بقلم: كابي يوسف
في خضم مبادئ حقوق الإنسان، والديمقراطيات التي أخذت تنتشر الدعوة إليها من هنا وهناك. وفي عمق احتياجات الإنسان الطبيعي وحقوقه في الحياة والراحة والعدالة، بل والحرية في التفكير والإعلان عن الرأي، واحترام الرأي الآخر، وعدم المساس بمعتقدات الآخرين سواء كانت خيراً أو شراً، فمن على دينه الله يعينه.
في هذه الزحمة الإنسانية تزداد سهام الانتقاد لتصل إلى عمق يُدمي ويُصيب الآخر في مقتل. والحجة دوماً: يا أخي يجب أن نُعطي رأينا للخير والإصلاح. وتراك تتعذب وتحتار إن اخترت جانب الصمت، أو الكلام فإن لم تحترم الرأي الناقد فأنك عدو للديمقراطية، والمحارب الأول الشرس لحقوق الإنسان، بل والمجرم الذي يهدم كل حجارة المجتمع المدني الحية. وهنا يتبادر إلى الذهن أسئلة عدة: تُرى هل كل ما يلمع ذهباً؟ أم هل نستطيع أن نجني من الشوك عنباً، أومن الحسك تيناً؟ بمعنى آخر: هل كل ناقد ينتقد للخير العام أم لأهداف أخرى مثل حب الظهور؟ فيستخدم منبر الفصاحة والخطابة،أوقلم الكاتب والمفكر والمصلح الاجتماعي.أو ينتقد لملء وقت الفراغ، أو لهدف التخريب؟ ومن جهة أخرى: هل الذي ينتقد يعرف ما يريد؟ وهل لديه خطة أو بعض الحلول لما يتفوه به من درر يظنها ثمينة؟ واسمحوا لي من فضلكم بسؤال آخر أكثر إلحاحاً: إذا استمعت للمنتقدين مرة ومرات، أوحاولت أن تحقق لهم ما يريدونه سواء اقتنعت بفكرهم أم لا. تُرى هل سيتوقفون عن الانتقاد؟ أم لا يعجبهم العجب ولا الصيام في رجب ..أوتراهم من عشاق حمل السلالم بالعرض لكي يراهم الناس ويشيرون عليهم بالبنان. أو هُم ممن يحبون العصي لا ليضربوا بها، فلديهم من طرق الإيذاء ماتحار به العقول، وفي السر والعلانية. لكنهم يحملون العصي لوضعها في عجلات النمو والاستقرار وهدم كل مفاهيم الأخوة والصداقة الممكنة. هؤلاء حقيقة مرضى ابتلتهم فيروسات الغيرة والكره، وأصابتهم ميكروبات الحقد والإدانة. هم مرضى يحتاجون إلى علاج يشفيهم من كلامهم الذي لا يحمل أي معنى مفيد، ويحررهم من الارتواء بمنظر الخراب، والفرح الذي يرتسم على محياهم عندما يسببون الأذى للآخر في مشاعره وأفكاره، وأيضاً علاقاته وسمعته بل ولا يوفرون حتى وطنه ومجتمعه، وعائلاته إن استطاعوا إلى ذلك سبيلاً. ترى من يوقظهم، ويُعيدهم إلى رشدهم؟ مقالة أو وعظة أو توبيخ؟ أم مُصارحة وعتاب مُحب نابع من القلب. حقيقة لا أجد سوى روح الرب التي تنير كل نفس، وتفتح كل ذهن، وتمنح روح التواضع للمتكبرين الناقدين، وترد البصيرة لكل قاس متجبر،غافل، وقديماً قالوا في الأمثال: يا غافل لك الله. إذاً يا إخوتي لا أحد ينكر دور النقد البناء والناقد الغيور على مصلحة الفرد والجماعة لأن الناقد الحقيقي الايجابي يتحدث عن دراية ويحاول اقتراح الحلول اللازمة، لكن حذار من بعض النقاد الذين يزرعون الزؤان. فهم أناس هوايتهم صنع ذلك، لا عن محبة ولا رغبة في البنيان، بل لخنق المحصول الذي ينمو ويكاد يثمر. لذلك يجب أن لا نعطي دائماً أي آذان صاغية للانتقاد والسخط المتواصلين من بعضهم، ففي ذلك إضاعة للوقت والجهد، بل وقد يضعف أو يفتر سلامنا الداخلي، ويخفف أفراحنا وحماسنا بسبب وقوعنا في الشرك الذي نصبه لنا أحد أولئك المُدعين الذين لا يشبعون نقداً وتنكيلاً. والأفضل أن نعمل بحسب ما يرويه السيد المسيح في مثل الزرع عندما جاء العبيد إلى صاحب الحقل وقالوا له: أتريد أن نذهب ونجمع الزوان الذي زرعه عدو مع المحصول، فقال: لا. لئلا تقلعوا الحنطة مع الزوان .. بل دعوهما ينميان كلاهما معاً إلى الحصاد. وفي الحصاد أقول للحصادين اجمعوا أولاً الزوان واحرقوه. وأما الحنطة فاجمعوها إلى مخزني