التخريب الاركيولوجي.. يا ناس
محمد حسين يونس
السبت ٢٢ ابريل ٢٠١٧
محمد حسين يونس
علي ظهر كوكبنا تعيش ملايين الكائنات، أما إذا أخذنا في الاعتبار البكتريا .. فعلينا الحديث عن المليارات من الاحياء المتنوعه علي اليابسة او في البحار والجو ، في الوسط شديد البرودة ،والبقاع مرتفعة الحارة .. كم هائل من الكائنات التي تعيش بتكامل و توازن أيكولوجي ..إستمر لملايين السنين .يفرز كل يوم أشكالا جديدة .. مع كل تغير مناخي او تعديل لظروف البيئة المحيطة.
الطبيعة لا تعرف النوع الواحد (النقي ) و لكن تعرف الخلط بين الانواع بإسلوب ساحر .. لا يوجد في الطبيعة لون أحمر أو أزرق أو اصفر (نقي ) كما نراها في التحليل الطيفي لاشعة الشمس و لكن توجد خلطات متنوعة علي كل لون لتخرج ملايين الدرجات و مشتقاتها .. نعجب من جمال تجانسها أو تنافرها في الطبيعة أو في الخلطات المصنوعة بواسطة الفنانين .
نفس الموضوع في النغمات و الاصوات .. و في الكائنات الحية .. و منها البشر .. لا يوجد ( إنسان) نطلق عليهم زنجي نقي أو أبيض نقي أو اصفر نقي توجد الاف التنويعات جاءت عبر التاريخ من تزاوجات بين الفصائل المختلفة لتخرج للوجود هذا الطيف الواسع من انواع البشر الاصحاء أما إذا أصر جنس علي عدم التزاوج خارج نطاق أفرادة فعادة ما تأتي الاجيال التالية إما مريضة و مشوهه أو ذات ميزات متراكمة تصل إلي درجة العبقرية .
هذه البديهية رغم أنها حقيقة واضحة .. إلا أن مليارات الكائنات التي تعيش بحكم واقع تكوينها الغريزى .. لا تستوعبها او تدركها ..و لكنها تمارس إعتمادهاعلي الكائنات المحيطة(العائلة ) و تمثل هي نفسها (عائلا)لكائنات أخرى .
الانسان في حدود معلومات العصر هو الممتلك (الوحيد) لخاصية العقل و المنطق و التفكير، والذى رغم كونه يتحرك في ألأغلب الاعم طبقا لنظم إكتسبها غريزيا من الطبيعة ( اى إنتظام كل وظائفه الحيوية بما في ذلك ، دورة الغذاء والتنفس والاخراج والتكاثر ) إلا أنه الكائن( الوحيد) القادر علي ضبط و تعلية و تطوير هذه الغرائز والتسامي بها .. ورأب الصدع او الخلل إذا ما حدث من خلال تمثل تجربته كفرد وكجنس بشرى كان (الوحيد) تاريخيا القادر علي مراكمة خبرة أفراده ووعيهم عبرالاجيال .
هذه المعطيات المنطقية ..إذا ما فحصناها بدقة أكثر .. سنجد أن هذا الكائن العاقل(الذى هو نحن ) إمتد تواجده علي سطح الكرة الارضية .. يتنفس و يتغذى و يتناسل بأعداد غير منضبطه ..لا يستخدم ما تميز به (من وعي عن باقي الكائنات) الا قليلا .. فمعظم أفراده قد إستسلموا منذ بداية تواجدهم علي الارض لاليات في السلوك تحولت بسبب تكرارها إلي ما يوازى الغريزة رسوخا وقوة
بيئة الفرد (البشرية ) تمثل أهم هذه الاليات فمنها يتم الامتصاص السلوكي و القيمي ليصبغه الوسط الذى وجد به و نشأ من خلالة ..بملامحه .. بلغة الام ( لا تتغير لدى الفرد منا الا قليلا مع الاختلاط بالاخرين و التعلم منهم) .. و بدين الام (يصبح لدى الطفل البشرى من الثوابت التي يجب الا يفكر في مدى مصداقيتها) .. وقيم الام .. طيبة او شريرة .. إنها القواعد الاساسية التي سيشيد عليها منظومته الفكرية و الاخلاقية و السلوكية و هكذا فإن مجموعات الانسان المتواجده علي هذه الارض .. تحول أفرادها الي جزء لا يتجزأ من البيئة التي خرج منها..
أى نستطيع تمييز ..أن هذا هندى و ذاك ياباني و الاخر إفريقي زنجى .. ونتعرف علي بعضنا بعض من الملامح و اللغة و السلوك
بل ورصد إختلافات .. مذهلة ..بين الاجناس .. لقد كان إنسان البحر المتوسط يتخيل أن دورة الشمس تتم بصورة واحدة في جميع الاماكن فكون الروزنامة الشرق
بينما أبناء الشمال حيث الثلوج لا تتوقف و تظل الشمس في السماء دون غروب لشهور لهم روزنامة أخرى
في حين أن في الجنوب توجد امطار غزيرة و حرارة لا تطاق و دورة للشمس و الفصول تختلف عن الاثنبن
هذا غير الفروق بين نصف الكرة الشمالي و الجنوبي
.. وهكذا أصبحنا لمن وعي من البشر نمثل شعوبا و قبائل .. أخرجتها البيئة بصور مختلفة غير متطابقة
اما من لم يعي .. فلقد تصور أن جنسة هو الوحيد الذى يمكن أن يطلق علية إنسان و إن الاخرين خارج جنسه كائنات يمكن القضاء عليها .. كما فعلوا مع أبناء أمريكا الاصليين و الافارقة من الزنوج .. فقضوا عليهم مثل الجراد و الفئران و الوحوش الضارية
في الشرق الاوسط تكرر الفئات غير الواعية عملية التطهير العرقي بكثافة تزيد كلما فتكت الخرافة بعقول سكانها .. حتي أنه أصبح هناك خوفا من إختلال أركيولوجي في المنطقة بنفي المخالفين لدين الاسلام .. كما حدث عندما تم تهجير اليهود و الاجانب في نهاية خمسينيات القرن الماضي من مصر
الفرق بين الانسان العاقل و الاخر الاقرب للوحوش ..أن الاول يعرف أن هناك أخر و أن علية أن يتشارك معه .. لا يفنيه
فلنقترب أكثر من الصورة بطريقة (زوم إين ) في منطقتنا تبادلت أجناس بشرية مختلفة إنشاء حضارات واسعة النفوذ .. علي ارض ما بين النهرين ..نستطيع أن نميز الان تواجد الشعوب السومرية والأكادية والكلدانية وأبناء اور وبابل و أشور، وفي إيران، نجد الفرس ..وفي الشام ،الكنعان و الفينقيين علي السواحل و الاراميين وفي كميت (مصر ) نجد المصريين القدامي .. الذين أطلقوا عليهم القبط بعد ذلك ...هذه الشعوب بجوار الاغريق والرومان (بتطوراتهما المختلفة) .. شكلوا ما يسمي بحضارات العالم القديم.. التي إختلفت لغاتها .. وإسلوب حياتها .. وأديانها و طموحات قادتها . .وهكذا بجوار التبادل التجارى و الثقافي و ذوبان الاجناس المختلفة بالهجرة .. قامت حروب كاسحة .. مدمرة .. تبادلت فيها هذه الشعوب نفوذها .. علي المنطقة
الانسان الواعي اليوم .. يدرك هذا التاريخ بعد أن فك الاوربيون طلاسم اللغة المسمارية و الهيروغليفية .. و عرفوا كم كان لسكان هذه المنطقة الفضل علي البشرية و تعليمها و تدريبها
أهم ما قدمته شعوبنا القديمة للانسانية .. كان الدين ..معناه الميتافيزيقي و القيمي ..البحث في إسلوب خلق الكون وتسييره .. ثم علاقات البشر بالارباب و الثواب و العقاب في الاخرة عن الاعمال التي قام بها الفرد في حياته
بغض النظر عن موقف كل منا من الدين .. اصبح العاقلون من بني البشر يعرفون جيدا ..ان الانسان إكتسب ملامح دينه من بيئته مرورا باطوار مختلفة .. بدأت بالطوطمية و عبادة الاجداد حتي التوحيد .
