فى مثل هذا اليوم 30 اكتوبر 1956..
سامح جميل
توجه السير إييفون كيركباتريك السكرتير الدائم في الخارجية البريطانية، في الساعة السادسة والربع بتوقيت القاهرة مساء 31 أكتوبر 1956، وفى صحبته م بينو وزير الخارجية الفرنسى الى السفارة المصرية في لندن وسلما الى السفير المصري انذارا موجها من كل من فرنسا وبريطانيا (انجلوفرنسى مشترك) توجهه كل من الدولتين الى كل من مصر واسرائيل، وتسلم القائم بلأعمال في السفارة الأسرئيلية نفس الأنذار بعد عشردقائق من تسليمه للسفير المصرى
وأعطت الدولتين مصر واسرائيل مهلة 12 ساعة لقبوله وجاء في انذارهما:
«أن الحرب القائمة بين مصر واسرائيل من شأنها أن تعطل حرية الملاحة في قناةالسويس ولذلك وحتى تقف الحرب فورا ولكى تستمر حرية الملاحة الأنذار طلبت الحكومتين البريطانية والفرنسية مايلى:
1 - إيقاف العمليات الحربية في الأرض والبحر والجو
2 - أن تتراجع كل من القوتين المتحاربتين وتنسحب القوات العسكرية الى مسافة عشرة أميال من قناة السويس
3 - تقبل مصر احتلال القوات البريطانية والفرنسية للمواقع الرئيسية في بورسعيد والأسماعيلية والسويس
4 - ترد وتجيب الدولتان على هذه المطالب في مدى12 ساعة في موعد أقصاه الساعة السادسة والنصف من صباح الثلاثاء 31 أكتوبر ، على أنه اذا
انقضى هذا الأجل ولم تنفذ أحد الدولتين أو كلتاهما هذه المطالب فإن القوات المسلحة لكل من بريطانيا وفرنسا ستتدخلان بالقدر وبأى قوة يرونها ضرورية لضمان الأمتثال لهذا التبليغ ولضمان اجابة طلبهما.»
حدث هذا الأنذار في وقت كانت الملاحة فيه منتظمة في القناة لا يعوقها عائق ، وحدث هذا ايضا في الوقت الذى كانت القوات المصرية المنتصرة ترد العدوان والجيش الأسرائيلى على أعقابه
كان رئيس وزراء انجلترا وقتئذ أنتونى ايدن وكان وزيرخارجيتها سلوين لويد بينما كان رئيس وزراء فرنسا جى موليه ووزير خارجيتها كريستيان بينو
فبينما كان الأنذار يعنى بالنسبة لمصر انسحاب وتراجع القوات المصرية الى مسافة عشرة أميال (15 كم) من الشاطئ غرب قناة السويس، يحتم على قوات الجيش المصرية بان تنسحب متراجعة غربا للوراء خلف ضفة ألقناة الغربية لمسافة 15 كم الى داخل صحراء ومزارع أرض محافظة الشرقية ، تاركة منطقة القناة ومدنها وكافة القواعد والمخازن العسكرية والمطارات والمعدات الموجودة في منطقة القناة بكافتهم والتى كانت مصر قد حصلت عليهم نتيجة لأتفاقية الجلاء سنة 1954..
بينما تترك شبه جزيرة سيناء لأسرائيل ولحريتها في التقدم والأستيلاء على ألأرض المصرية دون قتال حتى مسافة تبتعد عشرة أميال(15 كم) من الضفة الشرقية لقناة السويس مما يعنى أيضا أن تتخلى مصر عن كافة أراضيها في شبه جزيرة سيناء بأكملها وقناة السويس ومجرى الملاحة بكامله وجميع مدن منطقة قناة السويس. كان يعنى ايضا تخلى الدولة المصرية المستقلة عن سيادتها على أراضيها في سيناء وعن منطقة القناة بأكملها لبريطانيا وفرنسا واسرائيل وتمكين التواجد بمواجهة منطقة فايد ومعسكراتها ومخازنها المعبأة بالمعدات الحربية البريطانية الجديدة ، التى تركهاالبريطانيون هناك تبعا لاتفاقية الجلاء لاستعمالها في المستقبل اذا حدثت مشاكل عالمية
هذا علاوة على تخلى مصر عن مطارات قاعدة الدفرسوار التى تتميز بأفضل وأطول المهابط الجوية في منطقة الشرق الأوسط بأجمعها ومخازنها تحت الأرض المعبأة حت السقف بالمعدات الحربية المتقدمة وبالخصوص العربات المدرعة والدبابات ومخازن البترول والذخيرة المختلفة
علاوة على الخطورة الجغرافية الاستراتيجية التى تنتج عن عن قبول هذا الأنظار، والتى تكمن في السيطرة على الجزرالمصرية الموجودة في خليج العقبة والسيطرة على مدينة شرم الشيخ على رأس شبه جزيرة سيناء والسيطرة على جميع حقول البترول المصرية الجديدة التى تتواجد على الشاطىء الشرقى لخليج السويس، وبذلك يتمكنون من السيطرة على منطقة المضايق التى تعتبر منأهم المضايق الاستراتيجية الحربية القيمة في شبه جزيرة سيناء، وهو تهديد لن يقبله أى قائد أو دولة مستقلة حرة. بينما تترك شبه جزيرة سيناء لأسرائيل ولحريتها في التقدم والأستيلاء على ألأرض المصرية دون قتال حتى مسافة تبتعد عشرة أميال(15 كم) من الضفة الشرقية لقناة السويس مما يعنى أيضا أن تتخلى مصر عن كافة أراضيها في شبه جزيرة سيناء بأكملها وقناة السويس ومجرى الملاحة بكامله وجميع مدن منطقة قناة السويس حتى موعد إيقاف النار الساعة السادسة والنصف من صباح يوم 30 أكتوبر والأنسحابالى داخل الأراضى المصرية خمسة عشر كيلومترا ، لذلك كان طبيعيا أن يرفض مجلس الوزراء المصرىهذا الانذار ورفضته مصر بشكل حاسم في حينه وان لا تقبلمصر احتلال اراضيها رغم أن الانذار حدد مهلة نهايتها الساعة السادسة والنصف منصباح يوم 31 أكتوبرللرد عليه وتنفيذ طلبهما مما جعلا لطيران المعادى يستمر في ضرب وقذف قواتنا المصرية طوال النهار على طريق تقدمهاالى سيناء واثناء استعمالها كوبرىالفردان وعبور القناة متوجهة للحدودالشرقية للدفاع عن مصر.
وبالطبع أعلنت إإسرائيل موافقتها فورا على ما تضمنه الأنذار وأنها سيتم إنسحاب قواتها ألمقاتلةالى مسافة 10 عشرة أميال من الضفة القناة الشرقية وكانت تعنى تقدم قواتها ناحيةالغرب الى الضفة الشرقية ولو قبلت اسرائيل اللأنسحاب 15 كيلومترا حقا فأن ذلك يعنىانسحابها خلف حدودها الغربية لمسافة بعيدة والتخلىعن حدودها الغربية اذ أن قواتها كانت مازالت تقاتل ببأس على الحدود المصرية حتىتتمكن من التوغل والتقدم الى سيناء فالأنذاريسمح لها باحتلال غزة وشبه جزيرة سيناء كلها دون قتال كما يعنى تقدمالقوات الإسرائيلية (دون قتال) حتى مشارف القناة على بعد 15كم من ضفافها بما في ذلك مشارف مدن بورفؤاد المواجهة لبورسعيد وبورتوفيق المواجهةللسويس والقنطرة الشرقية وبالتالى وضع السفن المصرية في مدى المدافع الثقيلةوالطائرات المقاتلة الأسرائيلية
وبتحليل الطلب الأنجلوفرنسى يتضح الرغبة في تخلى مصر عن منطق شاسعة وتسليمها لإسرائيل، فبذلك تستولي اسرائيل ليس فقط على العريش وقطاع غزة ولكن شبه جزيرة سيناء وخليج العقبة بالكامل، علاوة على التخلى عن الأعماق السكنية وعن مدن القناة الرئيسية والموانىءالمدنية ببورسعيد وبورفؤاد، والاسماعيلية والسويس وبورتوفيق بالأضافة الى كافة المدن الصغيرة مثل القنطرة شرق والقنطرة غرب وجميع المطارات والقواعدالعسكرية وخاصة قواعد فايد وقاعدة هاكستيب الأنجليزية الضخمة وبعض المطارات السرية بل تعنى تكتيكيا قبول الأنذار التخلى عن عمق مناورات عسكرى تاكتيكي حتى العمق الصحراوى في محافظة الشرقية، أى مبادلة صحراء سيناءبرمال صحراء الشرقية تاركين الحقول والأرياف مما سيؤدى الى كشف وحدات القوات المسلحة للضرب الجوى من جميع الاتجاهات وبالتالى فوضى الانسحاب.
وفى الساعة الرابعة بعد الظهر سلم ألأنذار إلى كل من مصر وإسرائيل والذى كان الهدف منه إسقاط الحكومة الوطنية برئاسة جمال عبدالناصر أى إفشال الحكومه الثوريه واخضاع مصر للسيطرة الأجنبية وإرجاع ألإقطاعيةعلى مدى متوالى كما كان وضع مصر في الماضى اذ أن كل ألمحاولات الدولية التى بذلتلإحتواء قرار التأميم أو التراجع عنه قد بائت بالفشل وأصبح توقع ألحرب أمرا محتوماوكان رأى الرئيس جمال عبد الناصر أن ألهجوم سيقع من ناحية ألغرب، ومن ألإسكندريةبالذات نظرا للعوامل الجغرافية التى تساع قيام العمليات العسكرية وتوقعت انجلتراوفرنسا واسرائيل رفض الرئيس جمال عبد الناصر للأنذار وبذلك يحصلون على سبب للتدخلالعسكرى في مصر تنفيذا للأنذار في ليلة 30أكتوبر وقبل أن يؤجل مجلس الأمن دورته وصلت رسالة سريعة من مندوب مصر في هيئةالأمم المتحدة برفض الانذار..!!