الأقباط متحدون - غيبوبة
أخر تحديث ٠٠:٣٧ | الاثنين ٢١ فبراير ٢٠١١ | ١٤ أمشير ١٧٢٧ ش | العدد ٢٣١١ السنة السادسة
إغلاق تصغير

غيبوبة


 بقلم : كابي يوسف

كنت أقود سيارتي بعد يوم عمل شاق. جسدي منهك، أجفاني متهدلة. وبالكاد أميز طريقي للوصول إلى منزلي والحصول على قسط من الراحة . وفجأة سمعت صوت زمامير السيارات وصراخاً أخذ يتعالى. لقد وقع المحظور واصطدمت سيارتي وانحرفت نحو منعطف صغير. هذا ما عرفته بعد أن أفقت من غيبوبتي التي دخلتها بعد الحادث واستيقظت في جهنم . نعم صدقوني إنها جهنم وبئس المصير. لم تكن الصورة هناك كما نتخيلها. لقد أدركت حقاً الفارق بين طرق الله والبشر. فكر الله وفكر البشر. فبعد دخولي المكان المتسع الأرجاء الذي يضم غالبية سكان الأرض. لم أجد نيران مشتعلة لكن الرعب بدا واضحاً على وجوه المقيمين هناك. ولم اسمع أصوات صراخ ترتفع لكنها أنات ألم، وإحساس بالندم غريب لا يوصف. و بالتأكيد لم أشاهد الحوريات ولا الذهب لكني لمحت صوراً تذكارية لكل متاع الدنيا وخيرات الأرض لتذكر الإنسان بما سعى لأجله ليلاً نهاراً. بما جعله الأول والسيد في حياته. بدأت أجول في المكان وانظر لعلني أجد أحداً اعرفه. والمفارقة إني وجدت الغالبية العظمى ممن عرفتهم على الأرض. معظم من شاهدتهم في حياتي يسكنون المكان. الأهل، الأصدقاء، الجيران. أصحاب السلطة، خدام الكنيسة على اختلاف رتبهم. تابعت السير يا للهول أولئك الذين ما تعبوا من الحديث عن مخافة الله معظمهم هنا. والذين كانوا يحملون الكتاب المقدس ولا يفارقهم أينما انتقلوا بل يرددون آياته غالبيتهم هنا. وعرفت فئة كبيرة ممن كانوا يقفون خلف المنبر. ولفت نظري وجود غرفة لم أشاهد ما تحتويه لكن عند بابها صف طويل للمتشحين بالسواد ممن يضعون الياقات البيضاء وبعض الخدام. وتذكرت قول أحدهم: خطيئة العارف كبيرة ولو كانت صغيرة.

بعض ممن يجولون المؤتمرات ليتحدثوا أو يسمعوا عن المسيح كانوا هناك. فئة ممن ألفوا كتب المواعظ والإرشاد بلغة منمقة كانوا هناك. ولفت نظري أن بعضهم كانوا يتحدثون بلغة لا أتقنها لكني اعرف بعض مفرداتها واعرف جيداً أن من يتكلمونها كانوا يظنون أنهم سيكونون في مكان أفضل فقط لأنها لغتهم المقدسة. شاهدت كل حقول الدنيا عدا زنابق الحقل والحنطة. سألت لماذا أنا هنا؟ فأجابني أحد الشركاء: أنسيت كم كنت مرائياً في حياتك؟ ألا تتذكر أنك ارتكبت العديد من الخطايا ؟ أنسيت أنك تلاعبت على أنظمة دولتك المالية؟ وكنت تخجل من ذكر اسم الرب. وتدخل بيت الرب لتراقب وتنتقد وتطلق العنان لمتعك الشخصية. وقفت ولا تبدو عليً ملامح الاستغراب. فما شاهدته نتيجة طبيعية لما يحصل في حياتنا الأرضية الخالية من التوبة. ومن مكان لربنا يسوع المسيح ليسند إليه رأسه.

ورغم ذهابنا للكنيسة بانتظام. نخدم فيها، نصلي بشفاهنا. ونُحيي ذكرى سفك يسوع جسده ودمه الأقدسين. كذلك نصوم ونتوب ونعترف. بل نواظب على لقاءات الكتاب المقدس. لكن القلب في اتجاه آخر. والفكر مهتم بأمور الدنيا ومشاغلها. شعرت بتوبيخ قاس. تبكيت للضمير، وسألت نفسي: ما الذي افعله؟ وإلى أين أسير؟ كيف أهمل خلاص نفسي وعائلتي. أصدقائي ومعارفي. ما الذي انتظره لكي أحب الله من كل قلبي وفكري. وأحب قريبي كنفسي؟ لماذا لا افعل الرحمة مع القريب والبعيد؟ ماذا انتظر لأغير الاتجاه؟ أي أتوب طالباً نعمة الله لكي اقبل عمله الكفاري لأجل خلاصي. صرت اركض هنا وهناك بحثاً عن مخرج. أتلمس بصيص نور ولا أجد، فالظلمة حالكة وأي شركة للنور مع الظلمة.

عندها أفقت من غيبوبتي ووجدت حولي عائلتي وراعي كنيستي الحبر الجليل يصلون لي. تذكرت أني لم أجد البسطاء والمساكين. الطيبون وأنقياء القلب على ندرتهم لم يكونوا هناك. جدتي الطيبة لم أجد لها أثراً. قلة من رجال الله المُصلين والمختبرين لم أجدهم أيضاً. الكائنات الحية كانت هناك عدا بضعة خراف أمينة بقيت عند راعيها الصالح لأنها تعرفه وتسمع صوته فتبعته. شكرت الله لأنه منحني فرصة جديدة وأيقظني من غربتي المميتة بسبب قلبي غير التائب وهو قادر أن يقيم جميع الراقدين فيضيء لهم نوره العظيم


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع