لو راجع الإخوان والتابعون أحكام محكمة النقض الأخيرة لحمدوا الله شاكرين على نعمة وجودها، ونظرة إلى أحكام محكمة النقض طوال العام الأخير، وقبلها ودوما ودائما، تبرهن أنها «محكمة النقض» هى تاج على قمة الهرم القضائى المصرى، تحق الحق، وتقضى بالعدل.
فى يومين متتاليين أثبتت محكمة النقض أنها بيت العدل المصرى فى أسمى معانيه ولو كره المرجفون، المحكمة التى أيدت الحكم بسجن المتهم محمد مرسى بالسجن عشرين عاماً فى قضية أحداث «قصر الاتحادية»، توصى نيابتها (نيابة النقض) بقبول طعن المتهم عادل حبارة على الحكم بإعدامه فى قضية قتل جنودنا فى «رفح الثانية»، لا فى القضية الأولى وقفت المحكمة عند كون المتهم رئيساً، ولا فى القضية الثانية وقفت نيابتها عند كون المتهم إرهابياً معترفاً، وأيقونتها الماثلة فى الفضاء العام، الحكم عنوان الحقيقة!.
الحملة الإخوانية القذرة على محكمة النقض بسبب تأييد الحكم بسجن رئيسهم المعزول تشكل نوعاً من الإرهاب لقضاة أجلاء نذروا أنفسهم للعدالة، قضاتها لا يرتهبون، وللأسف تبعتها حملة شعواء من نفر من الفيسبوكيين هالهم توصية نيابة النقض بقبول طعن «حبارة»، حال تزامنه مع اغتيال العميد الشهيد عادل رجائى، فبدا الأمر قاسياً على الرأى العام الذى يطلبها عدالة ناجزة عادلة، وتؤديها المحكمة بتؤدة من يتقفى العدالة وإن أنكرها المرجفون.
المنصفون من المختصين يعرفون قدر هذه المحكمة ومكانتها، قمة الهرم القضائى المصرى، وأن أحكامها تعد مرجعاً قانونياً تدرس فى الأكاديميات القانونية، وتستقى منها، وترجع إليها المحاكم جميعا فى أحكامها، وصولاً إلى العدالة التى هى معصوبة العينين.
محكمة النقض فى الحالة المصرية معامل أمان، وقضاتها الأجلاء لا تغنيهم تجارة ولا بيع عن ذكر العدالة فى منطوق أحكامها، وفى محرابها رهبان يبتعدون بمسافة عن الاحتراب السياسى، والجدل المجتمعى، أحكامها تقاس بمازورة القانون، لا بمزاج الرأى العام.
وأعلم أن كثيراً من أحكام المحكمة وهى عادلة تصدم الشارع، ولكن الحق أحق أن يتبع، ومثل هؤلاء القضاة العظام ليسوا على موجة الشارع التى تتقلب وتتغير بحسب الحال والأحوال والأهواء، منضبطين على موجة «العدل أساس الملك»، ولا يجرمنهم شنآن قوم على ألا يعدلوا.
محكمة النقض، التى أنشئت فى مصر فى 2 مايو سنة 1931، تملك تاريخاً يحكم حاضراً يؤسس لمستقبل القضاء فى مصر، وهى مهمة جليلة قامت عليها أجيال تلو أجيال من رفعة القضاة، والقيمون على هذه المحكمة الآن لا نعرف منهم عادة إلا شيخ القضاة رئيس المحكمة (المستشار الجليل مصطفى جمال الدين شفيق)، ولكن قضاة المحكمة جميعا (ونعرف أقدارهم جميعا بحكم المهنة) ممن عُرفوا بالخبرة وحسن السمعة، من خيرة القضاة، وكنز هذه المحكمة فى أحكامها، وجوهرها تجلية الأحكام، وتتجلى فى أحكامها الاستقلالية الكاملة، فإذا ما قضت بحكم كان عنوان الحقيقة.
أقول قولى هذا وأنا مؤمن بأن هذه الأحكام التى تصدر ويرفضها من يجهل قدر هذه المحكمة وفلسفتها وآليات عملها، فيقع فى خطيئة الانتقاد الذى هو من الرفض، وعذره الجهل بالأمر، أما التحفيل القذر من جماعة الإخوان فهذا من المكر السيئ، ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله، والإخوان ما فتئوا يناصبون القضاء المصرى العداء، وتأتى محكمة النقض على قمة الهرم القضائى الذى يستهدفونه بمكرهم السيئ، ويمكرون.
محكمة النقض تشكل برئاسة رئيس محكمة النقض، الذى هو أيضا، طبقاً للدستور وقانون السلطة القضائية، رئيس هذه السلطة ورئيس مجلس القضاء الأعلى، وتضم محكمة النقض فى تشكيلها عدداً من نواب رئيس المحكمة والمستشارين. ولا يعين فى محكمة النقض إلا خيرة رجال القضاء فى مصر كفاءة وسمعة وبعد العرض على الجمعية العامة لمحكمة النقض وموافقة مجلس القضاء الأعلى، كما يقال مِن خيارٍ إلى خيارٍ.
نقلا عن المصري اليوم