الاثنين ٣١ اكتوبر ٢٠١٦ -
٠٠:
١٢ ص +02:00 EET
الطائرة التابعة لشركة الطيران البرازيلية
بقلم : د. مينا ملاك عازر
أقلعت الطائرة التابعة لشركة الطيران البرازيلية في رحلتها الداخلية من أحد المطارات متجهة صوب هدفها، وبعد المدة المفترضة لوصول الرحلة، بدأ الطيار يخاطب المطار المقرر الهبوط فيه، ولما كان المطار صغيراً غير مجهز بالرادارات لم يستطع رؤية الطيارة، لكنه بدأ يوجهها للهبوط الآمن على مدرجاته غير أن الطيار ويا للعجب لم يرى المطار، ولم يرى منارته، ومع تكرار المحاولة وفشلها لمرات طويلة، بدأ مساعد الطيار يحاول التقاط موجات المذياع المحلي ليعرف أين هم من المنطقة؟ من ثمة، أين الخطأ؟ ولماذا لم يروا المطار ولا مدرجاته ولا منارته؟ ومع الوقت بدأوا يستشعروا أنهم أخطأوا الاتجاه فبدأوا يعدلون من وجهة الطائرة لتصل لوجهتها آمنة، كان ظنهم أن الفارق ليس بعيد بين الطائرة والمطار، فقد كانوا واثقين -الطيار ومساعده- من أجهزتهم خاصةً وأنها ليست أولى رحلاتهم لهذا المطار، ومع الوقت بدأ الوقود ينفذ، وهنا كان لزاماً عليهم أن يهبطوا اضطرارياً، فوجدوا أنفسهم ملقين فوق نهر في غابة وبالكاد أفلحوا أن يهبطوا هبوط اضطراري كلفهم أرواح عدد لا بأس به من الركاب ومساعد الطيار نفسه، ولكن برج المراقبة في المطار المتجهين له لما لم يصلوا، بدأ يبلغ عن الطائرة، وبدأت دوريات البحث تخرج للبحث عنهم، وبعد مدة زمنية وصلت دوريات البحث للطائرة، فوجدت أن الطائرة قد هبطت اضطرارياً في مكان يبعد عن المطار بأكثر من الف كيلومتر، ما يعني أن ثمة أمر خطير جعل الطائرة تفقد صوابها وتتجه هكذا بعيداً عن هدفها، ومع الدراسة والتحليل وجدوا أن الطيار قد أخطأ وأدخل أرقام الإحداثيات والوجهة بالنظام القديم قبل تحديثه على الحاسوب، ولم يضع العلامات العشرية، ما أسفر عن إقلاعه واتجاهه اتجاه مخالف تماماً لوجهته، ودعك مما جرى بعد هذا للطيار، والدفاع عنه والهجوم عليه، لكن ما يعنيني هنا لماذا أخطأ الطيار؟
أخطأ الطيار بحسب التحليل العلمي، لأنه وقع أثير لما يعرف بنظرية الانحياز التأكدي وهي الميل للبحث عن وتفسير وتذكُّر المعلومات بطريقة تتوافق مع معتقدات وافتراضات الفرد، بينما لا يولي انتباهًا مماثلًا للمعلومات المناقضة لها يُظهر الأشخاص هذا الانحياز عندما يجمعون أو يتذكّرون المعلومات بشكل انتقائي، أوعندما يفسّرونها بطريقة متحيزة يكون تأثير ذلك أقوى في المسائل المحكومة عاطفياً والمعتقدات الراسخة بشدّة، يميل الأشخاص أيضًا إلى تفسير الأدلة الغامضة بشكل يدعم موقفهم الراهِن. استُشهد بالانحياز في البحث، والتفسير، والذاكرة لتأويل تضارب الموقف (عندما يُصبح الخلاف أكثر حِدَّة برغم توافُر الأدلة نفسها لدى الأطراف المتنازعة) ورسوخ الاعتقاد (عندما يستمر الاعتقاد بعد توضيح أن الدليل الذي يدعمه خاطئ)، تأثير الأسبقيّة غير المنطقيّة (الاعتماد بشكل أكبر على أوّل ما وُجد من سلسلة معلومات) والربط الوهمي.
صديقي القارئ، لو شعرت أن هذا الكلام كبير، ويصعب شرحه، يمكنك أن ترى حال هؤلاء الذين يصرون أن المستقبل أفضل برغم كل المعطيات والشواهد والأدلة التي نقدمها لهم التي تؤكد أنهم يتجهون وجهة غير تلك التي يريدونها ويسعون لها، وبرغم تقديرنا الكامل لسلامة نيتهم لكن علينا أن نقول لهم أنهم مخطئون بدليل ما نحن عليه الآن من أزمات وتردي اقتصادي، وانهيار قيمة العملة المحلية، والآن عليهم أن يسمعوا لنا قبل أن يجدوا أنفسهم مضطرين لأن يهبطوا هبوط اضطرارياً في مكان لا يعلم إلا الله أين سيكون؟
المختصر المفيد غداً أفضل لو تخلينا عن العناد والإصرار على صحة رأينا، وسمعنا لبعضنا البعض بحق وليس تمثيلاً.