الأقباط متحدون - يا تسكنونا.. يا تموتونا
أخر تحديث ٢٣:٠٣ | الاربعاء ٢٦ اكتوبر ٢٠١٦ | بابة ١٧٣٣ش ١٦ | العدد ٤٠٩٤ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

يا تسكنونا.. يا تموتونا

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

سعيد السني
تتوالى طرقات أجراس الخطر التي تضرب الأسماع، بما ينذر بعواقب وخيمة.. فقد جاءت «موقعة بورسعيد» كاشفة عن فشل «حكومي» ذريع في التعامل مع مشكلة الإسكان التي يعاني منها ملايين الشبان والأسر، وعدم إدراك لأهمية توفير «المسكن الملائم»، كحق دستوري يحفظ للمواطن كرامته (مادة 78)، ويمنع التشرد، وجرائم السرقة والبلطجة والاتجار بالمخدرات، ويعوق تمدد العشوائيات ومدن الصفيح.. إذ ورغم الاهتمام الرئاسي بتخصيص نحو 13 مليار جنيه سنوياً لبرامج الإسكان الاجتماعي، إلا أن تخبط القرارات والمغالاة في تحديد مقدمات وأسعار وأقساط هذه الشقق يُفسِد الأهداف النبيلة للمشروع، ويهدر جهود الدولة، ويثير السخط بدلاً من جلب الرضا، مثلما حدث في «بورسعيد» يوم الثلاثاء الماضي.. لمن لا يعرف، ففي هذا اليوم تعالت هتافات نحو ألفي مواطن بورسعيدي من حاجزي شقق الإسكان الاجتماعي في شوارع المدينة، صارخين «يا تسكنونا.. يا تموتونا»، بعد تلقيهم إنذارات بنكية على موبايلاتهم بإلغاء الحجز، في حالة عدم سداد باقي «المقدم»، خلال عدة أيام، بواقع 47 ألف جنيه، بدلا من «10 آلاف» المحددة سلفاً بكراسة الشروط.. الصدفة قادت المحافظ الجنرال عادل الغضبان للمرور أمام مجموعة منهم بالقرب من مكتبه.. استنجدوا به للتدخل.. جاء رده سريعاً، حاسماً قاطعاً، مقتضباً.. «معاكوا فلوس.. تدفعوا.. تاخدوا شقة.. بس»، وانصرف تاركاً لهم الشعور بالهوان.. من سوء حظ «الغضبان» أن «موبايل بكاميرا» كان له بالمرصاد، يسجل عليه بالفيديو هذا المشهد المؤلم، الذي لم يستغرق «ثوان».. اندلعت المظاهرات وارتبكت بورسعيد كلها.. تقطعت الطرق وتعطلت معديات عبور الممر المائي، وأبواب جمركية.. انتهت الأزمة في اليوم التالي بالتراجع، واعتقال عدد من المتظاهرين وحبسهم احتياطياً، وهو ما ترك جراحاً في المجتمع البورسعيدي، كان يمكن تفاديها، لو تم التعامل بكياسة وسياسة مع الموقف.. لكن ماذا عسانا نفعل، وكبار مسؤولينا مجرد موظفين لا شأن لهم بالسياسة مع أن مناصبهم سياسية.. المشكلة نفسها بتفاصيل متقاربة، منتشرة في محافظات عديدة، بما ينذر بتكرار السيناريو البورسعيدي، على خلفية قرارات متخبطة وسياسات حمقاء لا تراعي ظروف الناس وإمكانياتهم، والأخطر أن الدولة تتعامل بمنطق التاجر المُستغل، ففي السويس وعلى غرار بورسعيد، تقرر زيادة مقدم الشقة من 15 إلى 40 ألف جنيه، وارتفع ثمن الشقة إلى ربع مليون جنيه.. لاحظ أننا نتحدث عن شقة لمواطن محدود الدخل.. إذ يبدو أن وزارة الإسكان تبيع المواطنين أو تتركهم فريسة لـ«البنوك»، التي بدورها تتولى تحريك المقدمات والأقساط والفوائد والرسوم، كما يحلو لها، حتى إن القسط الشهري يزيد بواقع 7% سنوياً.

على سيرة ملف «الإسكان الاجتماعي».. فقد كشف المهندس معتز محمد محمود رئيس لجنة الإسكان بمجلس النواب في تصريحات للزميل مختار عبدالعال مدير تحرير المساء في وقت سابق، معلومات صادمة، إذ شرعت وزارة الإسكان في تنفيذ خمسة آلاف وحدة سكنية من هذا النوع، بمدينة العلمين – مطروح، لصالح «مواطن واحد» فقط، نعم.. فلم يتقدم سواه للحجز بالمشروع (!!!)، كما تم إنشاء أربعة آلاف ومائتي شقة بمدينة وادي النطرون- بحيرة، لم يتقدم لها سوى 106 فقط.. بحسبان متوسط تكلفة الشقة 150 ألف جنيه، فهذا معناه إنفاق مليار و400 مليون جنيه تقريبا، في مدينتين صغيرتين، فكم من المليارات مهدرة في أماكن «غلط»، أو مدن أخرى بأنحاء المحروسة؟.. بما مفاده أن وزارة الإسكان تقيم كماً هائلاً من الوحدات السكنية دون دراسات أو أبحاث عن المناطق المستهدفة، وظروفها واحتياجاتها وعادات سكانها والمستهدفين بهذه المساكن، وهو ما يترتب عليه تخصيص مثل هذه الشقق لحاجزين من مناطق أخرى بعيدة، فلا يجد المواطن بداً من السكن بعيداً عن محل إقامتة وعمله، مع إنفاق جزء من راتبه على المواصلات، أو أن يتنازل عن حلم الشقة، ويلجأ إلى العشوائيات بحثاً عن مأوي، وما يعنيه هذا من تبدد حلم الحياة الكريمة والاستقرار الاجتماعي، والزواج وتكوين أسرة.

تبدو الحكومة ووزراؤها مغرمون بسرد أرقام ضخمة من المليارات والإنجازات، دون أن يشعر المواطن بهذه الجهود في الواقع المُعاش.. فقد رصدت دراسة سابقة أعدتها «المبادرة المصرية للحقوق الشخصية»، أن «شرط الدخل في مشروع الإسكان الاجتماعي يحرم 40% من المصريين حق امتلاك وحدات سكنية فيه، بالإضافة إلى منعه ثلثي المصريين من اقتناء وحدات لكونهم يعملون في القطاع غير الرسمي»، وليس بمقدورهم تقديم سند رسمي يحدد الراتب.. يبقى أن تهتم «الحكومة» بالدراسة والتخطيط بدلا من استثمار مليارات دون عائد على المواطن أو استغلال.. ثم إن عليها ورجالها الاقتناع بأن الواقع أصدق أنباءً من الدعايات التليفزيونية والمؤتمرات الصحفية والعبارات الرنانة، والأجدى هو الإنصات للناس والانتباه لمعاني الأحداث وأجراس الإنذار، فمعظم النار من مستصغر الشرر.

نسأل الله السلامة لمصر.


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع