بقلم : د. عماد جاد | الأحد ٢٣ اكتوبر ٢٠١٦ -
١٨:
١٠ ص +02:00 EET
د. عماد جاد
تحمل لنا الأنباء المتواترة مقتل واعتقال عناصر من الجماعة السلفية فى مصر وسوريا وليبيا، حيث كانت هذه العناصر تقاتل ضد القوات المصرية والنظامية فى سوريا وليبيا، وهى عناصر تنتمى للدعوة السلفية التى تمتلك حزب النور المشارك بأحد عشر نائباً فى البرلمان المصرى الحالى، برلمان ثورة الثلاثين من يونيو، فى مشهد يحمل تناقضاً جوهرياً على المستويات النظرية والعملية.
تكشف تجارب البشر عبر قارات العالم المختلفة، من أوروبا إلى أمريكا اللاتينية، إضافة إلى أفريقيا وآسيا، أن التطور الديمقراطى يتحقق فى حال النجاح فى الفصل ما بين الدين والسياسة، فقد دفعت شعوب العالم المختلفة ثمناً باهظاً لظاهرة الخلط بين الدين والسياسة، وعانت البشرية كثيراً من تحالف رجال الدين مع رجال السلطة، رجال الدين يبررون لرجال السلطة أفعالهم حتى إن ناقضت الدين، ورجال السلطة يملأون جيوب وخزائن رجال الدين بذهب المعز. عانت الشعوب الأوروبية كثيراً من تحالف الكنيسة مع الملوك والأباطرة، ومن تعاونهما جاءت أفكار شيطانية من قبيل بيع الفردوس وصكوك الغفران وغيرها من الاتجار بالدين، أعاق هذا التحالف تكريس مبادئ حقوق الإنسان كما أعاق عملية التطور الديمقراطى، وعندما ثارت الشعوب كان الثمن باهظاً بالنسبة للشعوب والأديان أيضاً، فسلوك رجال الدين وانحرافاتهم رفعت من معدلات الإلحاد فى المجتمعات الغربية عامة والأوروبية خاصة، وكان الثمن فى روسيا القيصرية باهظاً للغاية، فمن علاقة القيصر برأس الكنيسة الأرثوذكسية الروسية جرى صك مقولة «الدين أفيون الشعوب» فى إشارة إلى دور رجال الدين فى إطفاء جذوة الاحتجاج والغضب الناجم عن انتهاكات القيصر. تعلمت شعوب العالم الغربى الدرس، ومن ثم حرصت على الفصل ما بين الدين والسياسة، وبهذا الفصل تم حصر نشاط الكنيسة فى المجال الروحى الذى يربط العبد بالرب ولا شأن لها بالمجال العام فى البلاد.
ارتكب المجلس الأعلى السابق للقوات المسلحة بقيادة المشير طنطاوى جريمة بحق البلاد عندما وضع يده بيد جماعة الإخوان والتيار السلفى وسلمهم مهمة تعديل دستور ١٩٧١، فمنح رئاسة اللجنة للمستشار طاق البشرى وفى عضويتها صبحى صالح، كانت مهمة اللجنة فتح الطريق أمام شرعنة تأسيس الأحزاب على أساس دينى، وهو ما تحقق لهم بالفعل فظهرت أحزاب دينية منها «الحرية والعدالة» لجماعة الإخوان وحزب النور للجبهة السلفية، وغيرهما من الأحزاب التى نشأت على أساس دينى. وتواطأ المجلس الأعلى للقوات المسلحة مع تيار الإسلام السياسى مرة ثانية من خلال ترك أحزاب التيار تقوم بتديين المجال العام فى البلاد وتستخدم المساجد فى الحشد للانتخابات، وترتكب عشرات المخالفات خلال العملية الانتخابية دون محاسبة. كانت النتيجة المنطقية لكل ذلك فوز تيار الإسلام السياسى بنحو ثلاثة أرباع مقاعد البرلمان عام ٢٠١١، هيمنوا على البرلمان بمجلسيه وسيطروا على كافة لجانه وبدأوا فى تدشين بنية قانونية لدولة دينية. وقد اكتملت حلقات الجريمة بتواطؤ المجلس الأعلى للقوات المسلحة مرة ثالثة مع تيار الإسلام السياسى عندما سمح بترشح محمد مرسى الذى كان هارباً من السجن، ولم يحقق المجلس فى المخالفات التى ارتكبت فى جولة الإعادة سواء بالتحقيق فى بطاقات «المطابع الأميرية» أو منع قرى قبطية بالكامل فى صعيد مصر من التصويت بقوة السلاح.
عموماً هيمن تيار الإسلام السياسى على مجلسى الشعب والشورى، وحصد مقعد رئيس الجمهورية، وبدأ فى تنفيذ مخططه للهيمنة على المنطقة بالكامل. ثار الشعب المصرى دفاعاً عن هويته الوطنية، وخرج فى ثورة عارمة وتمكن بمساندة القوات المسلحة من استرداد ثورته وبدء مرحلة انتقالية جديدة على نحو منظم ومنضبط. تشكلت جمعية تأسيسية جديدة لتعديل دستور البلاد، أو لكتابة دستور جديد، ضمت الجمعية الجديدة كافة ألوان الطيف فى المجتمع المصرى بما فيها التيار السلفى، وانتهى الأمر بالعودة إلى الوضع الذى كان قائماً قبل تعديلات مارس ٢٠١١ بخصوص إنشاء الأحزاب السياسية، حيث تم شطب الفقرة التى تسمح بقيام الأحزاب على أساس دينى، وتم إقرار الدستور الجديد للبلاد. وبقى الوضع على ما هو عليه من الناحية الواقعية، دستور يمنع تأسيس الأحزاب على أساس دينى، وأحزاب دينية موجودة فى الواقع المصرى، هذا الوضع ينطوى على مخالفة صريحة للدستور، والأحزاب الدينية القائمة تتحايل على النص الدستورى تارة عبر الحديث عن أنها ليست بأحزاب دينية، وتارة أخرى عبر سياسة المواءمة التى تتبعها هذه الأحزاب وعلى رأسها حزب النور، الذى حرص على أن يكون موجوداً فى مشهد الثالث من يوليو، ويمثل جزءاً من خارطة المستقبل، يشارك فى الجمعية التأسيسية لكتابة دستور البلاد الجديد، ويقبل بتمرير مادة تمنع قيام الأحزاب على أساس دينى، تجتمع هيئته العليا وتقرر تأييد المشير عبدالفتاح السيسى فى الانتخابات الرئاسية.
بإقرار دستور البلاد الجديد، ودخوله حيز التنفيذ بمادة تمنع قيام الأحزاب على أساس دينى، كان ضرورياً تسوية أوضاع الأحزاب الدينية لأن وجودها كما هى بات مخالفاً للدستور واستمرارها كما هى بات يمثل انتهاكاً شديداً للدستور. تطبيق الدستور كان يعنى ضرورة حل هذه الأحزاب، وهو أمر لم يكن واقعياً فقد كانت هناك حاجة لحزب النور تحديداً حتى لا يصطف تيار الإسلام السياسى كله فى مواجهة ثورة الثلاثين من يونيو، وكانت هناك حاجة موضوعية لحزب النور تمنع حله فور اعتماد الدستور، وهو أمر يمكن تفهمه فى عالم السياسة والمواءمات، ولكن ما لا يمكن قبوله على أى مستوى من المستويات هو استمرار حزب النور كما هو وغيره من الأحزاب التى نشأت على أساس دينى، لأن فى الاستمرار انتهاكاً صارخاً للدستور، وما لا نتمناه هو انتهاك دستور البلاد الجديد الذى تم وضعه بالتوافق.
والحل فى تقديرى هو، إما إعلان هذه الأحزاب حل نفسها لمخالفتها لدستور البلاد الذى يحظر قيام الأحزاب على أساس دينى، وإعادة التأسيس بالتوافق مع دستور البلاد، أو حلها بحكم قضائى عام، وفى تقديرى أن الظرف مناسب تماماً لتطبيق مواد دستور البلاد وحل باقى الأحزاب الدينية القائمة من أجل إرساء أساس إقامة حياة سياسية وحزبية نزيهة تقوم على فصل الدين عن السياسة حفاظاً على قدسية الدين ومكانته، وحماية للسياسة من تلاعب من يوظفون الدين فى السياسة. لا بد من تحرك عاجل وسريع لتطبيق مواد الدستور وحل كافة الأحزاب الدينية القائمة من أجل بدء تجربة ديمقراطية حقيقية، فتجارب الشعوب فى كافة أنحاء العالم تقول إنه لا ديمقراطية فى ظل خلط الدين بالسياسة، وأن أوروبا دفعت ثمناً باهظاً بسبب هذه العلاقة بين الدين والسياسة، ولم تعرف طريق تطور والديمقراطية إلا عندما قامت بالفصل بين الدين والسياسة. ويزداد الإلحاح على حل هذه الأحزاب فى ضوء كون هذه الأحزاب رصيداً ثميناً للجماعات الإرهابية المسلحة، ومكوناً أساسياً من مكونات الجماعات الإرهابية التى تقاتل الدولة المصرية فى سيناء، ومنها من يقاتل فى سوريا وليبيا، وتنخرط جميعها ضمن المشروع الأممى الذى تتطلع إليه الجماعة الإرهابية.
نقلا عن الوطن
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع