب الأطفال تعود.لأن الريح و البحر يطيعانك.