أكثر شىء مستفز بالنسبة لى أن أجد من يتحدث عن سعر معين للدولار فى السوق السوداء، رغم أنه لا يوجد سعر محدد وإنما هناك تفاوت فى الأسعار بين التجار، فالسوق السوداء لا يحكمها سعر محدد ولا قاعدة يمكن أن يعتمد عليها التجار لتحديد سعر العملة، وإنما كل تاجر يحدد سعر الصرف وفقاً لما يترأى له، حينما يجد هجمة عليه من الراغبين فى شراء عملة معينة.
الموضوع لم يقتصر على الدولار فقط، وإنما هناك عملات موسمية، بمعنى أنه خلال موسم الحج أو عمرة رمضان استغل تجار العملة إقبال المصريين على شراء الريال السعودى ورفعوا سعره، لكن كل تاجر كان له سعر، ورغم أن وسائل الإعلام على سبيل المثال خلال موسم الحج كانت تتحدث عن وصول سعر الريال إلى أربعة جنيهات، بزيادة أكثر من جنيهين على السعر الرسمى، كنت أستمع لأصدقاء كانوا يشترون الريال بثلاثة جنيهات.. نعم السعر مرتفع لكنه لم يصل إلى السعر المعلن فى صحفنا وقنواتنا التى راحت تضع أسعارا معلنة من بعض التجار على أمل أن يتم تعميمها على الجميع، وكأن الغلام أصبح الناطق الرسمى باسم بورصة السوق السوداء.
أحد المهتمين بالمضاربة فى أسعار العملات له رأى مهم فى مسألة أسعار السوق السوداء التى يتم نشرها فى الإعلام، مؤكداً أن هذا السعر إما أنه من خيال الصحفى وإما يحاول أحد التجار تمريره للإعلام لتثبيته فى اليوم التالى لنشره فى الإعلام، ومعنى ما يقوله هذا الرجل أن سعر الدولار على سبيل المثال فى يوم ما يكون 13 جنيها للدولار، لكن نفاجأ بالإعلام يقول إن سعر الدولار وصل إلى 14 جنيها، وهذا ليس هو السعر الحقيقى للسوق السوداء، وإنما يتم تمرير هذه المعلومة للإعلام ليكون هذا السعر هو سعر الدولار فى اليوم التالى، وهكذا.
النتيجة المنطقية لما حدث أن الإعلام أصبح شريكاً فى الجريمة، جريمة المضاربة فى أسعار العملات الأجنبية، لأنه ساعد تجار العملة على تحديد الأسعار التى يحاولون فرضها على من يريد الدولار أو غيره من العملات الأجنبية، وأعتقد أن نشر الإعلام لهذه الأسعار هو أحد الأسباب المهمة فى أزمة الدولار ووصوله إلى أرقام لم نكن نتوقع أن يصل لها حتى إن استمرت أزمة العملة الأمريكية لأكثر من ذلك، لكن للأسف وقع الإعلام ضحية لتجار العملة.
الحل بالنسبة لى أن يكون هناك اتفاق يجمع كل وسائل الإعلام بالامتناع عن نشر أى أسعار للعملات فى السوق السوداء، وأن يقتصر النشر على السعر الرسمى المعلن من جانب البنك المركزى، وأن يكون التركيز على الحملات التى تشنها الأجهزة الأمنية والمصرفية ضد تجار العملة وشركات الصرافة التى خالفت شروط إنشائها، وتوعية المواطنين بما يجب أن يفعلوه حال تعرضهم لابتزاز من جانب تجار العملة، مع وضع آلية لإلزام كل وسائل الإعلام بهذا الاتفاق ومعاقبة من يخرج عن هذا الإجماع، لأن الأمر ليس رفاهية وإنما أصبح ضرورة للمشاركة فى الجهد الذى تقوم به الدولة فى مواجهة تجار العملة، ممن أسهموا فى زيادة الآثار السلبية لأزمة الدولار.
هذا هو الدور الذى يجب أن يقوم به الإعلام فى أزمة مثل أزمة الدولار، بدلاً من مساندة تجار العملة بشكل غير مباشر عبر نشر أرقام وأسعار للبيع تتوافق مع أطماع هؤلاء التجار.
نقلا عن اليوم السابع