بقلم: محمد بربر
مثل كل شىء يمر علينا مرور الكرام، وقعت عشرات الحوادث الكارثية في الشهور القليلة الماضية، وكنا نكتفي بهز الرؤوس تعاطفًا مع الضحايا، أو رفضًا صامتًا لممارسات الحكومة، قبل أن تحل علينا ليلة رأس السنة لتعلن العام الجديد. ويبدو في الأفق عاليًا شعار الحزب الوطني "من أجلك أنت"، ويسقط ضحايا جدد، ونشجب، وندين، ونستنكر، ثم ننسى في نهاية المطاف.
نهرب من مشاكلنا لنتقوقع كما ضفدع البرك، ونبحث عن مخرج يناسب هذا الموقف المريب حقًا، ونجهل حقيقة لاريب فيها، وهي أن الجرائم تتكرَّر طالما كان الجاني حرًا طليقًا يخشاه الناس، أو يفضلون رفضه بقلوبهم.. دعنا من برودة مشاعرهم أو ضمائرهم التي هي في أجازة مفتوحة، لكن السؤال الذي يفرض نفسه هنا: هل تناسينا شهداء العبَّارة ودموع أسرهم؟ أو قطار الصعيد الذي أحرق قلوب أهالي الضحايا؟ أو كل ابن مات والده جراء إصابته بأمراض سرطانية نتيجة فساد "معاليهم"؟!! ناهيكم عن كل هذا، هل تناسينا شهداء "نجع حمادي"، شباب كما الزهر، يقبل على الحياة في محاولة لفهمها، لكنها الأيادي الآثمة تفرض نفسها، وبقوة الظلم. وهذا غيض من فيض بالتأكيد، المنيو طويلة، وهوا فيه أغلى من الدم؟!
إذا كنتم قد تناسيتم جريمة "الإسكندرية" واستهداف أمن "مصر" وشعبها، فهل نسيتم ضحايا قطار "سمالوط"؟! الأمر هنا لا يمكن حصره في عدد، أو فى كيفية؛ فالحكومة التي لا تستطيع حماية شعبها، لا يمكن تحميلها الحد الأدنى من المسئولية. الإشارة هنا تكمن في هذا المختل! وبعيدا عن اسم "عامر عاشور عبد الظاهر"، سواء كان مختلاً أو مصابًا بمرض نفسي، أنت هنا المقصود.. بالطبع لن أخدعك. وعلاقتي بك- صديقي المصري- تؤهِّلني لمصارحتك بذلك، فأنت وأنا وكلنا هذا المختل!
كلنا يتخذ من النعامة مثلا أعلى في كيفية دفن الرؤوس في الرمال نقرأ الخبر، نسمعه على شاشات الفضائيات، ولا نصدِّق سوى التليفزيون المصري وهو يعطي للحدث رونقه الخاص، فيحذف ما يؤثِّر على أعصابنا، ويضيف بعض الماكياج، ونحن نصفق من أجل فوز الأهلي، تتابع الجرائم والقضايا، وتمتلأ الصحف والمواقع والمنتديات بكلام من سيخلص قومه من القهر، وينتهى الحماس بكتابة تعليق لا يسمن ولا يغني من جوع، يثور وهو يجلس على "التشات"، ويتراشق مع أعضاء الحزب بفيديوهات اليوتيوب، هي إذن ثورة أون لاين!
لماذا لا نسأل أنفسنا من فينا المختل؟ هل من يرتكب الجريمة، أم من لا يقدِّم الجاني للمحاكمة العادلة؟ وهل هو القانون الذي ذهب إلى "الترزية" وعاد ليكون وصمة عار في تاريخ "مصر"، أم هو الفساد الإداري الذي سمح لمريض نفسي بحمل سلاح وقتل ضحايا عزل لا ناقة لهم ولا جمل؟!!
أيها السادة، إذا كانت المحبة هي كلمة السر في الأرض، تؤلِّف بين القلوب، وترسم السلام بين الشعوب؛ فإن هذه المحبة لن تتواجد قبل أن يتخلص كل منا من هذا المختل الذى بداخله، حتى نعيش بدفء صوت مآذن المساجد يعانق أجراس الكنائس.. صدق الإخوة في الحزب الحاكم "من أجلك أنت"!