الأقباط متحدون - من دولة «أتاتورك» إلى قاعدة للتطرف والأصولية
أخر تحديث ١٦:١٠ | الثلاثاء ٢٥ اكتوبر ٢٠١٦ | بابة ١٧٣٣ش ١٥ | العدد ٤٠٩٣ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

من دولة «أتاتورك» إلى قاعدة للتطرف والأصولية

د. عماد جاد
د. عماد جاد

طلب، أمس الأول، رئيس الوزراء التركى من الاتحاد الأوروبى الرد على نحو واضح وحاسم بشأن عضوية بلاده فى الاتحاد الأوروبى. وتقديرى أن طرح مثل هذا السؤال على الأوروبيين يعنى أن المسئول التركى مصاب بخلل فكرى، فالرجل وقادة بلاده يعلمون منذ عقود أنه لا مكان لتركيا فى الاتحاد الأوروبى وأن بروكسيل أبلغت أنقرة ذلك بوضوح أكثر من مرة، وطرحوا على الأتراك صيغة من صيغ الشراكة المميزة دون العضوية. حدث ذلك فى وقت كانت تركيا فيه عضواً مهماً فى حلف شمالى الأطلنطى وكانت تمثل الحاجز الرئيسى فى مواجهة التمدد السوفييتى إبان الحرب الباردة، حدث ذلك فى وقت كانت فيه تركيا تقترب أكثر وأكثر من المعايير الأوروبية فى طبيعة النظم السياسية العلمانية التى تفصل ما بين الدين والسياسة أو الدين والدولة، وكانت تسعى جاهدة لاستيفاء المعايير المختلفة من سياسية، واقتصادية، واجتماعية، وثقافية. كانت تركيا «أتاتورك» أقرب فكرياً من الاتحاد الأوروبى من تركيا اليوم تحت حكم العدالة والتنمية، الفرع التركى لجماعة الإخوان المسلمين، والعضوية النشطة للرئيس التركى فى التنظيم الدولى للجماعة. تحولت تركيا، على يد «العدالة والتنمية»، إلى قاعدة للتشدد والتطرف، فهى تستقبل فلول الجماعة الهاربة من التجارب التى خرجوا منها مدحورين وعلى رأسها مصر، تحولت إلى دولة تتحالف عملياً مع جماعات إرهابية متطرفة تقاتل نظماً وشعوباً عربية (ليبيا، سوريا، والعراق)،

تمثل معبراً للمقاتلين من شتى أنحاء العالم، ومركزاً لعلاج جرحى ومصابى الجماعات الإرهابية المتشددة، تحتضن حركة «حماس» وتطرح شعارات أصولية. لم يعد التشدد فى تركيا سمة نظام، بل بات سمة لقطاع واسع من الشعب التركى الذى أقدم على سلوكيات تنم عن عودة روح العثمانى القديم المتسربل بالدين والرافع لشعارات دينية فى غير مكانها أو زمانها. فهذا المجتمع الأتاتوركى العلمانى تحول على يد أردوغان إلى مجتمع متعاطف مع المجرمين والقتلة، فقد أدت مجموعة من الأتراك صلاة الغائب فى مسجد بإسطنبول على روح الأخوين «كواشى» اللذين شنا الهجوم على صحيفة شارلى إبدو الفرنسية الساخرة، ورددوا هتافات مؤيدة لتنظيم القاعدة، وذلك فى حراسة الشرطة التركية التى تدخلت فقط عندما أرادوا الخروج من المسجد للقيام بمسيرة فى شوارع المدينة. يأتى ذلك فى الوقت الذى تحولت فيه تركيا إلى ملاذ آمن للمتطرفين من كافة أنحاء العالم ومن مختلف الجنسيات، كما تحولت الأراضى التركية إلى بوابة عبور المقاتلين الذين يرغبون فى الالتحاق بتنظيم الدولة الإسلامية فى العراق والشام (داعش)، وباتت المستشفيات التركية ملاذ جرحى ومصابى التنظيم للحصول على العلاج، أيضاً باتت الموانئ التركية بوابة عناصر تنظيم الدولة للتوجه إلى ليبيا من أجل القتال ضد الجيش الوطنى الليبى.هكذا تحولت تركيا فى عهد حزب العدالة والتنمية، الفرع التركى للتنظيم الدولى للإخوان، إلى قاعدة للتطرف، تبدل حال الدولة التركية من دولة علمانية تجتهد لدخول الاتحاد الأوروبى،

إلى قاعدة للتطرف وملاذ آمن للمتطرفين من مختلف الجنسيات. كان النظام التركى، منذ وضع أسسه أتاتورك، نموذجاً للنظام العلمانى فى بلد تدين غالبية سكانه بالإسلام السنى، فقد نجح الرجل الذى أنهى الخلافة فى تحديث تركيا ووضعها على أول طريق الحداثة، وكان النظام التركى الأتاتوركى يقدَّم باعتبارها مثالاً على إمكانية اتباع الديمقراطية الغربية فى مجتمع إسلامى، دمج أتاتورك بلاده فى الغرب تماماً ونجح فى دفع أوروبا للتعامل مع تركيا باعتبارها دولة أوروبية رغم أن نحو ٩٥٪ من أراضيها يقع فى آسيا، ولا تزيد نسبة أراضيها الواقعة فى أوروبا على ٥٪ من مساحة تركيا الإجمالية، قاد تركيا لعضوية حلف شمالى الأطلنطى، وطرَق أبواب الجماعة الأوروربية (الاتحاد الأوروبى) بشدة. قدمت واشنطن النظام الأتاتوركى التركى باعتباره المثال والقدوة للعالم العربى فى كيفية بناء نظام ديمقراطى علمانى فى دولة تدين غالبية سكانها بالإسلام. مع فوز تيار الإسلام السياسى بغالبية مقاعد البرلمان المصرى، ثم الفوز بمنصب الرئيس وسيطرة التنظيم على الأوضاع فى تونس، واليمن، والانتشار فى العراق وليبيا وسوريا، بدأ حزب العدالة والتنمية الحاكم فى تركيا يخرج على تحفظه ويعلن دعمه المباشر للتنظيم الدولى للجماعة، بل ويدخل مباشرة طرفاً فى المعارك والحروب التى تشنها الجماعات المتطرفة ضد أنظمة حكم عربية. وقعت الصدمة الكبرى للنظام التركى فى الثلاثين من يونيو عندما ثار المصريون على حكم المرشد والجماعة وأطاحوا به، هنا فقد رئيس الوزراء التركى -آنذاك، ورئيس الجمهورية حالياً- اتزانه ودخل فى مواجهة سياسية مفتوحة مع النظام المصرى الجديد، ومنح أعضاء التنظيم الدولى ملاذاً آمناً، وباتت تركيا مقراً لاجتماعات التنظيم الدولى وحياكة المؤامرات ضد النظام المصرى الجديد. وبدا واضحاً أن «أردوغان» الذى أصبح رئيساً لتركيا قرر تحويل وجهة بلاده نحو الشرق فى محاولة لإعادة استنساخ الخلافة العثمانية من جديد، فقد أيقن الرجل أن بلاده لن تدخل الاتحاد الأوروبى،

ومن ثم قرر أن يجعل من بلاده «كبير الشرق» وممثل العالم الإسلامى عبر إعادة استنساخ الخلافة، وهو ما يُفهم من طريقة استقبال أردوغان لمسئولين دوليين بعد تقلده منصب الرئيس، فهو يحرص على إفساح مكان لممثلين عن العصر العثمانى على مر التاريخ. وحوّل «أردوغان» بلاده من نموذج لدولة ديمقراطية علمانية فى مجتمع تدين غالبيته بالإسلام إلى قاعدة للتطرف وملاذ آمن للإرهابيين من شتى أنحاء العالم، وهو بذلك يحطم النموذج الذى بناه أتاتورك عبر عقود عديدة ويدفع بتركيا إلى أحضان العالم الثالث لتستقر فيه فترات طويلة. وفى هذا السياق تتشارك تركيا وقطر فى حياكة المؤامرات على مصر والمصريين، وبالأمس القريب كانت هناك زيارة للأمير القطرى إلى تركيا، فقد صور لهم خيالهم المريض أن ما جرى فى الخامس والعشرين من يناير ٢٠١١ قابل للتكرار، وهى أضغاث أحلام مثلها مثل حلم أمير قطر بدور فاعل ومستقل فى المنطقة، وحلم أردوغان بارتداء ثياب الخليفة.
نقلا عن الوطن


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع