مصر بلد العجائب والغرائب والاختراعات، لكن الحكاية زادت على حدّها وتعدّت النسبة المسموح بها دولياً، صارت فيها الكفتة أسلوب حياة، ضربت كفاً على كف، بل قاربت على اللطم وأنا أشاهد احتفاء الجماهير التى احتشدت لمشاهدة الطيارة الهليكوبتر التى اخترعها نائب مجلس الشعب السابق وهى تُقلع من مطار شربين، شاسيه توك توك ومروحة سقف وقطع غيار من الحرفيين، من هذا الكوكتيل العبقرى تم بحمد الله إنجاز هذا الاعجاز التاريخى، ظل الجمهور متحلقاً حول طيارة التوك توك، يصفقون ويدعون الله وتسمع جملاً متناثرة هنا وهناك من عينة «ربنا حيسهل لها أهو»، «يا معين ماتكسفناش، ده الراجل تعب فى الاختراع».. إلخ،
وكأننا نقف على باب داية أثناء عملية ولادة، طبعاً الطائرة ظلت كالبطة حطة فى الأرض متشبثة بموقفها، والمخترع ناكش شعره، رافعاً مفكه والمفتاح الصليبة، محاولاً معرفة العيب الفنى فى اختراعه، هل هو لم يُشحم مروحة السقف جيداً، أم أن الأبلاتين قد لدع، أم أن الأمبيانس قد لسع!!؟، أنا لست ضد أن يحلم أى شخص فى أى بقعة على أرض مصر المحروسة بأن يكون مخترعاً ويحصل على «نوبل» كمان، لكن بشرط توافر أدوات المنهج العلمى لتحقيق هذا الحلم، ومعرفة أن العلم ليس بالدراع، والاختراع ليس بالفهلوة، ولا الاكتشاف بالعافية، وانتشار عبارات مثل ماتحبطوش الناس، سيبوهم يخترعوا، وفيها إيه لما طالب ثانوى أدبى يخترع كبسولة دواء أو قنبلة ذرية.. إحنا شعب يصنع المستحيل.. إلى آخر ما تواجهه من انتقادات تبلغ حد السباب بالأب والأم حين تطالب بوقف إسهال الاختراعات المصرية، وتحاول علاج الاختراع اللاإرادى الذى تلبس الجميع، بداية من «عبدالعاطى»، فنى المعمل، صاحب جهاز الكفتة، إلى «صلاح»، نائب البرلمان،
صاحب الطائرة التوك توك، هذه العبارات تدل على أن العقل المصرى الجمعى بعافية حبتين، وللأسف تجد الإعلام على نفس موجة الهطل الاختراعى والجهل الفاضح والتطبيل الزائف للاكتشافات الوهمية، وإليكم بعض المانشيتات والأخبار التى تنتمى إلى عالم مجلات «ميكى» و«تان تان» والهلاوس السمعية والبصرية أكثر من انتمائها إلى الواقع، هذه المانشيتات التى أنقلها إليكم نقطة فى بحر ماسورة الاختراع التى انفجرت فى وجوهنا، وسأقوم بشطب الأسماء التى من الممكن أن ترجعوا اليها بسهولة، مثلاً تمكن الطالب فلان بالصف الثانى الثانوى بمدرسة «عزة زيدان التجريبى للغات» بالفيوم، من اكتشاف علاج للسرطان؛ وذلك عن طريق تسميم الخلايا، باستبدال وفصل بعض مكونات الطاقة بالخلايا السرطانية ويتم حقن الخلايا بمواد أخرى بديلة للقضاء على الخلايا السرطانية كلها بالجسم، واعتمد «إسلام» فى ذلك على نتيجة التحويل إلى طاقة سامة للقضاء على الخلايا السرطانية وتدميرها وعدم خروجها من الخلايا السرطانية، ومن إحداث أى أضرار بالخلايا السليمة.
نجح طالب بالصف الثالث الثانوى بمدرسة السعيدية الثانوية بالجيزة، فى اختراع جهاز لفض الشغب دون إيذاء المتظاهرين أو سقوط قطرة دم واحدة، الاختراع عبارة عن جهاز موجات فوق صوتية «ألترا سونيك»، يُستخدم كبديل للغازات المسيلة للدموع، فهو يستهدف الأوتار السمعية والعصبية بهدف شل الوظائف العضلية للجسم لمثيرى الشغب لفترة مؤقتة. علان العلانى، 34 سنة، ميكانيكى، بمركز بركة السبع محافظة المنوفية، قام المخترع بتشغيل جرار بضغط الهواء، وصرح: «ناقص لى القطار والسفينة والطائرة، وقادر على فعل ذلك». طالب بالصف الثالث الثانوى فى مدرسة جمال عبدالناصر الثانوية العسكرية، يشرح تفاصيل اختراعه، قائلاً: هذا الاختراع قائم على كيفية استغلال قوة الطاقة الشمسية فى توليد نظيرتها الكهربائية بأضعاف إنتاج مصر الحالى وتحلية مياه البحر وصهر المعادن، وهذا كله عن طريق تجميع أشعة الشمس فى صورة شعاع واحد، موضحاً الفارق بين مشروعه والخلايا الشمسية: «الفرق فى أن كفاءة الخلايا الشمسية وصلت حتى الآن إلى 29% بألمانيا، أما اختراعى فكفاءته 99.4%». طالب بالصف الثانى الثانوى بمدرسة على بن أبى طالب ببنى سويف اخترع جهازاً لتقطيع المعادن بواسطة الطاقة الشمسية. طالب فى أولى ثانوى يخترع دواءً يمنع التليّف الكبدى بعد عمليات الزرع.. إلخ.
لا نملك إلا أن نقول أمام هذا الإبداع المتدفّق: «حسبى الله ونعم الوكيل».
نقلا عن الوطن