أتذكر فى عهد مبارك أن أحد أساتذة الاقتصاد فى جامعة عين شمس من المشتاقين للمنصب الوزارى، استضافه برنامج «صباح الخير يا مصر» وكان يناقش دخل الموظف المصرى، وهل المرتب الذى يتقاضاه يكفى نفقات الشهر أم لا؟، وبالغ «رجل الاقتصاد» فى تقديراته حتى انتهى إلى أن الأسرة تستطيع أن تعيش بمائة جنيه شهريا، وفجأة تلقى الاقتصادى «المشتاق» اتصالا خارجيا من رجل قدم نفسه بالاسم، وأنه موظف يعيش فى العاشر من رمضان، ومرتبه شهريا 300 جنيه، وأنه يدعو «أستاذ الاقتصاد» أن يأخذ هذا المرتب وينفق هو على أسرته.
دارت وقائع هذه القصة قبل ثورة 25 يناير بسنوات وكانت الشكاوى لا تنقطع من ارتفاع الأسعار فى مقابل ثبات المرتبات، وتذكرتها حاليا وأنا أقرأ تصريحا قاله «طاهر حسن» رئيس الإدارة المركزية للإحصائيات السكانية بالجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، بأن 322 جنيها تكفى فردا واحدا للإنفاق على الطعام والشراب شهريا، وتبعده عن التصنيف ضمن دائرة الفقر المدقع.
فى تفكيك هذا التقدير سنجد أن الشهر 30 يوما، واليوم فيه ثلاث وجبات، أى أن الشخص يأكل 90 وجبة فى الشهر الواحد، وبقسمة الـ322 جنيها على الـ90 سيكون الحاصل أن ثمن الوجبة الواحدة ثلاثة جنيهات ونصف، أى أن الفرد يأكل فى اليوم الواحد بعشرة جنيهات ونصف، وعلينا أن نتخيل هذا المبلغ فى ضوء أن كيلو اللحم فى منافذ التوزيع الحكومية بـ55 جنيها، أما خارجها فيصل إلى مائة جنيه، ولو اشترى المواطن كيلو واحدا فى الشهر بـ55 جنيها كى يأكل كل أسبوع ربع كيلو، فعلينا أن نحسب باقى مبلغ الـ322 جنيها كى نعرف كيف سيدير هذا المواطن حسابات أكله وشرابه بعد ذلك.
مشكلة هذه النوعية من التصريحات أن أصحابها يتحدثون وكأنهم يعيشون فى كوكب آخر، وإذا جادلهم أحد فيها سيردون بحجج فارغة من نوعية «هناك سفه فى مصاريف الأسرة» و«هناك معايير دولية للفقر»، شىء من هذا قاله وزير التخطيط فى عصر مبارك الدكتور عثمان محمد عثمان ففى برنامج «كل يوم» على قناة أون تى فى يوم 3 أكتوبر الماضى، قال: «المواطن الذى ينفق 10 جنيهات فى اليوم الواحد يستطيع أن يعيش فى الدولة المصرية، تخيلوا واحدا ينفق عشرة جنيهات فى اليوم يمكنه العيش بأمان، وواحدا يمكن أن يأكل فى الشهر بـ322 جنيها.
نقلا عن اليوم السابع