بقلم: محمود الزهيري
غريبة هي الأحداث التي تصنع جميع الإتفاقات والإختلافات , وتصنع كذلك الإتهامات والخيانات , بل وتؤدي في بعض الأحيان لجرائم التصفية الجسدية , وهكذا كانت الأحداث تصنع ماتريد ومن تريد , في المنطقة العربية بمناخات الإستبداد والطغيان وكافة منتجات الفساد السلطوي الإجرامية التي تبدأ بالتزوير واللصوصية والسرقة , وتنتهي في أحيان كثيرة بالقتل لمن يفضح أو يحاول إيقاف تلك المآسي الإجرامية بحق الشعوب والمواطنين المهانين , والغير حاصلين علي أدني حد من مستويات الحياة الكريمة , أما الحياة الحرة فهي من المحرمات السياسية التي حرمتها الأنظمة الإستبدادية علي الشعوب والمواطنين العرب !!
من الأحداث ذات المغزي السياسي المهم بالنسبة لأطراف عديدة , وفي ذات الوقت ضد أطراف أخري , ماحدث في القاهرة الأيام القليلة الماضية من التوقيع علي ورقة تفاهم بين حماس , وفتح , أدت في النهاية إلي الإتفاق فيما بين الطرفين المتصارعين علي هويات سياسية أو دينية مجانية لاتغني ولاتسمن من جوع يعاني منه الشعب الفلسطيني سواء في قطاع غزة أو الضفة , لدرجة أن تم تسمية ورقة التفاهم بــ " قرآن القاهرة " توصيفاً وتشبيهاً لمدي جدية وصدقية الإلتزام بهذه الورقة , والذي يرقي إلي الإلتزام الديني لمعتقد يتوجب الإلتزام به , أو هكذا يراه ويصفه طرفي الإتفاق ..
كنت أتمني قبل أن يتم التوقيع علي هذا الإتفاق أن يتم الإعتراف بخطايا الماضي بين فتح وحماس , وكذلك الإعتراف بغفران تلك الخطايا فيما بينهما , حتي يكون الشعب الفلسطيني علي بينة وعلم بتلك الأخطاء بل الخطايا التي إرتكبها طرفي الإتفاق الذي غاب عنه بقية الفصائل الفلسطينية التي كان يتوجب أن يكون لها رأي في ورقة التفاهم المطروحة من الجانب المصري , والتي يراها البعض بأنها " قرآن القاهرة " , وقد يراها آخرون " إنجيل القاهرة " أو " تلمود القاهرة " أو حسب مايعتقد كل طرف , ويفسر محتوي ذلك الإتفاق !!
أعتقد أن " قرآن القاهرة " سوف يكون له تأثير علي القيادة السورية بما يؤمن به البعض أنه " قرآن سوريا " ولكن بإيمان لايتزعزع حسب معتقد البعض السياسي .
القضية الفلسطينية أو حسبما يتداولها البعض علي أنها مسألة فلسطينية تستجيب للحل أو تستعصي عليه , أو كما تراها الأجهزة الأمنية علي أنها بمثابة ملف من ضمن الملفات يتم التعامل معه حسب مؤشرات الأمن الداخلي أو الأمن القومي لدولة من الدول التي تتعامل مع الملف الفلسطيني , وهذا يتم بعيداً عن الرؤية الفلسطينية الخالصة , أو المخلصة , حال كون القضية الفلسطينية تم إستثمارها فلسطينيا / فلسطينياً , أوفلسطينياً / عربياً , وكذا هذا هو الأخطر فلسطينياً / دولياً , ودولياً تعني الملفات التي يتم إستثمارها علي مستوي الأنظمة الغربية , وتحديداً الولايات المتحدة الأمريكية , وبريطانيا , وكذا النظام الإسرائيلي القريب من قلب صناعة الأحداث والأزمات علي مستوي الشأن الفلسطيني داخلياً وخارجياً !!
أهم مافي أتفاق القاهرة هو أن القضية الفلسطينية سوف تحتل مكان خارج إطار المشاعر والأحاسيس الوطنية والدينية لتحتل مكان تلك المشاعر والأحاسيس قرارات علي أرض الواقع السياسي , بما يخدم القضية الفلسطينية علي مستوي تكتيكي يؤدي حسب القراءات الصحيحة إلي المرحلة الإستراتيجية , حسب المأمول وطنياً ودينياً علي مستوي المشاعر والأحاسيس , وسيتم التعاطي بجدية مع الجغرافيا وتوازنات القوي بالمنطقة العربية والإسلامية , وكذا علي المستوي الدولي بإعتبارات أن القوي الدولية ليست بمعزل عن توازنات القوي , إن لم تكن هي من تصنعها , فتقوي طرف , وتضعف طرف آخر , بإرادات تخدم علي مصالح تلك القوي , وفي حالة مابعد ثورة 25 يناير وإزاحة نظام مبارك , وكذا الأحداث الثورية الدموية التي تشهدها سوريا , وتحاول إزاحة نظام بشار الأسد , فإن الرؤية السياسية سوف تتضح لغياب صناع الغيامات السياسية , أو صناع الوحل السياسي الذي كان يعرقل كافة التحركات تجاه الحل السياسي علي رؤية وبصيرة واعية بمدركات الواقع وتوازنات القوي العاملة فيه أو من الممكن القول أن غياب " وصايا مبارك " وإفتقاد " وصايا بشار " هما الداعمين لورقة التفاهمات التي رفضتها حماس منذ عامين , لتصير بقدرة الواقع إلي ماتم تسميته بـ " قرآن القاهرة ".
الثورة المصرية أعادت لمصر داخلياً علي مستوي المواطن المصري , العزة والكرامة الإنسانية المفقودة علي مدار سنوات طويلة , وعلي المستوي العربي بدأ الدور المصري يبدو منطقياً , ومجازاً في رؤيته للأحداث وصناعتها , خاصة بعد تركيع النظام السوري البعثي للنظام المصري وبعض الأنظمة العربية , علي سجادة القومية العربية بمفهومها السوري البعثي , الذي كان يراهن علي بقاؤه في الحكم والسلطة في سوريا علي دفاعات ورقية وكلامية صوتية لها رنين الذهب , وأصداؤها في الواقع تظهر معدنها الحقيقي الذي لايتجاوز رقائق الصفيح الصدأ !!
النظام السوري أضعف المجتمع , علي حساب تقوية أركان وعناصر النظام البعثي الحاكم , وكان يتلاعب علي المشاعر الوطنية والحس الديني بعداءاته المعلنة لإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية , أو بعدائه للصهيونية والإمبيريالية العالمية , ويؤكد في كل مناسبة أنه الداعم الأصلي , والوكيل الحصري الوحيد لقوي المقاومة في فلسطين ولبنان , وأن بقية الأنظمة العربية أنظمة خيانة وعمالة , علي خلفية تطبيعية مع الدولة العبرية , بإستثناء بعض الدول التي تربط بينها وبين النظام السوري حزم من المصالح تقربها من دوائر صنع القرار اللبناني أو الفلسطيني , أو أيهما معاً , للتخديم علي الشأن الإيراني عبر الشأن السوري !!
ما يجعل الأوراق ملتبسة , ومشكوك فيها , بشأن " قرآن القاهرة " , ليس ماهو خاص بالورقة المصرية , ولكن يرجع إلي أبجديات ترتيب أوراق حماس , وفتح , بخلفيات ترجع للشأن السوري المأزوم , والشأن السعودي المحاط بأزمات ثورية من الجنوب في اليمن , والجنوب الشرقي في البحرين بثورتها التي يغلب عليها الطابع الشيعي , والتي أحبطت , ومن الممكن أن تعاود الإضطرابات حدوثها مرة أخري , وكذا في الشمال في سوريا , والأردن , وفي الشمال الغربي مصر , فكل هذا الأحداث الثورية والإضطرابات الشعبية , لها تأثير علي الشأن الفلسطيني , وهذا كان مبعث الضغط لقبول ورقة تفاهم القاهرة بين فتح وحماس , وليس من أجل محتوي الورقة ذاتها , والتي غاب عن الكثيرين محتوي هذه الورقة , ومن ضمنهم باقي الفصائل الفلسطينية الغير مشاركة في الموافقة أو رفض " قرآن القاهرة " .
أغلب التوقع أن هذه الورقة لن يكون لها أثر في المستقبل القريب , لأن الثوابت التي وضعتها حماس لنفسها في مواجهة متغيرات فتح , لن يكون لها أثر واضح , إذ كيف تقبل حماس بدولة فلسطينية علي مساحة تقترب من نسبة 22 % من الأراضي الفلسطينية , مع عدم الإقتراب من ملفات تخص فلسطيني الخارج في حق العودة .. أم أن حماس ستتنازل عن ثوابتها الدينية في مواجهة متغيرات فتح السياسية !!؟وهل سيتم تقاسم السلطة بين الثابت المقدس , والمتغير المدنس , وصولا ً لصياغة سياسية مقبولة يقبل بها الطرفين سياسياً , من غيرمراعاة للواقع الإجتماعي الفلسطيني المأساوي بخلفياته الإقتصادية المأزومة علي أبسط التقديرات معيشياً !!
الواقع الإجتماعي الفلسطيني يؤكد علي أنه قادر علي هزيمة الإتفاق والتفاهم المنصوص عليه بقرآن القاهرة , لأن هناك قرآن فلسطيني إجتماعي ناهض بالأزمة , ودال علي هامشية الحياة وارتفاع معدلات الفقر والمرض !!
أم أن الأمر مرهون بمدي نجاح الثورة السورية من عدمه حسب كل قراءة منفردة لفتح وحماس ؟!!
أري أن المستقبل هو من يحمل الإجابة علي العديد من التساؤلات بشأن مستقبل الفصائل الفلسطينية , ومدي الإيمان بتوحد قيادة القطار الفلسطيني , لا أن يقوم كل طرف بقيادة القطار بقاطرة في مقدمته , وقاطرة في مؤخرته , ويريدان التحرك في وقت واحد , فهذا من المستحيل , أو فالكارثة هي المنتظرة , أو حسب أحد الأراء الذي يري أن قيادة فتح , وقيادة حماس يجلسان في جنباً بجنب ويقودان السيارة الفلسطينية , ولكن أحدهما يضع قدمه علي الفرامل , والأخر يضعها علي مزود السرعة !!