أديان المنطقة ( لمن يعرفون ..) قادمة من جذور ثقافية متفاعلة مع البيئة سادت و تطورت ودارت عبر الاف السنين تأخذ من بعضها لبعض و تكسب الديانات المحلية مفردات الخصوصية(الطبيعية ) التي تسود فيها .
فلنقترب بالكاميرا أكثر .. لنجد أن الثقافة الدينية التي سادت في منطقة الشرق الاوسط من الخليج حتي المحيط .. دارت حول توجهين ..احدهما تبناه البدو الرحل و الذين كانت تعج بهم المنطقة .. و لا يتوقفون عن الحروب بينهم من أجل الماء و الكلأ و كان مرتبط (أى التوجه الديني ) أساسا بالسماء .. بكواكبها و نجومها و قمرها و شمسها .
وديانة الخصب و التجدد .. التي سادت بين المستوطنين الزاع للقرى و المدن حول مجارى الانهار في ما بين النهرين و الشام و كميت (مصر) .. و كانت ترى أن الحياة تسير علي وتيرة واحدة تشبه حركة الشمس .. تولد .. تستمر .. ثم تختفي .. لتولد من جديد في اليوم التالي .. و هو نفس الامر الذى يحدث لمياة الانهارالتث تفيض و تنحسر و النباتات التي تزدهر بعد جفاف .. و جميع الكائنات بما في ذلك الانسان .
كل من التوجهين .. قدم للانسانية مايسترو للجماعة المقدسة .. (( بارى نفسة ،الواحد الاحد .. الذى أنشأ الكون .. بما فيه من الكائنات و الذى يديره .. بالعدل و الاستقامة و العلم و المعرفة .. وأنه هو الذى يراقب البشر و الكائنات يرزقها .. و يهديها .. ويحاسبها .))
الكائنات المقدسة بالمنطقة ..بدأت من اساسيات القوة و القدرة والعقاب الجماعي للعصاة بالاوبئة ،والامراض والطوفان الذى يغرق كل الموجودات و الحرائق والزلازل و البراكين .. وإنتهت الي المحبة و السلام ونشر الخير و الامان و حماية البشر من غوائل الزمن.
ثم أن هذه الكائنات أوما يطلق عليها (النتر ) المقدس عند المصرى..تفاعلت و تزاوجت فيما بينها .. و إكتسب المنتصرمنها صفات المهزوم بعد تفوق المؤمنين به .. ولكنها في نفس الوقت ظلت متجاورة لم يحقق أيها ..إنتصارا .. نهائيا علي الاخر .
حتي بعد .. أن تعقدت الميتافيزيقيا .. و أصبح هناك كهنة محترفين يدافعون عن كل دين .. و يقدمون معجزات أربابه لمريديهم .. و حتي بعد ظهور الامبراطوريات القديمة الكاسحة .. لتحتمس الثالث .. الذى جعل من (النتر ) أمن الممثل بقرص الشمس ملكا علي كل الكائنات المقدسة بالمنطقة لا يطاوله في رفعته و قوته كائنا مقدسا أخر و بعد باقي الامبراطوريات الغازية لمصر الاشورية و البابلية .. و الفارسية و الاغريقية التي جاءت و معها رموزها المقدسة فإحتلت كراسي النفوذ و القوة .. ظل أوزيريس في القلب و العقل ومحركا وملهما لسلوك للمصرى العادى الذى يزرع و ينتج ويحج لابيدوس يبتغي رضاه ويعيش منتظرا عطاياه و تجدد الخير القادم مع مياة النهر و الخير النابت في الحقول .. و الخير الذى سيعم علي المتقين في حقول الاليسيان المقدسة .
ثم يجيء زمن تنتشر فيه الديانات الابراهيمية بالتدريج .. (المصرى و الشامي و العراقي) .. جذبته تعاليم ومفردات دين المسيح علي أساس أنها الاقرب إلي تقاليدة الانسانية و فهمة للفداء و التجدد وسلوكة الخير .. فإعتنقها وتمسك بها لالفي سنة .
الاسلام .. جاء غازيا .. بالسيف و القوة .. و تملك الغزاة كراسي الحكم فورا ليصبح دينهم دين الحكام كما كان دائما (أمن -رع ) دينا للملوك.
خلال رحلة طويلة زاول فيها الحكام المسلمين كل أنواع القهر و العنف و الارهاب علي الذميين من أبناء البلاد المحتلة .. ظل أهلها محتفظين بدينهم .. دين التجدد و المحبة الذى قاوم شبيهه القديم (أديان الحكام) منذ الاف السنين حتي أن أتباع المسيحية تم تسميتهم بأسماء بلادهم الاصلية أشورى و كلداني و أرمن و أقباط .
فلنقترب أكثر من الصورة ..نعم لقد خاضت المنطقة حروبا طويلة .. كانت في أغلبها .. من أجل سيطره شعب علي جيرانه و إستعبادهم وإستغلالهم إقتصاديا .. بصور مختلفة .. وكلها .. إرتدت بردة الدين .. ورفعت راياته .. وكلنا نعرف الكثير عن هذه الحروب و مافعلته في الشعوب المقهورة فلا داعي لنكأ الجرح .
أخر الحروب الكبرى التي رفعت رايات الدين كان غزو أبناء شبه الجزيرة العربية ..لشعوب المنطقة و إخضاعها لدفع الجزية و الخراج لصالح الخليفة الجالس في المدينة او دمشق او بغداد .. او القادم مع المغول و التتار .. او لصالح سلاطين الدولة العثمانية .
كل شعوب المنطقة لها قصصها مع الجنود الغزاة غير المنضبطين المغرورين بالقوة و كيف كانوا يبيدون الملايين المخالفين لهم في الدين .
في كميت( مصر) عاني القبط من أهوال الرومان و العرب و العثمانيين ..ولهم قصص محزنة .. يحتفلون بشهدائهم القديسين .. حتي اليوم .. كذلك الارمن .. والايزيدين .. و الاشوريين والكلدان بالعراق .. و الامازيج في الشمال الافريقي.
الشعوب الاصلية في المنطقة إستغلها الغزاة العرب .. وحاولوا ترويضها .. ومع ذلك و رغم كل الظلم و الترويع و القهر الذى وصل بالحاكم بأمر الله أن يقطع لسان من يتكلم بالقبطية حتي في صلاته ..لازال يعيش بيننا ... القبط والاشوريون و الكلدان و الامازيج .. ولكن بعد أن أصبح لهم ملامح نفسية وسلوكية خاصة فرضتها عليهم البيئة المعادية غير المواتية .. علينا تأمله..!
مع القرن التاسع عشر تعرف المصرى علي حضارة .. وطنه.. بعد أن فك الغرب طلسمات لغته القديمة .. و سعي في بدايات القرن العشرين لرفع الظلم و القهر عن أهله من المسيحيين ..
فلنقرأ للاستاذ خالد محمد خالد كتابه الرائع (( معا علي الطريق محمد والمسيح )) وسنجد أن المسيحية و الاسلام يقودان الي محبة البشر و الي تعاطفهم و مساندتهم للضعيف .. والمحتاج و الشارد ...!! علي الرغم من كل ما يبدو اليوم كإختلافات تسبب فيها أغبياء القوم .
لقد حاول مثقفي مصر العيش تحت مظلة المواطنة المشتركة ولكن لم ينجح هذا حتي يومنا
فالقبطي او الاشورى او الكلداني او الفينيقي .. او السرياني .. الذى يعيش علي ارض أجداده .. يمثل تحديا حضاريا .. لمن إحتلوا أرضة .. فهو الذى يعرف أكثر .. وهو الذي ينجب أقل و هو الذى يتعلم افضل ويتفوق .. لقد حاصروه .. في ملبسة و مسكنه .. و معبدة .. وأداء طقوس دينة .. ومع ذلك يلتزم بمكانه لا يبرحه فيزداد صلابة .. وكأن البيئة التي نعيش في ظلها تعوضه بإمكانيات غير متوفرة للغاصبين حتي يستطيع الصمود والاستمرار في تنوع اركيولوجي مبهر تغييره سيكون له أثاره السلبية علي تكامل الحياة البشرية بالمنطقة.
أما بعد .. فعندما ..غزا إبن العاص مصر .. لم يكن يحمل قرآنا .. فهو لم يكن قد نسخ بعد .. و لم يتواصل مع المصريين من خلال سورة و آياته فلقد كانت اللغتين مختلفتين .. و لكنه كان يحمل سيفا و رمحا سارع بواسطتهما لحلب اللقحة و إرسال خراجها للمدينة بقوافل أولها عند إبن الخطاب و أخرها عنده .
لقد كان الغزاه قساة .. و سلوكهم عنيفا .. (لا يختلف عن أحفادهم من الدواعش و السلفيين) .. و جوعهم للطعام و الشراب و النساء بدون حدود .. فلم يصلحوا أن يكونوا قدوة أو مثالا .. للمصرى ..الذى رغم قسوة الحياة لالف سنة إحتلال فارسي إغريقي روماني كان لازال متحضرا بفضل تمسكه بدينه الاوزيرى الذى تحول إلي مسيحية مسالمة محبة أسبغ عليها .. كل مفردات حضارته وما إكتسبه خلال سبعة أو ثمانية الف سنة من دين التجدد الذى لم تزحة بعيدا نوائب أديان الحكام .
أن ما يحدث في بلدنا بالقرن الحادى و العشرين من سلوكيات (السلفيين) جاء نسخا وتكرارا لما حدث منذ الف و أربعمائة سنة فهل نتصور أن المصرى اليوم المتمسك بعقيدته سيتركها ليتبع( كمواطن من الدرجة الثانية ذمي أو من الموالي ) هؤلاء الذين أغلقوا عقولهم عن فهمه ولا يطالبونه إلا بالجزية و الخضوع لتوحشهم وسلوكياتهم التي لا تتواني عن تدمير الاخر بنحره و تمزيقة و تناوله كوجبة غذاء إن لزم الامر .
لو كان هذا مقبولا منذ أربعة عشر قرنا عندما جاء الغزاة من بيئة ضنينه قاسية ..فهو لا يمكن وصفة اليوم إلا بأن هؤلاء الاجلاف يعانون من أمراض عقلية و نفسية .. صورت لهم أن طرد المسيحي من أرضه و الاستيلاء علي بيته ومصنعه و أموالة .. ستغنيهم عن العمل و الشقاء ..و أن الضوارى التي سبقتهم من الاف السنين عاشوا منعمين بفضل قهرسكان البلاد الاصليين و إسترقاقهم .. وإستغلالهم .. ومص دمائهم لاخر قطرة .
وهكذا فرضا أن ذو العقول محدودة التصور قد أصبحوا حكاما و فاعلين ما الذى سيحدث لمنطقتنا التي ستصبح خالية من التنوع بعد نفي الاخر؟
في البداية .. هذا ليس فرضا نظريا.. نحن نراه يحدث في العراق و الشام .. في ليبيا و اليمن .. وبصورة أقل في صعيد مصر ... سلفيون يفتون بان علي المسلم أن يقاتل الكافر حتي لو كان مسالما ..أى أن المسلم المصرى علية نفي جميع أصحاب الاديان الاخرى حتي لو كانوا مسالمين . مثل الاقباط والبهائيين و الشيعة .. و اللادينين و من علي شاكلتهم من العقلانيين.
كذلك ..هذه لم تكن المرة الاولي في منطقتنا في العصر الحديث .. فلقد نفي كل الملوك والرؤساء العرب المواطنون اليهود من أوطانهم وإنتزعوهم من منازلهم عام 1956 و ما بعده ؟؟.. حقا أعداد اليهود تخالف أعداد المسيجيين .. واليهود كانوا يتجمعون في إسرائيل .. التي كانت في حالة حرب مع جيرانها .. و هو امر غير وارد بالنسبة للمسيحيين ،ولكننا نتكلم عن سابقة ترحيل لاصحاب دين خارج وطنهم ونفيهم
كذلك أن المسيحيين في بلدنا ينتشرين بين أصحاب الديانات الاخرى في نسيج حيوى يصعب فصلة كما حدث مثلا بين الهندوس و المسلمين في الهند .. بمعني أن النفي لن كون تقسيما بقدر ماهو طرد .. و هو أمر صعب تصور حدوثه .. فالقبطي الصعيدى في النهاية صعيدى بمعني إمتلاكة سلاحا و لا تختلف عقليتة المشبعة بالتار و العنف عن أخية المسلم .. فإذا ما قامت الواقعة فلن تحدث بسهولة ..بقدر ما ستقوم حرب اهلية مهما كانت نداءات العقلاء من الجانبين و مهما كانت تعليمات الكنيسة الأرثوذكسية المصرية صارمة بتجنب القتال
وهكذا فالقبطي او المسيحي الغني (القادر ) سيهاجر .. الي بلاد يٌحترم فيها الاخر .. ورغم أن هذا يعتبر تجريفا .. لكفاءات البلد .. ولثروتها البشرية و المالية .. إلا أنه لن يقارن بمدى بؤس أداء من سيحل محلهم من السلفيين المتعصبين .. لقد راينا هذا عندما رحل المهندس الاجنبي و حل محلة المصرى في إدارة التليفونات و السكة الحديد و الرى وقناة السويس و شركات النقل وتوليد الكهرباء فيمنتصف القرن الماضى لقد كان سقوطا لم يماثلة الا السقوط في إدارة البنوك و الاقتصاد ..إن تجريف البلد من الكفاءات المسيحية وهي عديدة و مؤثرة.. خصوصا في مصر و العراق و الشام .. سيحدث خللا .. بالتأكيد
يبقي بعد ذلك غير القادرين أو كبار السن المتمسكين بالتواجد مهما كانت عواقبة ليواجهوا حالة من القهر الانساني و الاخلاقي لا يمكن السكوت عليها .. من أصحاب العقول
المسيحيون المهجرون نفيا ..سيعانون .. من مشاكل الغربة .. ولكنهم سينجون من المجتمع البدائي المتوحش الذى سيبقي بعد رحيلهم ، وبعد إحداث الخلل الايكولوجي في بنيته السكانية.. ولكن هؤلاء الذين سيبقون ليدفعوا الجزية و هم صاغرون في بلاد مسلميها يدمرون المتاحف و المعابد و الاثار .. ويمسحون التاريخ الا ما ذكر في كتبهم الصفراء بان الملائكة أحضرت الطين من الارض و كونت منه جسد ادم الذي بقي لالف سنة يدخل فيها إبليس من فمة و يخرج من دبرة .. حتي نفخ فية الرب الروح و يتجاهلون عمدا نظريات التطور و وحدة الكون بل يؤثمون من يتداولها.
تخيل مجتمع يحبس نصفة خلف اسوار الامتهان البشرى .. لانهن نساء ناقصات العقل ..و هي أمور جارى حدوثها في بلاد داعش حيث جهاد المراة في نصفها السفلي
نفي الاقليات المسيحية قد يكون في صالح بعضهم .. ولكنه بالتأكيد بداية النفي للخصوصية الحضارية .. للشعوب المبتلاة بكائنات تفتقد الي مميزات البشر العقلية المنطقية.. مكتفية بالحياة الغريزية البدائية كما لو كانت حشرات.
والان .. سنقرأ هذا و نبتسم أو ننزعج و نصمت أو نعلق بكلمات الموافقة أو الرفض أو المواساة أو التخفيف أو الدعاء أو التأكد من أن مصر تحرسها العناية الالهية ثم نجلس مكتوفي الايدى و نترك للكائنات الحشريه تقرير مصيرنا ..أم علينا التكاتف بكل الطرق لمنع سيادة مثل هذا المنطق المريض ..
إنها ليست مشكلة المسيحي الشرقي بقدر ما هو هم لشعوبنا عليها الا تتجاهلة او تستخف بالتداعيات التالية له .. نحن بشر لدينا عقول ..تستطيع أن تخطط لباكر و لسنا كائنات تتحرك بغرائزها دون سيطرة او إعلاء و تسامي.