الأقباط متحدون - انكسار الرغبة.. قصة قصيرة
أخر تحديث ٠٢:٥٤ | السبت ١٣ اغسطس ٢٠١١ | ٧مسرى ١٧٢٧ ش | العدد ٢٤٨٤ السنة السادسة
إغلاق تصغير

انكسار الرغبة.. قصة قصيرة


بقلم: ميلاد منير
ألقت بجسدها على الكرسي كما لو كانت تلقي بشنطة مكياجها في أي مكان في البيت، واستسلمت لصمت عميق.. يبدو أنها تتأمل شيئًا ما، فقد ركَّزت على نقطة ثابتة في سقف شقتها.

الساعة قاربت نحو الواحدة بعد منتصف الليل. في ذلك الحي الشعبي قفزت إليها فكرة لو أنها تستطيع النزول إلى الشارع لتمشي بلا هدف وبلا إتجاه!! ثم راجعت نفسها: ماذا يقول الناس عني؟! علاوة على أني سأكون نهبًا لكلاب الشوارع الضالة، والعيون، وسيارات أولاد الأكابر، أو متسكعو الشوارع ليلًا.

الفراغ في داخلها أقوى من فراغ الصمت الليلي حولها، ملل يتسلل في كل جسدها، ونقمة على الحياة والناس، وعلى قوانين الدين والمجتمع.. تشعر في أعماق أعماقها أنها ضحية تتحدَّث إلى نفسها تارة، أو تتحدَّث إلى الأشياء حولها..

"هذا الجهاز اللعين ربما يكون منفذًا لحالتي"، سأحاول الإتصال ببعض الأرقام التي لا تعرف عني سوى اسمي ووظيفتي، فقد مللت من كل المحيطين حولي، ولكن فيما أتحدث؟ ومع من؟!! حقًا أنها فكرة مملة، فقد كرهت الرغي.

"منى" ذات الخمسة وعشرون ربيعًا من عمرها، ما بين القبح والجمال لا تستطيع تحديد ما إذا كانت جميلة أو قبيحة سليطة اللسان؟!! مع أنها مرحة، ومقبولة، لها حضور أشبه بممثلي الكوميديا في الأفلام العربية، نشيطة، عيناها تتحرَّك في كل إتجاه، لا يمكنها التركيز في شئ معين بالذات ولفترة طويلة؛ فهي غير مستقرة المزاج في كل حالاتها، تتحدَّث معها فتشعر أنك تريد تغيير الحديث، عندما تضحك كأنك تسمع صوت خرير ماء أو كركرة الشيشة، تتظاهر بالقوة والصلابة لكنها منكسرة، تتظاهر بالشر وفي أعماقها طيبة ممتزجة بسذاجة إلى حد الهبل..

آه من ذلك الليل الذي يتركني فريسة أفكاري المجنونة، في لحظة النشوة أستسلم للرغبة عندما يقل الشعور بالذنب، وأفقد الحياء من الناس.. شعور جميل بالنسبة لي هو إنني "حرة"..

حقًا، ذلك الوقت أشعر فيه أني حرة.. لكن كيف أكون حرة إن كنت مدمنة هذا الفعل الميكانيكي الذي يغلب عليه الآلية والروتين، وبعدها أشعر بالمرارة والانكسار؟!!! حتى النشوة عادت تفارقني؛ فقد مللت ويأست. سحقًا على هذا المجتمع ابن الــ... أنا في حقيقة الأمر ضحية أممممم أنها حقيقة مخلة! فأنا أشعر كما لو كنت ريشة تتناقلها الرياح..

تساؤلات وحوار داخل نفس "منى"، وهي تقلب في أوراق قديمة وصور للذكريات.. رحلات وخروجات وحفلات.. ما بين البسمة والدموع، الملل والرغبة.. يا ربي، هذا الليل قد طال.. "أووف".

دخول الانترنت ربما يفيد حالتي أو يهدئ من صراعي، ولكن..
ماذا يقول "عماد" عني إذا طلبت منه أن يملأ فراغي وهو شاب ذو حديث جذاب وممتع؟!! فهو لا يعرف عني سوى ما أكتبه في صفحتي الشخصية على "الفيس بوك".. ينظر إليَّ بشئ من القداسة والعفة المزيفة التي خلعتها على "بروفايلي".. ماذا لو أنه اكتشف حقيقة أمري؟.. طُظ وما الفرق؟! ما المانع في أن أجرِّب معه ما أفعله مع الذين أعرفهم؟ فقد كرهتهم جميعًا، وكرهت رحلاتهم وخروجاتهم.. أوف لهم، جعولني أكرههم.. ربما لأني مللت منهم، ليس من جديد أو مسلي منهم.

الوقت صباح.. الهواء نقي.. "منى" كعادتها تخرج للتمشية عند كوبري "قصر النيل".. تمر على دار الأوبرا في نزهتها، ثم تقف على كوبري قصر النيل..

لو أنني استطعت إلقاء شريحة موبايلي في الماء، ووداعًا إلى الأبد كل الأصدقاء الذين كرهتم!!! وداعًا لذل ومهانة الرغبة الثائرة في جسدي.. ليتني أكون "محترمة".. كلا أنا "محترمة".. لكن المجتمع لا يرحم. لقد عانيت من ظلمهم ومن جرحهم.. آه أخيرًا سآحذ القرار بإلقاء الشريحة، سأبدأ مع "عماد" حياةً نقية...

من المتصل؟؟ يااه.. إنه "سامح"، هذا الولد الشقي الممتع.

قطعت "منى" أفكارها، وراحت في المكالمة مع "سامح"، وكالعادة استسلمت لحياتها كما تعوَّدت!!


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter