الدولة الدينية والحريات
مقالات مختارة | عادل نعمان
الخميس ٢٨ فبراير ٢٠١٩
عادل نعمان
لا حرية شخصية أو سياسية، ولا حرية عقيدة أو اعتقاد، ولا حرية فكر أو إبداع فى الأديان جميعها، الحرية مغلقة ومقيدة ومغلولة فى الأديان السماوية بفعل فاعل، وبادعاء أن هذا من عند الله ومشيئته، وليس الأمر كذلك، فما عند الله خير وأبقى، والحرية فيها كل الخير والنعيم كما نراها أمام أعيننا. الدولة الدينية الإسلامية ولها الغلبة تحصر وتحبس وتقيد الحقيقة المطلقة عن الأديان الأخرى، فلا دين عند الله سوى دين الأغلبية، ولن يقبل من الناس غيره، ولا عقيدة تقترب إلى مستواه، أو ترتقى إلى عليائه، وليس هناك قبلتان فى أرض واحدة، ويُصطفى من عباد الله عبادهم وأولياؤهم وتراثهم ويُحتقر كل ما كان غيرهم، وإذا دخله إنسان بإرادته أو بإرادة السياف وهم بالخروج، أو الارتداد عنه، خرج منه محمولا على الأعناق إلى مقابر الكافرين. ولا حرية سياسية فى الدولة الدينية المسلمة، الديمقراطية حرام وشرك وإثم كبير، والأمر فى يد أهل الحل والعقد، وليس فى يد الشعب، فقد كان فى سقيفة بنى ساعدة صراع بين ثلة من المهاجرين القرشيين، وجماعة من أنصار المدينة المنورة، وأحفاد بنى هاشم، وكان الصراع يدور من الأولى والأحق بالإرث الجاهلى؟ وليس الأنفع، وليس الأصلح لعموم المسلمين، حتى وقعت فى حجر أبى بكر القرشى التميمى، وكان الأمر من بعده فى وصيته وهو على شفا الموت لابن الخطاب القرشى العدوى، وكانت بعد مقتل عمر فى ستة من الصحابة القرشيين، وسياف قرشى يقف على الباب يقطع رقاب من يخرج على الثلاثة بأمر من خليفة قد مات، فسعى إليها عثمان القرشى الأموى، وكانت بعد مقتل عثمان تنصيبا فى محنة الفتنة الصغرى،
واختيار ضرورة متأخرة، وتزكية لابن أبى طالب القرشى الهاشمى، وخرج عليه من ولوه وبايعوه وقاتلوه وقتلوه، ثم كانت فى عهد بنى أمية ملكا عضوضا تحت سنابك الخيول وحد السيوف، وطال بيت النبوة الهلاك والدم والسم بمباركة المشايخ البررة، وكانت فى عهد العباسيين غلبة وقوة وقهرا وتآمرا مع أهل الفرس والموالى، إنه باختصار واختزال كانت لأهل الحل والمصلحة والمنافع والمغانم والسلب والغزو، وكان لكل خليفة سند وبيعة، فمن جاء منهم بالغلبة، ومن جاء منهم بسيف الحياء، ومن جاء منهم بحز السيف، ومن جاء بالقهر والتآمر، جميعهم جاءونا جميعا بالفتوى وولوا، والرعية مغلوبة على أمرها تسير بلا هدى أو دليل. والشورى ليست من الديمقراطية فى شىء، وليست شكلا من أشكالها، فهى وليدة بيئة حاضنة للمنافع والمصالح، وكانت ملائمة فى حينها، فكانت فى وقت الجاهلية شورى بين ملأ قريش والسادة والأشراف فى ظل غياب العوام، ثم شورى الحزب الهاشمى ثم الأموى ثم العباسى فى ظل غياب عموم المسلمين، والشورى ليس لها من معارضين، وإن عارضهم معارض أو ناقد أو مجدد فهو مجنون أو كافر أوزنديق، فمن يقف فى طريق هذه الأحزاب، فهو إما من الخوارج أو المرتدين أو خارج على الإمام، وجب قتاله وقتله، والنيل منه، وعليه ما على الأعداء من أسر وسبى وبيع، وقد كان هذا خلافا بين الخوارج والإمام على التقى الورع، وخلافهم حول توزيع أسرى المسلمين من الصحابة وأولاد العمومة والأهل فى موقعة الجمل، ومنهم السيدة عائشة، ولم يكن هذا خلافا فى فصيل معاوية الأموى، فقد وزع الأسرى من أهله بينهم بالتساوى! والدولة الإسلامية أهلها اصطفائيون ربانيون متسلطون استعلائيون نرجسيون على غيرهم، والمذاهب الأربعة متفقة أن الكافر من كان على غير ملة الإسلام، وأن المسلمين مأمورون بازدرائهم واحتقارهم وإذلالهم وبغضهم وكرههم وعدم موالاتهم، وهم أيضا منقسمون انفصاليون متقاتلون فيما بينهم، الشيعة يكفّرون أهل السنة والجماعة، والكفر نصيبهم عند أهل السنة والجماعة أيضا، ويتسابق كل فريق منهما فى نيل الشهادة، إذا فجر نفسه فى مسجد للآخر وقتل كل من كان على صلاة، والوهابيون يكفرون كل الفرق والملل من الشيعة والمعتزلة والأشاعرة، ولا يعتبرون أن أحدا قد فاز بنعمة الإسلام سواهم، وغيرهم من المليار مسلم «جهمية» أو قبوريون ضالون عصاة ومشركون وجب قتلهم،
والخوارج يكفرون عموم المسلمين والعموم يكفرونهم، وأهل السنة والجماعة والأشاعرة يكفرون المعتزلة، والمعتزلة يكفرونهم، والوهابيون يكفرون الإخوان المسلمين وجماعة التبليغ ويعتبرونهما من الفرق الهالكة، والتكفير عند هؤلاء لا يقف عند الأبواب، بل يتعداها إلى حكم قتل الكافر، واستحلال ماله ونفسه وولده، هذه دولتهم الدينية، وداعش هو النموذج الأمثل والمرتقب عند الكثيرين منهم، منهم من يسعى إليها هرولة، ومنهم من يتحسس طريقه خجلا. ليس لنا تجربة واحدة ناجحة فى دولة دينية قديما أو حديثا، وليس لنا تجربة واحدة فاشلة فى دولة مدنية قديما أو حديثا، مما يجعل اختيارنا للدولة المدنية أمرا حتميا، وضرورة حياة لنا ولأولادنا، أما مصير الدولة الدينية فإلى زوال، هذا حكم التاريخ والشعوب الواعية المستنيرة. خاتمة المطاف:
الإسلام دين.. وليس دولة.
نقلا عن المصرى اليوم