الأقباط متحدون | مجزرة كنيسة القديسين ليلة عيد رأس السنة الميلادية : مجتمع ضعيف .. ونظام قوي
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ٠٩:٤٠ | الاربعاء ١٢ يناير ٢٠١١ | ٤ طوبة ١٧٢٧ ش | العدد ٢٢٧٤ السنة السادسة
الأرشيف
شريط الأخبار

مجزرة كنيسة القديسين ليلة عيد رأس السنة الميلادية : مجتمع ضعيف .. ونظام قوي

الاربعاء ١٢ يناير ٢٠١١ - ٠٠: ١٢ ص +03:00 EEST
حجم الخط : - +
 

بقلم : محمود الزهيري
 
أهتزت جوانب النفس , وتلعثمت الشفاه , وخفق القلب , وتاه العقل , واهتز الوجدان , وارتعشت الأنامل , وطفق الطغيان وسدنته , يخصف علي عورات المجتمع بأوراق البردي العتيقة المجلوبة من حواشي الماضي المصري التليد , ليمحو مادون بها , ويكتب الطغيان قصائده بدماء الأقباط في أعيادهم , التي هي أعياد المصرين جميعاً.
 
شاهدت الجثث والأشلاء البشرية الممزعة مرات عديدة قبل الوفاة , بإرادة كافرة بالديمقراطية والحريات , ولاعنة لمن ينادي بتداول الحكم والسلطة , رأيتها في طوابير الخبز والغاز , وزحام المواصلات , وضآلة الأجور والمرتبات , وغلاء الأسعار المصنوع بفسادات أيادي مجرمي النظام , وضيق السكني , ومضايقات المتأسلمين الضائعين في دروب الفساد والطغيان , وشاهدت الجثث هذه المرة , ولكنها ليست كأي مرة سابقة , لأنها جثث وأشلاء ممزعة لشهداء , بإرادة كافرة بالإنسان !!
 
أسباب هذه المجزرة البشرية لايمكن الإبتعاد بها عن إرادة النظام الإستبدادي الحاكم ومنظومته الإجرامية المستعينة بأدوات دينية من الجانب الإسلامي الرسمي , والجماعات الدينية , وكذا من الجانب المسيحي الرسمي المتحالف مع هذا النظام رغباً ورهباً !!
 
بمعني آخر : الإستبداد السياسي يستعين بأجنحة دينية وسياسية فاشية تعمل علي بقاء منظومة الإستبداد , ولذلك فإن أعداء غالبية التيارات الدينية , والفاشيات السياسية هم أعداء بجدارة للديمقراطيات والحريات , لأنها تنتج في الغالب الأرجح الحقوق المدنية التي تجعل المجتمع متحللاً من وساخات الوصايات السياسية , وقاذورات الوصايات الدينية المقيتة .
 
وكل هذه الوصايات تؤدي إلي إضعاف المجتمع وتهميش دفاعاته المدنية في مواجهة الفاشيات السياسية والدينية , والملاحظ أن المجتمع المصري صار في حالة متردية من الضعف الإنساني الوجودي حتي في الحصول علي أبسط الحاجيات الإنسانية التي تؤمن وجوده في المجتمع بعزة وكرامة إنسانية , حيث البنية الإجتماعية أصبحت مهترءة من شدة الضعف .
 
 
 
المجتمع القوي نتاج دولة قوية , والمجتمع الضعيف نتاج نظام قوي , والفارق واضح بين مفهوم الدولة , ومفهوم النظام .. الدولة تعمل من خلال مؤسسات خادمة للمجتمع , والنظام يعمل من خلال مجتمع ومؤسسات خادمة للنظام الحاكم فقط , وهذا لاتراه إلا في الأنظمة الديكتاتورية الشمولية التي يتحكم فيها الحاكم الفرد في مصائر الجميع من خلال منظومة الطغيان والإستبداد .
 
 وتتكلف هذه المنظومة هبات وعطايا وحوافز داخل إطار المنظومة الإستبدادية عبر الرواتب والمهايا والحوافز والبدلات , وكذا خارج هذه المنظومة عبر الوسائط الدينية الموظفة كخادم مطيع , من الجماعات الدينية علي كافة توجهاتها الدعوية السلفية , أو الجهادية حسب المفاهيم الدينية , وكذا عبر القبائل والعشائر الخارجة عن منظومة الدولة , والبعيدة عن الإحصائيات الرسمية , لتكون أذرع معاونة لنظام الطغيان الإستبدادي الذي يعمل ضد المجتمع .
 
وهذا وحده لايكفي لنظام الإستبداد , لأن الأمر يحتاج إلي قوة عسكرية مسلحة تكون بمكنتها السيطرة علي المجتمع , وتحويله إلي مايشبه مجتمع القبيلة والعشيرة ليدين بالولاء رغباً أو رهباً للنظام الحاكم , ويتوقف إستمرار منظومة الإستبداد علي هذه القوة العسكرية المسلحة بأعداد تضمن السيطرة علي المجتمع , وتهميشه !!
 
كل هذه الأمور أمور ضاغطة علي أعصاب المجتمع الضعيف , والذي أصبحت أعصابه متوترة وذهنيته مشتتة بين أروقة المطالب الإجتماعية المزدحمة بالمطالب الأولية الحياتية والتي تشمل السكن , والطعام والشراب وفواتير العلاج والأمراض  , علي أبسط التقديرات , ومن ثم أصبح أكل العيش هو الهم الوحيد لهذا المجتمع الضعيف , وهذا أصبح صعب المنال !!
 
الذي يدلل علي ماسبق في الشق الأخير الخاص بالجانب العسكري أن النظام المصري يوظف في الدولة المصرية مايقترب من ستة ملايين موظف رسمي , بجانب مليون موظف خارجين عن هذا العدد , ويختص بهم قطاع الأعمال الخاص , بمعني أن عدد 6 مليون موظف يوجد من ضمنهم مليون وسبعمائة ألف موظف لدي قوات الأمن فقط , بتكلفة ميزانية قدرها 190 مليار جنيه مصري , فمعني ذلك أن كل مجموعة من المواطنين لايتعدي عددهم أصابع اليدين , يراقبهم فرد أمن , ويحصي عليهم تحركاتهم وسكناتهم وصحوهم ومنامهم !!
 
أليس هذا يضعف المجتمع , ويقوي النظام الحاكم !!
 
الأقباط من نفس هذا المجتمع , ويمثلوا فصيل هام وحيوي في المجتمع المصري , ومعهم باقي الأقليات الدينية الممتزجة في المجتمع المصري , والتي يندر معها أن تظهر هويتها الدينية في أي شأن من الشئون العامة أو الدينية , لدرجة يصعب معها التفرقة بين مسيحي ومسلم سواء في الزي أو الشكل أو طريقة التعامل اليومية .
 
لكن تظهر المضايقات من بعض المرضي النفسيين , والجهلة والأغبياء من أنصاف الآدميين , كما يعلو معدل البغضاء والكراهية لدرجة تصل إلي الرفض التام من غالبية أعضاء الجماعات الدينية , الدعوية منها والقتالية , مع أنه لافارق بينهما سوي في الدرجة , إلا أن الألوان تتفاوت ..
 
الأزمة الكبري تجدها في أركان الدولة ومؤسساتها العامة , وخاصة المؤسسات الدينية , فهي تعمل علي مدار الساعة للتحريض علي الكراهية وإظهار البغضاء للأقباط , وهذا واضح من خطباء المنابر في أيام الجمع والمناسبات الدينية , ومن المناهج الدينية , وكذلك تراخيص بناء المساجد والزويا الممنوحة بلا أي ضمانات , وتعقيد بناء أو ترميم أي كنيسة أو دار عبادة دينية !!
 
النظام الإستبدادي الطغياني , يستمد قوته من إستخدامه للأقليات الدينية درع حماية له كضمانة لإستمراره وبقاؤه في الحكم والسلطة الإستبدادية , المعتصمة علي الدوام بمقولة حماية الأقليات الدينية من الإرهابيين والتطرف الديني , في حين أن الإرهاب والتطرف هما صنيعة الأنظمة الإستبدادية التي يتم توظيفهما لمصلحة الإستبداد .
 
أنظمة الإستبداد تجعل من الأقليات الدينية علي الدوام جسد ضعيف منهك لايقوي علي القيام بواجباته الإجتماعية المعطلة بإرادة النظام الطغياني , ومن ثم إبتعاد الأقليات الدينية عن ممارسة حقوقها السياسية , وتستمر العزلة الإجتماعية بتوابعها السياسية لترتكن الأقليات الدينية إلي دور العبادة الدينية , وتبدأ الوصايات الدينية مغموسة بوصايات سياسية واقعة علي رأس المؤسسة الدينية , التي أصبحت الملاذ الوحيد للأقليات , ولكن داخل المؤسسة فقط , ومن هنا كان إستخدام روؤس المؤسسات الدينية درع أعلي لحماية الطغيان والإبقاء عليه , وهذا يتم بمباركة المؤسسات الدينية للإستبداد ممثلاً في شخص الحاكم الذي صار أمام الجميع وكأنه إله يصدرأوامره وكأنها وحي من السماء للجميع , ومن يرفض هذه الأوامر يصير في عداد الكافرين بالحاكم الإله/ الصنم , أو الإله الصنم / الحاكم ..
 
هذا يستمر مع كافة رموز المؤسسات الدينية الرسمية , المسيحية منها , والإسلامية , إلا أن الأخيرة تدين بديانة الحاكم .. وهذا هو الفارق .. !!
 
ليستمر نظام الطغيان والإستبداد في مسيرة فساده , يستخدم العناصر والرموز الدينية في إدارة الفتن الطائفية , والصراع من أجل الله , ومن أجل الجنة المؤجلة للآخرة حسب المعتقدات الدينية , ويتم إستثمار هذا الصراع الآخروي لضياع الحقوق الدنيوية , وكأن الحاكم الطاغية المستبد , قد تحول من دوره الوظيفي لصيانة وحفاظ وتوزيع الثروات , بميزان الدستور والقانون , حسب النظرية البسيطة المتعلقة بتوزيع الحقوق والواجبات , ليقوم بدلاً من هذا الدور بدور وظيفي آخر هو العناية بالإيمان الديني الذي يؤهل المجتمع للدخول في إستثمار مضمون أخروي , متمثلاً في جنة الآخرة , هروباً من تبعات جنة الدنيا , والتي تعني البحث عن الوسائل والأساليب السياسية لتحقيق مجتمع الرفاهة والعدالة الإجتماعية , بمنظومة تحافظ علي الإنسان , مجرداً من أي عنصر إلاعنصر المواطنة وفقط !!
 
وهذا الدور الوظيفي للحاكم الطاغية  , يستميل رجال وفقهاء الدين أياً كان هذا الدين ..
 
 
 
وهذه جملة أسباب تجعل المجتمع ضعيفاً والنظام الحاكم قوياً , ولكن الذي يظل ضعيفاً ومستهدفاً من الطغيان والإستبداد , كافة الأقليات الدينية , ولذلك فإن المستفيد الوحيد حصرياً من جريمة مجزرة كنيسة القديسين بالأسكندرية ليلة عيد الميلاد , هو النظام المصري حصرياً , وبلا منازع , والخاسر الوحيد بلامناع حصرياً هو المجتمع المصري بمسلميه , ومسيحييه وكافة الموجودين علي أرض مصر , والذي نأمل أن تغيب عنه المفردات اللغوية الضاغطة بتعبيراتها الدينية , لتقول هذا مسيحي , وهذا مسلم , وهذا بهائي , وهذا نوبي , او شيعي , أو حتي من عبدة الأصنام من أصحاب الديانات الوثنية الأرضية , ولكن هذا لايتم إلا بتغييب دورمثلث الإستبداد والطغيان والفساد , ذلك المثلث الحاكم في مصر بجدارة وامتياز غير مسبوق . وأي حديث يذهب بإلقاء اللائمة الإجرامية في حادث مجزرة كنيسة القديسين علي تنظيم القاعدة , والموساد , وأقباط المهجر , هو حديث هراء , وكذب , وهارب من المسؤلية , لأن المسؤلية واقعة علي عاتق النظام السياسي القوي , في مواجهة المجتمع الضعيف , وإلا ماذا يعني أن عدد أفراد الأجهزة الأمنية يزيد عن (1,7), مليون وسبعمائة ألف فرد , بميزانية تخص الأجهزة الأمنية تقدر بـ 190 مليار جنيه مصري سنوياً  , وكل عام في إذدياد .. !!
 
البديل الوحيد هو تفعيل الحريات الإجتماعية , ومعها الحريات السياسية , لتنتج مجتمع يقوم علي أسس ومباديء الديمقراطية لإنتاج دولة المواطنة القائمة علي أساس الحق والواجب , وهذه هي المسؤلية الحقيقية بأبعدها الإنسانية السامية , وهذه مسؤلية تؤدي في النهاية إلي رحيل نظام قائم علي أضلاع ثالوث الإستبداد المنتج للطغيان المؤدي لصناعة كافة منتجات الفساد .
 
تصبحون علي وطن !!




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
تقييم الموضوع :