الأقباط متحدون - 2- المأمون في مصر لردع البشمور
  • ٠٠:٥٩
  • الجمعة , ٢٩ سبتمبر ٢٠١٧
English version

2- المأمون في مصر لردع البشمور

محمد حسين يونس

مساحة رأي

٣١: ١٢ م +03:00 EEST

الجمعة ٢٩ سبتمبر ٢٠١٧

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

يوحنا النقيوسي ..تحرير و تحقيق عبد العزيز جمال الدين

محمد حسين يونس
(( وكان الافشين في مصر ينتظر جواب ما كتب به إلي المأمون بسبب أهل البشمور وكان ألمأمون رجل حكيم في فعله و يبحث عن مذهبنا و يجلس عنده قوم من الحكماء يفسرون له كتبنا وبهذا كان محبا للنصارى فجاء إلي مصر و جمع جيشه و إستصحب معه البطرك دينوسيوس بطرك أنطاكية فلما علم الاب البطرك أنبا يوساب بوصول المأمون و صحبته بطرك أنطاكية جمع الاساقفة و سار إلي الفسطاط ليسلم عليه كما يجب للملوك )).

و ملاحظاتي لا تنتهي علي هذا النص .. فالكاتب يرى أن المأمون الذى يقهر و يسرق و يضطهد أهل مصر رجلا حكيما ، و بمجرد أن حاول دراسة كتبهم فإنه أصبح محبا للنصارى و من الواضح أنه كان حكما عاما بين رجال دين ذلك الزمن إذ أن البطرك ذهب ليقدم فروض الولاء للغازى الجديد بمجرد علمه بأنه في الفسطاط .. رغم ثقته أن هذا الجيش قادم لدحر البشمورالثائرين بسبب الاجحاف في جمع الضرائب .. أى إنسحاق هذا الذى زاولته القيادة الدينية القبطية .

الاب ديونوسيوس كانت له منزله لدى المأمون لذلك عندما علم بأن الانبا يوساب بالباب أمر بدخوله و(( عندما شاهد الاب ديونوسيوس الاب أنبا يوساب فرح فرحا روحانيا عظيما ..وقبله بفرح بنعة الله الحالة عليه)).

و هكذا شرح ديونوسيوس للمأمون أن يوساب لم يألو جهدا في مكاتبة البشموريين و ردعهم و نصحهم أن لا يقاوموا أمر السلطان (( ففرح المأمون بهذا ثم قال للبطرك أنبا يوساب هو ذا أمرك أنت و رفيقك البطرك ديونوسيس أن تمضيا إلي هؤلاء القوم و تردعاهم كما يجب في ناموسكما ليرجعوا عن خلافهم و يطيعوا أمرى فإن أجابوا فأنا أفعل معهم الخير في كل ما يطلبوه مني و إذا تمادوا علي الخلاف فنحن بريئون من دمائهم )).

فسار البطركان إلي البشمور وأرسلا لهم المراسيل ثم نصحاهم و وبخاهم ليتخلوا عن أفعالهم فلم يجيبوا فرجعا إلي المأمون بذلك الذى أمر قواته بالهجوم عليهم....

ما الزمن الذى إستغرقته هذه الثورة من البداية للنهاية .. غير معروف و إن قيل أنه من سبع لتسع سنوات .. إستقلوا بأرضهم رافضين الخضوع للاحتلال .

((فأمر حينئذ الافشين بأن يسير إليهم بعسكره و أن يقاتل البشمور فلم يقدر عليهم لتحصين مواضعهم (التنفي كما يطلق عليها ) بالمياة بل كانوا يقتلون من عسكر الافشين كل يوم جماعة .. فلما إتصل الخبر بالمأمون سار بجيشه و إنحدر إلي هناك و أمر أن يحشدوا جميع من يعرف طرق البشموريين من أهل المدن و القرى المجاورة و من كل الاماكن و أهل (تندا و شبرا سنبوط )الذين يعرفون طرق تلك الاماكن .

وكانت العساكر تتبعهم إلي أن يسلموا لهم البشمور
فهلكوهم و قتلوهم بالسيف بغير إهمال و نهبوهم و أخربوا مساكنهم و أحرقوها و هدموا بيعهم و تم عليهم قول داود النبي في المزمور 63 :(أسلم قوتهم للسبي و مالهم لاعدائهم و اسلم شعبه للسيف و لم يشفق علي ميراثه ) فلما نظر المامون كثرة القتلي أمر العسكر أن ترفع السيف و الذى بقي منهم أسره من الرجال و النساء )).

ثم أرسل في طلب رؤسائهم وأمرهم أن يغادروا بلادهم غير أنهم اخبروه بقسوة الولاة المعينين عليهم وأنهم إذا غادروا بلادهم لن تكون لهم موارد رزق إذ أنهم يعيشون من بيع أوراق البردي وصيد الأسماك.

وأخيرًا رضخ الأبطال للأمر وسافروا على سفن إلى أنطاكية ومنها أرسلوا إلى بغداد وكان يبلغ عددهم ثلاثة آلاف، مات معظمهم في الطريق

أما الذين أسروا في أثناء القتال فقد سيقوا كعبيد ووزعوا على العرب، وبلغ عدد هؤلاء خمسمائة، فأرسلوا إلى دمشق وبيعوا هناك

وأمر المأمون بالبحث عمّا تبقىَ من البشموريين في مصر وأرسلهم إلى بغداد حيث مكثوا في سجونها. ثم أطلق سراحهم شقيق المأمون وخليفته إبراهيم الملقب بالمعتصم، وقد عاد البعض إلى بلادهم وبقى البعض الآخر في بغداد.

عندما سألوا البطرك ديونوسيس عن سبب عدم طاعة البشمور رد بأنه أولا ظلم متولي الخراج لهم ثم أبدى تعاطفه مع الضحايا و صرح بذلك للمأمون ولكن لسوء حظه أن متولي الخراج كانوا من تعيين ومن رجال أخو المامون إبراهيم..

(( وقال له السبب في نفاقهم ظلم متولي الخراج لهم وعنتهم فلما سمع منه هذا قال له : إعف نفسك و لا تقم في مصر بعد هذه الساعة إن سمع أخي هذا فسيقتلك لان جباة الخراج كانوا من عنده))

ديونوسيس خرج وهو قلق وودع الاب يوساب و غادر مصر وهو باكي .

(( فلما سمع إبراهيم هذا الخبر طلب البطرك فأعلم بسيره إلي بلده فغضب جدا و تمكن منه الغضب لايام كثيرة ،و لما توفي المأمون و جلس إبراهيم هرب البطرك ديونوسيوس ولم يقم في انطاكية حتي عاهده بعدم قتله .))

عندما أنتصر المأمون علي الثوار سنه 832 م مكث شهرين ثم غادر بعد أن نهب مصر نهبا و أخذ من بقي من البشمور معه عبيدا ((حتي أراد الله خلاصهم علي يد الملك إبراهيم فمنهم من عاد إلي بلده و منهم من بقي في بغداد و يسمونهم أهل البشروديين )).

هذه هي الثورة الشعبية الكبرى في تاريخ الاحتلال العربي لمصر علي الظلم و الارهاب و القسوة في تحصيل الضرائب و كأننا نقرأ عن ثورة العبيد بروما أو ثورة الزنج بالبصرة و لكن أغلبكم لا يعلمون .. ماذا فعل أجدادكم .. و ماذا فعل كهنتهم ..و ماذا فعل الغزاة .. بالبشمور .

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع