ليست أحداثا طائفية .. بل انفلات يستوجب حكم القانون
يوسف سيدهم
٤٩:
١١
ص +02:00 EET
الأحد ٣ فبراير ٢٠١٩
قراءة في ملف الأمور المسكوت عنها (715)
كتب : يوسف سيدهم
عدد الأسبوع الماضي من وطني كان يحق أن يحمل عنوان عدد خاص عن حادثة قرية منشية الزعفرانة بالمنيا, إذ أن العدد كان يزخر بالمواد التحقيقية والتحليلية والتوثيقية عن الحادثة علاوة علي رصد الميراث التراكمي المرير الذي تتصدر به المنيا جميع محافظات مصر في عدد حالات الاعتداء علي الأقباط والتحرش بكنائسهم وأماكن عبادتهم في ظل دراية وخنوع سلطات الإدارة والأمن هناك… هذا بالإضافة إلي ما قدمه العدد من كتابات شجاعة لمفكرين وكتاب تسهم في تشريح واقع الإرهاب وكيفية مواجهته.
ولعل من الأمور التي برزت في أكثر من موضوع في ذلك العدد التباكي علي غياب هيبة الدولة وصولجان القانون مع تساؤلات تبحث عن دور اللجنة العليا لمكافحة الأحداث الطائفية التي تشكلت قبل نهاية العام الماضي بموجب قرار رئيس الجمهورية رقم 602 لسنة 2018, أي أن الصرخة التي أطلقها العدد لم تكن بالأساس احتجاجا عما اقترفه المتشددون والمتعصبون في حق الأقباط إنما كانت استنكارا لتراجع دور الدولة وغياب صولجان القانون, فبدلا من الذود عن الحق الدستوري والقانوني للأقباط في ممارسة شعائرهم الدينية وحمايتهم من الإرهاب الذي يتعرضون له علي يد الغوغاء, تتقاعس سلطتا الإدارة والأمن اللتان تمثلان الدولة عن القيام بدوريهما وتستجيبان لصلف وزعيق الغوغاء في إخراج الأقباط من مكان الصلاة والعبادة وإغلاقه!!!
كما أن الأقباط -وغيرهم من إخوتنا المسلمين الغيورين علي مستقبل هذا الوطن- يتساءلون في معرض بحثهم عن الدور المفقود للدولة: هل نحن إزاء دولة رخوة لا تملك سبل مواجهة التطرف والإرهاب أو تتقاعس عن تعقب الفساد والقضاء عليه؟… لكن تأتي الإجابة قاطعة صارمة لا لبس فيها: لا نحن نعيش في دولة قوية يحكمها القانون ولا تتواني في مواجهة التطرف والإرهاب اللذين يهددان الأمن القومي, وهي أيضا تنتفض لترسيخ هيبتها في تعقب الفساد بجميع أشكاله للقضاء عليه, ورأينا كيف تطبق القانون بكل صرامة في حالات التعدي علي أملاك الدولة وآخرها الهمة العظيمة التي أظهرتها في التعامل مع تعديات البناء في منطقة الحرم الأثري لأهرامات الجيزة… إذا ألا يحق للأقباط وإخوتهم المسلمين أن يبحثوا عن هذه الدولة عينها في التعامل مع قضايا إذلالهم ومصادرة حقهم في العبادة والصلاة واغتصاب القانون لحساب الغوغاء وإرهابهم ومجالسهم العرفية؟
دعوني في هذا الإطار أشرككم معي في قراءة لمقال شجاع نشر في الأهرام بتاريخ 14 يناير الجاري للكاتب الدكتور نصر محمد عارف تحت عنوان مستقبل مصر مرهون بحكم القانون, ولا يسعني إلا التعبير عن عميق الشكر والتقدير للدكتور نصر لما حواه مقاله من رؤية سديدة تبحث عن صالح هذا الوطن وتنعطف لتعالج معاناة الأقباط فيه… وهذه مقاطع استوقفتني من المقال:
** الحكم الرشيد أو الحكم الصالح لا يتحقق إلا بسيادة القانون, وهنا يكون حكم القانون أهم من الديمقراطية, لأنه هو أساسها وغايتها ومقصدها الأعلي, وإلا كانت الديمقراطية هي حكم الغوغاء والرعاع وهي الفوضي وخراب المجتمعات وعدم استقرارها وفقدان سلامها الاجتماعي.
** المقصود بحكم القانون ليس الشعار, وإنما الممارسات العملية البسيطة التي يمر بها الإنسان في حياته اليومية, بأن يحصل علي حقه, ولا يعتدي عليه أحد, ولا يظلمه أحد, ولا يهدر كرامته أحد, ولا يتم التمييز ضده, ولا يكون ضحية للفساد والمحسوبية والرشوة, وذلك بأن يحصل علي ما هو مستحق له بصورة يحددها القانون, وليس الشخص الذي ينفذ القانون.
** حكم القانون هو الذي يضمن حقوق جميع المصريين دون تمييز, ودون اختطاف للقانون من قبل جهلاء يهجمون علي بيت مسيحي في المنيا بحجة أنه تحول إلي كنيسة دون ترخيص. الذي يعطي الترخيص أو يمنعه هي مؤسسات يحددها القانون, وتنفذه أجهزة إنفاذ القانون, وهي الأجهزة التي منحها القانون حق الضبطية القضائية, وليست الغوغائية التي زرعتها في مصر أنماط التدين المتوحش الذي لا يعترف بحقوق أحد من البشر غير معتنقيه.
** حكم القانون يستوجب أن يحاكم أمام القضاء بالجريمة المناسبة كل من حرض علي وشارك في مضايقة المسيحيين ومنعهم من ممارسة عبادتهم, فذلك حق كفله القانون, وليس لإنسان في مصر أن يمتلك القانون أو يغتصبه بحجة أنه أغلبية, فحكم القانون لا يعرف مفاهيم الأغلبية أو الأقلية, لأن القانون فوق الجميع, ولمصلحة الجميع.
*** شكرا وتقديرا للدكتور نصر محمد عارف… ولعلي أضيف أنه من هذا المنطلق متي نري في بلادنا إدانة ومساءلة لممثلي سلطة الإدارة والأمن الذين يخضعون لضغوط الغوغاء ويتقاعسون عن تطبيق القانون؟… ألا تدرك الدولة أنهم الذين يهدرون هيبتها وكرامتها أكثر من الغوغاء والمتطرفين؟… ونبقي في انتظار تفعيل دور اللجنة العليا لمكافحة الأحداث الطائفية… مع تحفظي علي تحويل الأحداث الإجرامية التي وقعت في المنيا إلي أحداث طائفية!!!
الكلمات المتعلقة