الأقباط متحدون - هل حقا اننا لسنا بحاجة الي العلمانية ؟
أخر تحديث ١٠:٤١ | السبت ١٤ مايو ٢٠١١ | ٦ بشنس ١٧٢٧ ش | العدد ٢٣٩٣ السنة السادسة
إغلاق تصغير

هل حقا اننا لسنا بحاجة الي العلمانية ؟


بقلم: رفعت عوض الله

كتب الدكتورعبدالمنعم ابو الفتوح احد رموز جماعة الاخوان المسلمين، والذي يزمع الترشح لرئاسة الجمهورية المصرية ، مقالا بعنوان (الدولة الدينية والدولة العلمانية) اخباراليوم 30/4/2011.
وفيه يذهب إلي ان الاسلام لايعرف الدولة الدينية .انة اي الدكتور ابو الفتوح لا يعترض علي العلمانية ،إلا انه يري اننا لسنا بحاجة إليها لماذا ؟
يجيب لأن العلمانية جاءت ثورة علي الدولة الدينية ،التي كانت حاكمة لشعوب اوروبا في العصور الوسطى ،من خلال الكنيسة التي حاربت العلم و تحكمت في حياة الناس علي مستوى الثقافة والفكر والاقتصاد والاجتماع، فشلت إرادة التغيير والتقدم،فرسف الناس في قيود الجهل والتخلف والخرافة.
وحاكمت الكنيسة كل عالم وباحث جرؤ علي قول الجديد ومخالفة ما تراه وتقره الكنيسة.
فالعلمانية بحسب د ابو الفتوح احتياجًًًا حضارياً غربياً صرفاً ،وكانت المخرج من ظلام العصورالوسطي الاوروبية . ولكننا (وهذه هي الفكرة الرئيسة في المقال) في ظل الثقافة و الحضارة الإسلامية لسنا بحاجة إليها ، لأن ببساطة الاسباب الداعية لها و المـُوجدة لها لم توجد في الإسلام لأن الإسلام لم يقل بالدولة الدينية .
فهل حقًا اننا لسنا بحاجة إلى العلمانية ؟ وهل حقًا تاريخ الإسلام و المسلمين لا يعرف الدولة الدينية و لم يقل بها ؟ بدايةً علينا ان نفرق بين الدين و تاريخ اتباعه المؤمنين به ، فكما ان هناك فرق بين المسيحية كما هي معروضة في الإنجيل و اسفار العهد الجديد و تاريخ المسيحيين و الدول و الكنيسة المسيحية ، كذلك هناك فرق بين الإسلام كما هو معروض في القرآن و تاريخ المسلمين و الدولة الإسلامية .
المسلمون عبر التاريخ عبروا عن إسلامهم و فهمهم لمعطياته بصور شتى ، قد تختلف بل و قد تتناقض. و الدارس للفرق الإسلامية يرى هذا بوضوح فهناك تناقض بين مذهب اهل السنة و مذهب المعتزلة في حرية الإنسان ، فأهل السنة يردون الفاعلية و القدرة لله تعالى ، و ينكرون حرية و فاعلية الإنسان لان القول بها يجعل الإنسان يشارك الله فيما يخصه وحده . في حين ان المعتزلة يردون الفاعلية و القدرة للإنسان ، فالإنسان حر و قادر و مريد ولو لم يكن الإنسان حرًا لبطل التكليف و المسئولية .
وتاريخ الدولة الإسلامية إنما هو تاريخ للدولة الدينية التي حكمت بما فهمته من الشريعة و رأت انه محقق لمقاصدها و اهدافها ، و الخليفة الحاكم في الإسلام انما هو في الحقيقة إمام ديني و حاكم سياسي دنيوي ، فهو امير المؤمنين ، اي السيد الامر على المؤمنين ، يحلل و يحرم و يقيم الحدود إلى جانب كونه حاكمًا دنيويًا .
و المرجعية في حكم هذا الحاكم الديني الدنيوي هي الشريعة او ما يفهمه منها و يراه محققًا لاهدافه و مقاصد دولته . و هل يستطيع احد ان يعارض شرع الله ، الدولة الإسلامية لا تعرف الإختلاف و لا تقبل المعارضة بل تقضي عليها قضاءًا مبرمًا ، ليعتبر الناس فلا يخرج معترض فيما بعد و ليس عبثًا قول ابي الحجاج يوسف الثقفي ( إني أرى رؤوسًا قد أينعت حان قطافها ) .
و ها هو عثمان بن عفان ثالث الخلفاء الراشدين يقول ( كيف اخلع رداءًا سربلنيه الله ) . اذن الله هو الذي اختار عثمان خليفة ، فإذا اعترض عليه معترضون فلا قيمة لإعتراضهم .
وها هو معاوية بن ابي سفيان مؤسس الخلافة الاموية القائمة على الحكم الوراثي يقول ( انا خليفة الله في ارضه).
و يؤكد نفس الفكرة ابو جعفر المنصور ثاني الخلفاء العباسيين بقوله ( انما انا سلطان الله في ارضه )
اقول ماذا يحق لحاكم يقول عن نفسه انا سلطان الله و اخر يقول انا خليفة الله ، يحق له ان يفعل ما يشاء و لا راد لمشيئته لان مشيئته من مشيئة الله .
و هكذا سار التاريخ بالدولة الإسلامية بعصورها المختلفة من اموية إلى عباسية و من فاطمية و ايوبية إلى مملوكية و انتهاءًا بالخلافة العثمانية ، معتبرةً نفسها وكيلاً عن الله ، و بالتالي تدير شئون الرعية و الدولة إنطلاقًا من هذا الإعتبار ( الوكالة عن الله ) و كان عقاب مخالفيها و الخارجين عليها عقابًا مروعًا لان المخالفة والمعارضة لم تكن ضد الخليفة الحاكم ولكنها كانت ضد اللة ذاته ولم يكن الامر مقصورا علي الخارجين والمعارضين فقط ولكن ايضا اولئك اللذين لم يحظوا بأعجاب ورضا صاحب السلطان والدليل علي ذلك قتل ابن المقفع علي يد الحليفة ابي جعفر المنصور لأن ابن المقفع جرؤ علي تقديم النصح له وقتل صلاح الدين للسهروردي الفيلسوف المتصوف ،وصلب الحلاج والامر بضرب العالم الطبيب ابي بكر الرازي بكتبه علي رأسه حتي فقد بصره ،وحرق كتب ابن رشد ونفيه .وكما مارست أنجلترا البروتستنية(دولة دينية ) التمييز والأضطهاد لرعاياها الأنجليز،وهذا هو ما فعلته فرنسا الكثولكية مع الفرنسين البروتستانت،ولم يخرج الأمر عن هذا في دولة الخلا فة اذ اضطٌهد المسيحيون واليهود ، بل أن التميييز طال أيضا الرعايا المسلمين اللذين هم علي مذهب اخر (الشيعة ). اذن كما كان في الغرب دولة دينية اصولية مارست القمع والتسلط والحجر علي العقول ومصادرة الحريات بأسم الله ، كذلك كان في الشرق دولة دينية اصولية قامت بنفس الدور. الدولة الدينية لأنها تستمد شرعيتها ووجودها من الدين الذي ترفع لوائه ، نجدها معنية في المحل الاول بحماية هذا الدين الذي عليه تقوم و دفع كل هجوم و خروج عليه ، فهي حارس للدين و لكن اي دين ؟ الاجابة دينها الرسمي و فهمها الخاص لهذا الدين ، لذا فان الدولة الدينية الاصولية تتمترس خلف فقه و لاهوت محافظ ليحفظ لها سلطانها و بالتالي تصطدم بالعلم و الفلسفة و التجديد الفقهي اللاهوتي ،و تنظر الى كل جديد نظرة شك و ارتياب و خروج على التقليد و صحيح الدين فتعمد الى محاربته .
و مثال هذا في التاريخ الإسلامي الصدام الحادث بين الفلاسفة و الفقهاء المحافظين ، إذ سعى الفلاسفة المسلمون امثال ابن سينا و الفارابي إلى التوفيق بين العقل ممثلاً في الفلسفة اليونانية القديمة و معطيات الدين الإسلامي نتج عنه مذاهب الفلسفة الإسلامية في الذات الإلهية ، رأى الفقهاء ان بها خروجاً على الدين و بالتالي كفر و بلغت قمة الهجوم على الفلسفة في كتاب الإمام الغزالي ( تهافت الفلاسفة )
و كان للتيار الذي قاده الغزالى النصر و الغلبة في محيط الثقافة الإسلامية لأن الغزالي و التيار الذي يقوده يرى ان فلسفة الفلاسفة المسلمين في تأثرها بالفلسفة اليونانية الوثنية قد حادت عن التوحيد المقرر للذات الإلهية في الإسلام او على اقل تقدير قد اضعفت منه .
و إثبات التوحيد لله على المستوى اللاهوتي ، و ان الله واحد احد يقابله ان الحاكم او الخليفة واحد لا يقبل ان يقاسمة في الحكم شريك او حاكم اخر .
و من ناحية اخرى يعني التوفيق بين الفلسفة و الدين إعمالاً للعقل و التأويل للنص الديني ، مما يفتح المجال امام إعمال العقل في حكم الخليفة المطلق و إخضاعه للنقد و الفحص مما يفتح المجال امام الخروج عليه و الإعتراض.
من هنا دعمت السلطة السياسية انذاك الهجوم الذي قاده الفقهاء ضد الفلسفة و العقل ، وصولاً إلى محنة ابن رشد الذي ابدع توفيقاً بين الحكمة و الشريعة من خلال تأويل النصوص التي تتعارض مع العقل و تفسيرها تفسيرًا يقبله العقل ، فاُحرقت كتبه و نُفي .
و نتج عن هذا غلق باب الإجتهاد و إعمال العقل في النص فتكرس إتباع السلف و جمد الفكر و نـُظر إلى الفلسفة و المنطق على انها من ادوات الزندقة و الخروج على الشرع حتى ان ابن الصلاح قال ( من تمنطق فقد تزندق ) وتباري الفقهاء واهل الأفتاء في الأسلام في اصدار الفتاوي التي تبرر سلطان الخليفة وجوره وتكفير الخروج عليه ،وفي نفس الوقت تحارب الفكر الجديد واعمال العقل في الواقع البائس الذي يعيشه جمهور المسلمين . اذن واقع العصور الوسطي في جوهره واحد غربا وشرقا لأن الحضارة الأنسانية واحدة . واذا كان الأمر هكذا ،فلماذا لم تظهر العلمانية في الشرق المسلم وظهرت في الغرب المسيحي؟ . هناك مقدمات وأسباب ادت إلي ظهور العلمانية في الغرب ،ففي نهاية العصر الوسيط وبعد سقوط القسطنطينية عاصمة المبراطورية البيزنطية 1453م ،انتقل العلماء المشتغلون بالتراث اليوناني الروماني إلي إيطاليا. في الموطن الجديد ،عمل اولئك العلماء علي إحياء التراث اليوناني الروماني الوثني في إيطاليا ومن ثمة في اوروبا ،الأمر الذي لفت الانظار إلي انه يمكن ابداع فن ،ادب ،فلسفة وعلم بمعزل عن الوحي المسيحي .(النزعة الانسانية) ترتب علي هذا ان استعاد الانسان ثقته في قدراته الابداعية .وكان هذا هو عصر النهضة ،الذي كان المقدمة للعصر الحديث. تميز العصر الحديث بنهضة علمية علي اسس رياضية . بدأت مع كوبرنيكوس وقوله ان الشمس ثابته وان الأرض هي التي تدور، ففقدت الأرض مركزيتها وفقد الأنسان بدوره مركزيته الكونية ادي هذا إلي ان قدرة إلانسان علي امتلاك الحقيقة المطلقة مجرد وهم، مما يعني ان مجال الفاعلية المعرفيةللانسان هو ما يدور علي الارض اي الامور النسبية الزمنية ،اما ما يجاوز هذا الواقع النسبي الزمني،الذي يعيشه الانسان،ليس من سبيل ل لمعرفته معرفة علمية. لذا ليس امام الانسان سوي الايمان والتسليم. وحين قصر الانسان النظر العقلي العلمي غلي الواقع النسبي المتغير (الارض) حقق نجاحا مطردا باهرا وقفز العلم قفزات هائلة دفعت حياة البشر للامام والتقدم والحضارة . والعلمانية بهذا المعني كما يقول مراد وهبه (التفكير في النسبي بما هو نسبي وليس بما هو مطلق) لا تعادي الدين ولا تتنكرللايمان ،ولكنها تفض الاشتباك بين المطلق والنسبي وتقيم الدولة التي هي إدارة لحياة ومصالح الناس النسبية المتغيره علي اسس تتجانس معها ،اي علمانية . فلا يجوز ان تقوم الدولة علي مبادئ الشريعة التي تنتمي إلي عالم المطلق الثابت ولكن علي قوانين وضعية متغيره تناسب واقع البشر المتغير. فاذا كانت الدولة الدينية كارثة ،فان الدولة ذات المرجعية الاسلامية كارثة ايضا،لانه اذا اوصلت صناديق الاقتراع دعاتها إلي الحكم وقرروا تطبيق الشريعة ،فهل يجرؤ معترض علي ان يقول لا لشرع الله ؟
اللذين يعترضون سوف يكفرون وتهدر دماؤهم (اجواء الدولة الدينية)
وهؤلاء حين يتمكنون من إقامة دولتهم ، ماذا سيكون عليه اسلامهم؟
هل سيكون اسلام طالبان،ام اسلام الوهابين، ام اسلام الشيخ المستنير محمد عبده ،ام اسلام ولاية الفقيه الشيعي الايراني؟ وبعد... الكل يريد الديمقراطية ولكن لاديمقراطية بدون علمانية .


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع