الأقباط متحدون - تكريم الشهداء في الطقس الكنسي
أخر تحديث ٠٨:١٦ | السبت ١٥ يناير ٢٠١١ | ٧ طوبة ١٧٢٧ ش | العدد ٢٢٧٧ السنة السادسة
إغلاق تصغير

تكريم الشهداء في الطقس الكنسي


قرأه لكم: جرجس بشرى
نستعرض اليوم هذا كتابًا هامًا يصحح الأفكار المغلوطة لدى البعض عن مفهوم الاستشهاد في المسيحية، ودوافعه، وأسبابه، ونتائجه، من منظور مسيحي طقسي، يؤكِّد على علو منزلة الشهداء في الكنيسة ومكانتهم عند الله.. الكتاب الذي سنتناوله بالعرض هو "تكريم الشهداء في الطقس الكنسي" للأب "متى المسكين"..

الاستشهاد وتكريم الشهداء جزء حي من صميم الايمان بالمسيح
يقول المؤلف في افتتاحية كتابه: إن تكريم الشهداء يدخل كعنصر من العناصر المؤثِّرة في الطقس الكنسي منذ العصور الأولى، ليس بمجرد قراءة السيرة أو التسبيح، بل وفي صميم الليتورجيا- الصلاة المشتركة- إذ كانت تُقام الإفخارستيا خصيصًا باسم الشهداء، ويعقبها مباشرة "الأغابي الكبرى" التي كانت تسمى الأنامنيسي أي "التذكار"، والتي فيها يُعيّد المؤمنون عيدًا مُبهجًا للغاية لذكرى القديس، باعتباره شاهدًا للمسيح، ولصدق وعد الرب يوم صعوده للسماء. مؤكدًا أن قيمة الشهداء الروحية في الكنيسة تستمد قوتها وتأثيرها في النفوس من الشهادة التي كانت منذ أيام الرسل أعظم وأجَل الأعمال التي يمكن أن يقوم بها الإنسان في حياته.

وأوضح المؤلف أن الرسل هم أول الشهداء الذين سلَّموا الايمان كاملاً بكل أمانة وشجاعة، ولما طولبوا بالشهادة تحت تهديد الموت، شهدوا بلا تردد أو خوف. كما أن أولئك الذين تسلَّموا الايمان من الرسل، سلَّموه أيضًا هكذا تحت السيف أو من خلال التعذيب حتى الموت، وبهذا انتقل الايمان بالمسيح عبر الاستشهاد المتواتر، وأصبح الاستشهاد وتكريم الشهداء جزءًا حيًا من صميم الايمان بالمسيح.

مفهوم الاستشهاد في المسيحية وكرامة الشهداء العالية
ويقول المؤلف: "إن حصول الشهادة كاملة تحت تهديد الموت، إنما هو علامة وبرهان أكيد على أن الروح القدس هو الناطق، وبالتالي فإن الشهيد في هذه اللحظات يكون في حالة ملء كامل من الروح القدس. من أجل هذا اُحتسب الشهيد في الكنيسة بدرجة نبي!!! وسفر الرؤيا يؤكِّد ذلك "فإن شهادة يسوع هي روح النبوة " (رؤ 16 :10)"

وأوضح المؤلف أن الكنيسة في تكريمها للشهداء ينبع من حالة رؤيوية، ومن ايمان يستشف اللامنظور، ورجاء يعيش في عمق السماء. مؤكدًا أن الشهداء قائمون في السماء بحسب رؤيا القديس "يوحنا"، جالسون مع المسيح. مشيرًا إلى أن تطلع الكنيسة نحو الشهداء، إنما هو ينبع من صِلة رسمية وليس تفضُلاً من الكنيسة على الشهداء!!

وعن كرامة الشهداء يقول المؤلف: "الشهادة للمسيح حب لا يقف إزاءه أي حب آخر في الدنيا... فلكي يشهد الشهيد للمسيح تحت تهديد الموت ويغلب هذا العالم، يلزمه أن يخضع كل عاطفة وكل حب وكل واجب وضرورة تحت حكم البغضة، حتى حياته ذاتها "وهم غلبوه بدم الخروف وبكلمة شهادتهم، ولم يحبوا حياتهم حتى الموت، من أجل هذا افرحي أيتها السموات والساكنون فيها" (رؤ 12 : 11 )، فإن كانت السموات تفرح وكل الساكنين فيها بالشهيد، فكم وكم بالحري يكون فرح الكنيسة؟؟".

حب الشهيد للمسيح لم يأت من فراغ
وأوضح الكتاب أن حب الشهيد للمسيح واشتياقه للاستشهاد من أجل اسمه، لا يأتي من فراغ، حيث أن الشهيد يطرح الخوف عنه؛ لأن المسيح حقيقته العظمى والوحيدة.. عينيه مثبتة عليه وحده فقط، وفمه ينطق باسمه، وقلبه لا ينبض بحب آخر سواه!!

الاستشهاد عمل مدبَّر من الروح القدس لنشر الايمان
واعتبر المؤلف أن الاستشهاد ليس غاية للمسيحيين المولودين في المسيحية فقط، بل غاية لكل من يقدم ويأتي للمسيح من المؤمنين الجدد، بقوله: "أما هذه الشجاعة الايمانية المذخرة في شهادة الشهيد، والتي تفتخر بها الكنيسة وتعِّيد لها، فقد أسس المسيح كل متطلباتها في قلب كل من يأتي إلى المسيح ويؤمن به بإخلاص، حينما قال مسبقًا: "أنظروا إلى نفوسكم، لأنهم سيسلمونكم إلى مجالس، وتُجلدون في المجامع، وتقفون أمام ولاة وملوك من أجلي شهادة لهم" (مر 13 : 9 ـ11). مؤكدًا أن كل المواقف الصعبة التي تعرَّض لها الشهداء بكل صنوف أهوالها المرعبة، دبرها الروح القدس بكل عناية، وصمَّم ونفذ مشاهدها المرعبة على مرأى من الملوك والعظماء والقادة وكل نفس قاسية وظالمة؛ حتى تغطي شهادة الشهيد أعظم وأكبر دائرة بين نفوس بني البشر، وحتى يغطي دم الشهيد أكبر مساحة تربة من الكنيسة..

المعترفون.. شهداء أيضًا
وذكر الكتاب مجموعة أخرى من الذين يعانون يوميًا في حياتهم من كافة صنوف العذاب والقهر والتمييز والاضطهاد لأجل المسيح بفرح. فقال: "ولكن في ذكرى الشهداء، لا ينبغي أن ننسى موقف المعترفين (أومولوجيتيس)، فهم شهداء أيضًا وإن كانت شهادتهم لم تبلغ حد سفك الدم" موضحًا أن الكنيسة الأولى لم تفرق بينهم وبين الشهداء في الكرامة والمجد. مشيرًا إلى أن القديس "كبريانوس" والعلامة "ترتليان" استخدما كلمة "شهيد" على المعترف بدون أي فارق.

وأكّد المؤلف أنه جاء في التقليد الرسولي للقديس "هيبوليتس" ما نصه: "فإذا كان المُعترف قد جاز السجن والقيود من أجل "الاسم المبارك"، فلا ينبغي أن توضع عليه اليد حتى ينال الشموسية أو القسوسية، بل يُحسب- كحقيقة مُسلَّم بها- في درجة القسوسية بسبب اعترافه بدون رسامة أو وضع يد!! مشيرًا إلى القرن الرابع قد ازدحم بهؤلاء المعترفين الذين أكملوا شهادتهم ولم يُقدموا للموت، ورفعت الكنيسة معظمهم إلى درجة الأسقفية بعد انقضاء الاضطهاد أيام "دقلديانوس".

وأوضح المؤلف أن من أوجه تكريم الكنيسة للمعترفين أنه كان من حق كل معترف أن يتشفع في أي مذنب واقع تحت العقوبة الكنسية، فتُرفع عنه في الحال، مهما كانت هذه العقوبة، حتى ولو كانت عقوبة جحد الايمان تحت الخوف، إذ كان يكفي أن يقدِّم المعترف ملتمسًا إلى أسقف الكنيسة مع توصية برفع العقوبة عن المذنب فتُرفع عنه..

نحن نطلب من الشهداء والمعترفين الذين سفكت دمائهم لأجل المسيح أن يصلوا من أجل خلاص العالم ومن أجلنا، كي نتحرَّر من رباط وروح الخوف الشرير، ولكي نرث معهم الحياة التي لا تنتهي. بركة صلواتهم المقدسة فلتكن معنا أمين.


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter