الأقباط متحدون - أستاذي أصبح رئيس وزراء مصر
أخر تحديث ٠٣:٤١ | الخميس ١٧ مارس ٢٠١١ | ٨ برمهات ١٧٢٧ ش | العدد ٢٣٣٥ السنة السادسة
إغلاق تصغير

أستاذي أصبح رئيس وزراء "مصر"

بقلم: إبرام مقار
في هذا العالم المادي الذي نعيش فيه بصفة عامة، ربما ليس كثيرًا أن تقابل شخصية تتوقف عندها لترى فيها النقاء الإنساني، وفي العهد البائد السابق لـ"مصر" بصفة خاصة، والذي ضاعت فيه القيم- ربما يندر جدًا أن تقابل هذه الشخصية. ولهذا توقفت كثيرًا على المستوى الشخصي ومعي كثيرين من زملائي من طلبة كلية الهندسة منذ أكثر من عشر سنوات أمام أستاذ مادة "الطرق" د. "عصام شرف"، فرأينا أستاذ جامعة يجمع بين العلم والثقافة والخبرة والفكر الثاقب، مع عشق لهذا الوطن في زمن ضاع فيه الانتماء. كنت من سعداء الحظ ممن تعاملوا مع د. "شرف" عن قرب، فقد كنت من تلاميذه وواحدًا من عشرة طلاب فقط أشرف د. "عصام" على مشروع تخرُّجهم، ولا أنكر أن معظمهم كانوا من الأقباط الذين هرعوا علي د. "شرف" فوزًا بعدله واعتداله الديني وعدم تفرقته على أساس الدين كما يفعل للأسف بعض الأساتذة الآخرين.

كذلك جمعتني زيارات بمكتبه "بهيئة النقل" عدة مرات حتى بعد تخرجي، وكنت أجد متعة شديدة في الحديث مع هذا الرجل، كذلك كنت أتعجب من صفات هذا الرجل المتباينة؛ فهو الأستاذ الكبير المتواضع الجم، الناجح جدًا البسيط جدًا، يملك حضورًا مشرفًا حينما يمثل "مصر" وسط صفوة العالم- سواء في الغرب أو الأمم المتحدة- ويملك بساطة رأيتها بنفسي وسط صغار موظفيه بوزارة النقل حينما كان له مكتب هناك. لم يكن غريبًا أن يضيف إلى "مصر" حينما كان أول باحث غير أمريكي ينال جائزة التميُّز من جامعة "بردو" العريقة.

كان له فكر فيما يدرسه، فالموضوع ليس محفوظات أو دكتورات فخرية تُعطي مجاملة لمن لا يستحقونها.. الأمر مختلف تمامًا، فكان الدكتور "شرف" يتعامل مع ما يدرِّسه من خلال منظومة النهوض بالوطن، ولا أنسى حينما كان يعلمنا أن علم "الطرق" لا يمكن النظر له بمفرده بمعزل عن "التنمية"، فالطرق الصحيحة تزيد من عجلة الإنتاج وهي أساس ربط الدول قبل الدبلوماسية، وهي أساس نجاح الاستثمارات أينما كانت. وكم كان حزن د. "عصام شرف" شديدًا من قيامه بالإشراف على الطرق في عدة دول، ودوره في هذا العلم في الأمم المتحدة، إلا أنه لا يستطيع القيام بهذا الدور في وطنه وسط البيروقراطية والتعنت والجهل بدور العلم!! فقد استثمر العالم علمه وخبرته إلا وطنه.

وكان الدكتور "عصام" يتعجَّب من عدم الاهتمام بالطرق الغاية في السوء، والتي كان يعتبرها أكبر قاتل في "مصر". ويتعجب من عدم اهتمام القيادة السياسية بهذا الأمر، بالرغم من وفاة أكثر من (12000) مصري سنويًا على الطرق نتيجة سوء حالة الطرق الشديدة. ولكني أعتقد أن فساد الطرق في "مصر" كان مطلبًا حكوميًا، فالحكومة التي كانت تقتل وتعذِّب شعبها في مقرات الأمن، هل ستأسف لقتلهم على الطرق؟!!

وقبل هجرتي علمت أن الدكتور "عصام شرف" تم تعيينه وزيرًا للنقل فى وزارة "نظيف"، وسعدتُ جدًا لأنه تم الاختيار على أساس الكفاءة في نظام "مبارك"، وقلت هذا هو الاختيار الحقيقي: إما أن النظام يختار بمعيار الكفاءة وإننا نظلمه، أو ما نقوله عليه حقيقي بأن الفاسد لا يمكن أن يختار الصالح.. وثبت الطرح الثاني، وبالطبع تم إقالة د. "شرف" بعد ثمانية عشر شهرًا فقط من توليه للوزارة. فـ"طرق" د. "عصام" تختلف كليةً عن نظام كل "طرقه" معوَّجة وملتوية. فبالطبع أمثال د. "شرف" لا يصلح لنظام "مبارك"، فلا يجتمع النور مع الظلمة، ولا المعتدل مع المتطرف، ولا الفاسد مع الشريف.

كم أنا سعيد بتولي د. "شرف" مسئولية "مصر" في هذه الأيام الصعبة، ولكنها سعادة ممتزجة بالإشفاق على هذا الرجل المحترم من عناصر الثورة المضادة النشطة من فلول النظام السابق، من عناصر أمن الدولة، وصحفيين بالصحف القومية الذين "مستحلفين لمصر وللشعب المصري". كم أشفق على د. "شرف" من تحمُّله مسئولية وطن أصبح مثل قطعة قماش تم تقطيعها إربًا على مدي ثلاثين عامًا، تسلَّم وطن لم يترك القائمون عليه حجرًا على حجر إلا وأنقضوه!! نظام دخل بالفساد إلى مناطق لم يصل لها أحد آخر من قبل، فأفسد التعليم والإعلام والخطاب الديني الطائفي، وترك الشارع والنقابات لتيارات دينية تفعل به ما تشاء! ولهذا أشفق على هذا الرجل المحترم الوجيه رقيق المشاعر من الانتهازيين من المتمسحين بالثورة، بالرغم من رفضهم المشاركة بها حين بدأت، والذين خطفوا منه الميكروفون بـ"التحرير"- ولا أقصد الأستاذ "حسين عبد الغني" بالطبع- أشفق عليه من مسئولية مجتمع يعاني من أزمة ثقة في قياداته بعد أن عانى على مدى عقود من رجل الأمن المجرم والعالم الجاهل والحاكم الفاسد ورجل الدين الذي أصبح رجل الحكم!! أشفق عليه من تيارات سلفية متشدِّدة تريد العودة بنا للخلف ضد قناعات د. "شرف" الشخصية، والذي يعلم تمامًا من تجربة نبوغه في الغرب أن "مصر" لن تتقدَّم إلا بالزحف للأمام. 
 
كمصري مهاجر تم قطع جذوره بفعل فاعل من وطنه الحبيب، فليس لمصريي الخارج أي حق- سواء بالترشيح أو حتى حق الانتخاب في أي انتخابات لوطنه- ليس لنا إلا أن نشارك أصدقاءك المسلمين بالدعاء لك، ونشارك أصدقاءك المسيحيين الصلاة لأجلك وإيقاد الشموع لك أن يقف الله معك ويعينك على هذا الإرث الصعب. وأثق تمامًا أنك قادر على تفعيل دور رئيس الوزراء، وهو المنصب الذي لم يكن له دور في السابق سوى التسبيح بحمد شخص الرئيس وعائلته. أثق تمامًا أنك قادر بعد أن قدَّمت لـ"مصر" جمعية "عصر العلم" أن تجعل "مصر" كاملة دولة العلم؛ لأن البحث العلمي هو حل مشاكل "مصر" كما علَّمتنا. أثق أنك ستنجح بالعبور بـ"مصر" لبر الأمان، ونحن جميعًا معك.


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع