الأقباط متحدون - العروسة للعريس
  • ٠٧:٠٠
  • الجمعة , ٣٠ نوفمبر ٢٠١٨
English version

العروسة للعريس

محمد حسين يونس

مساحة رأي

١٩: ٠١ م +02:00 EET

الجمعة ٣٠ نوفمبر ٢٠١٨

السيسي
السيسي

محمد حسين يونس
    بعدما شاهدت بعض لقطات من إحتفال الرئاسة بمولد النبي .. يتحاور فيها السيد الرئيس السيسي و السيد شيخ الازهر الطيب .. تحول عندى (الاكتئاب المزمن) إلي (يأس كامل) يطبق علي كل مفردات حياتي .

    أنا لست من هواة الجدل حول تعاليم الاديان .. و أرى أن كل إنسان حر في أن يصدق ما يريد .. حتي لو كان هذا في حدود اللامعقول لدى البعض .. ولا أهتم كثيرا بقضايا تجديد الخطاب الديني أو تنقيته أو إعادة تفسيرة أو المقارنة بين القراءات المختلفة التي يبتدعها المحترفون من الكهنة ليتطابق مع التوجهات السياسية للحكام .. ففي النهاية هناك متلق .. قد يقبل و قد يعارض و قد لا يهتم و قد يتحمس .. ثم سيضع ما إختار في موضع التجربة التي قد تدعم فكره أوتنفيه أو تغيرة . فالمنظومة الفكرية لبشرى ما تأتي كنتاج لتعليمة و تدريبه و تجاربه الشخصية التي إكتسبها من خلال تفاعلة مع الاخر و مجتمعه و زمنه .

    لا جدوى من محاولة تغيير قناعات الافراد العقائدية التي شربوها مع لبن الام عن طريق الوعظ أو بالقوة أو حتي بالمنطق و النقاش و الفلسفة ..فالتغيير عادة، لو حدث، يتم ذاتيا ولاسباب قد تكون غير معلومة أو مفهومة أو مطروقة لدى البعض .

    بمعني أنه رغم وجود نص صريح لدى المسلم بإسلوب تقسيم الميراث بين الذكر و الانثي إلا أنه في بعض الاماكن ينهب الرجال حق الاخوات حتي بدون تبرير .. و في أماكن أخرى يتنازل الرجال عن نصيبهم لصالح الاخت المتضررة من وفاة عائلها .. و لدى أغلب العائلات من الطبقة المتوسطة يقوم الاب بالتوزيع المتساوى لما يملك قبل وفاته وقد يكون متحيزا لاحدهم بغض النظر عن جنسه .. و هو حر في أملاكة .

    إنتابني اليأس بسبب أن الطريق الذى نسلكه منذ زمن الانقلاب الذى قام به الرئيس السادات .. علي المنظومة الفكرية و السلوكية و التعليمية العقائدية التي زاولتها أجيال ما قبل السبعينيات من القرن الماضي تم تجربته و فشل عدة مرات بحيث تحول إلي متاهه ندور داخلها نزعق و نتشاجر يلعن بعضنا بعضا فكل شخص يتصور أنه يعرف السبيل الصحيح ( وفي رأيه الوحيد ) للخروج منها .. رغم أنه وعصبته يدور و يدورويدور في نفس المسالك الفكرية و السلوكية دون جدوى .

    إذا أردنا أن ننهي حالة التوهه التي نعيشها فالسبيل الوحيد هومحاولة ترقية سلوكيات البشر .. لتصبح غير عدوانية و غير معادية للتغيير و متصالحة مع المفردات الإنسانية للزمن الحديث .

    هذا التغير علية أن يتحرك في مساحات خاصة بتخفيض نفوذ رجال الدين علي رجال السياسة و التعليم و الإعلام ، و تعلية القيم المدنية الخاصة بحقوق الانسان في أن يعيش علي النهج الذى إرتضاه ..وهو الامر الذى لن يتم بالرجاء أو التأمل أو القوة أو الاضطهاد .. و إنما بوضع خطط ومناهج تعليمية للأبناء تتصف بالعقلانية وتقديم العلوم النظرية و التطبيقية و الفلسفات الحديثة المرتبطة بالمنطق الجدلي لهم .. إن تعليم الاطفال في كتاتيب الازهر علي نفس النمط الذى إبتدعه الفقهاء منذ الف سنة .. و إنفاق المليارات عليه .. لا ينتج إلا عقل مغلق محدود المرونه .. مبتعد عن علوم العصر حتي لو كان صاحبها طبيب أو مهندس أو يحمل درجة الدكتورا .

    هذه الافكار معروفة جيدا .. و منتشرة بين المثقفين و كتبهم .. إعتبارا من ((الاسلام و أصول الحكم )) و (( في الشعر الجاهلي )) مرورا ب (( هذا او الطوفان )) و حتي (( مفهوم النص )) .

    علينا أن نوحد القاعدة التعليمية .. لأبناء الغد .. و إلا فإننا نؤجل إلي زمن بعيد تال الانعتاق من الدوران في منحنيات المتاهه .

    ما الذى يمنع أن يصبح (( الدين لله و الوطن للجميع )) و ينحصر دور الكهان في الجانب الروحي و ترقية أخلاق المحبة و التسامح و العدل .. إنهم السياسيون .. الذين في اللحظة التي يعارضون فيها سلوكيات الكهانة .. يحتضنونهم و يقدمون لهم كل دعم ممكن .. بدأ بتمكينهم من أذان و أفئدة الناس عن طريق أجهزة و وسائل الاعلام .. مرورا بوضع القوانين التي تجعلهم تابوهات لا يقترب منها .. و إنتهاءا بوضع القيود و محاربة إكتمال المجتمع المدني الذى يفصل فية الدين عن الدولة .. و يسمح لجميع العقائد بالتواجد السلمي تحت مظلة القيم العصرية .

    التعرف علي الاديان كما سادت بين المؤمنين الاوائل و أدت لإكتسابهم القوة و القدرة.. جاءت دائما منذ زمن (رع ) و(أمن ) لتزيح تعاليم دين سابق و تخاطب بشر من الناضجين بالاقناع والموعظة و القدوة الحسنة و تقديم حلولا تناسب (ذلك الزمن) تعلي من شأن أصحابه .

    أى لم يكتسب المؤمن الجديد يقينه بحكم الميلاد لقد أتت النتائج الجيدة لان الدعوة تمت من خلال معطيات عصرها و بالإقناع .. و هكذا لكي يكتسب رجل دين قدرته علي الوعظ يجب أن يتم هذا بعد إكتمال شخصيتة العلمية و تمتعه بالحس السليم الذى يسمح له بفهم إيجابي لمفردات دينه .. لا تنتظر من كاهن متخصص في علوم الدين فقط أن يتفهم قضايا التطور لو أن كل ما حصلة من معرفة جاءت من نصوص محفوظه مكررة تم صياغتها في زمن سابق لنوع أخر من المستخدمين .

    أى أن من يريد أن يسلك درب الكهانة في زمننا .. علية أن يبدأ ذلك بعد إنهاء تعليمة المدني وحصوله علي درجة علمية .. يستكملها بالدراسات الكهنوتية .و هو أمر لا يحدث بالنسبة لإسلوب إعداد رجال الدين الازاهرة .. الذين يتعلمون القراءة و الكتابة في جيتوهات تعليمية بالقرى و الكفور تتصاعد حتي تصل لجامعتهم .

    رجل الفلسفة أو المهندس أو خريج الحقوق أو الطبيب .. عندما يريد أن يمتهن الدعوة و التعليم الديني .. سيكون أفضل كثيرا من طفل الخامسة الذى يحفظ نصوصا لا يعي معناها فيتحول لدوجمة .

    و مع ذلك فليس من حق الداعية هذا( سواء كان دوجمة أو قادم من أصول علمية مدنية ) أن يفرض علي الناس ما يراه صحيحا .. إن دوره أن يشجع الاخرين علي المناقشة و الدراسة و التحليل و الفهم.و الوصول العقلاني للتغلب علي مشاكل يومهم و ينمي علاقة إيجابية دافئة بين الانسان وقيمه العصرية .

    القيم الدينية ( حتي لدى أكثر التيارات تمسكا بالقديم ) .. قيم متغيرة .. تكتسب تطورها من المناخ الذى تسود فيه ..التدليل علي هذا لا يحتاج لبرهان .. حتي لمن عاش فترة قصيرة علي الارض و كان من الذكاء ليرقب إختلاف سلوكيات المؤمنين سواء بالاديان الابراهيمية .. أو الاديان الاسيوية .. خلال الفترة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حتي اليوم .. يكفي أن في اربعينيات القرن الماضي كانت الدعوة تتم من خلال الكنائس و المعابد و الجوامع .. و اليوم يضاف لها التسجيلات الصوتية و البصرية .. و برامج التلفزيونات الفضائية .. مما جلب الكثير من الاموال علي البعض .. و تحول الفقيه الذى كان يبحث داخل أنجر الفته علي قطعة اللحم ..إلي راكب لسيارة (همر ) بملايين الجنيهات .. و تغيروضع رجل الدين الإقتصادى من متلقي للصدقات ..إلي متحكم في المليارات .. لقد ظهر الوجه التجارى للدعوة في أوضح صوره.. تحالف قائم بين الدعاة بمختلف أشكالهم و رجال المال و السياسة مع الحكام الفاشيست الذين يجرفون ثروات الامم و يصبونها في أرصدتهم .

    العقيدة الدينية في القرن الحادى و العشرين لم تعد تلك البسيطة التي عشناها في منتصف القرن الماضي .. لقد أصبحت طقوس إحتفالية .. تجتذب السياح .. سواء في الهند .. أو الجزيرة العربية .. أو في كربلاء و النجف .. أو في روما .. مليارات الجنيهات .. تدرها قوافل الحجيج .. و التي نشهدها في الموالد الخاصة بأولياء الله بمصر وقد تصبح مجلبا للرزق مع تسويق زيارة مسار العائلة المقدسة الذى ترعاة الكنيسة و الحكومة لعل و عسي .

    التحالف المتأمر بين رجال الدين.. ورجال البزينس ..إن لم يعية صاحب العقيدة .. فسيقع في حبائل شراكهم .. و الصراع بين رجال الدين و رجال البزينس علي إقتسام الحصيلة .. إن لم يراه هؤلاء المتعصبون لجانب من الجانبين فسينطبق عليهم المثل القائل ..(( العروسة للعريس و الجرى للمتاعيس)).
نقلا عن الحوار المتمدن

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع