بقلم: د. أيمن زكريا
لم يتبقى على المرحلة الاولى لانتخابات مجلس الشعب سوى اقل من اسبوعين وهى فترة تعتبر ضئيلة جدا فى عمر المعارك الانتخابية وبحسب متابعتى للانتخابات السابقة فان اى مرشح محترف فى انتخابات مجلس الشعب يجب عليه ان ينتهى من جولاته الانتخابية وزياراته والتعريف ببرامجه على الاقل قبل الانتخابات باسبوعين ويتفرغ فى الايام الاخيرة قبل الانتخابات للترتيبات الادارية ووضع الرتوش النهائية الهامة لحملته الانتخابية وما اكثر واصعب المتطلبات النهائية للمعارك الانتخابية التى قد لايعلمها الكثيرين .
وهذه الترتيبات لها دور كبير فى حسم النتائج وتغيير دفة سير الانتخابات فى اللحظات الاخيرة ومنها عمل المؤتمرات المجمعة مع الناخبين والتربيطات والتحالفات مع القوى المؤثرة بالدائرة وهذا شى هام جدا ومحاولة استقطاب اكبر عدد من الناخبين فى اماكن تواجد المرشحين المنافسين وايضا عمل التوكيلات لمندوبين اللجان لمتابعة سير الانتخابات داخل اللجنة والذى يجب على المرشح اختيارهم بدقة شديدة وعمل توكيلات لمندوبين الفرز وترتيب تواجد وسائل مواصلات للناخبين فى المناطق البعيدة وارسال كروت لجميع الناخبين بالدائرة حسب الكشوف الرسمية ومطبوع عليها رمز المرشح وموضح فيها مقر لجنة الانتخاب للناخب والتاكيد على وصولها لجميع الناخبين وتوفير كل يلزم مندوبين اللجان طوال يوم شاق حيث انهم مطلوب منهم العمل بتركيز تام اكثر من 15 ساعة بدء من فتح باب التصويت حتى تسليم صندوق الانتخابات للجنة الفرز وايضا تشكيل اكثر من فريق متحرك من ذوو الخبرة العالية ينتقل بسرعة الى اى مكان عند حدوث مشكلة وما اكثر حدوث المشاكل يوم الانتخابات وايضا وضع مندوبين مراقبة خارج كل اللجان لمراقبة حدوث تجاوزات او تزوير او شراء اصوات خارج اللجان وايضا رصد كثافة التصويت وزمن التصويت بكل لجنة وغير ذلك كثير من الاحتياطات التى يجب على المرشح القوى اتخاذها وهذه الاجراءات لها دور كبير فى تغيير النتائج فكثيرا ما نجد مرشحين اقوياء يفشلوا فى ادارة يوم الانتخابات ونجد من هو اضعف منهم ولدية الخبرة يتفوق عليهم.
هذه هى عينة من الاجراءات المشروعة التى يجب الاهتمام بها من قبل المرشح هذا بالاضافة الى قائمة اكبر من الاجراءات غير المشروعة التى يقوم بها بعض المرشحين بدء من الاشاعات والهجوم على المنافسين حتى العنف والتى يجب على المرشحين الشرفاء ان يعرفوها جيدا ليس لتنفيذها بل لاتخاذ الاحتياطات اللازمة لمنعها وعدم التاثر سلبيا بها
ولهذا نجد ان كثيرا من العائلات المشهور عنها خوض الانتخابات منذ عشرات السنين لديها فريق كامل من الكوادر المدربين على المعارك الانتخابية بدء من الدعاية وحشد الناخبين وصولا الى مواجهة العنف.
هذا ما كان يحدث فى اى انتخابات سابقة حتى 2010 اما فى الانتخابات القادمة فانا فى غاية التعجب فلم يتبقى على الانتخابات الا اقل من اسبوعين وحتى الان ولا يوجد كشوف للناخبين يتحرك بحسبها المرشح بل انه حتى الان لم تعلن كشوف المرشحين انفسهم وسط توقعات بمنع نواب الوطنى السابقين من الترشيح واحكام قضائية تؤيد ذلك وتصاريح لمسئولين ترفض وتحذر من ذلك وتقارير تؤكد امكانية التصويت للمصريين بالخارج وتقارير اخرى تؤكد استحالة ذلك واراء تؤكد حق المصريين الخارج فى التصويت واراء اخرى تحذر ان اصوات المصريين فى الخارج وسيلة قوية للتزوير لا يمكن كشفها , كل هذا التخبط ولم يتبقى على اهم انتخابات فى تاريخ مصر الا ايام قليلة عشرات الاجراءات المترددة والمهتزة والمرتبكة تعلن عنها الحكومة بدون حسم واضح وبدون اجراءات قانونية قاطعة وهذا ينذر بمئات الطعون فى قانونية هذه الانتخابات اذا تمت وسط هذا الارتباك والارتعاش الحكومى.
وبعيدا عن الاجراءات الادارية والتشريعات والاحكام القضائية لو نظرنا الى الشارع المصرى والواقع المخيف الذى نعيش فيه لتاكدنا تماما ان الانتخابات تحتاج الى معجزة كى تتم وتنجح فالمرحلة الاولى للانتخابات مقرر لها يوم 28-11 اى بعد اقل من اسبوعين وانا لا ابالغ ان قلت ان معظم الناخبين حتى الان مش فاهمين اى حاجة عن نظام الانتخابات ومش عارفين اية الفرق بين الفردى والقائمة ومفيش وقت عشان يفهموا هذا بالاضافة الى الزيادة الكبيرة لاعداد المرشحين فقد يجد الناخب نفسه امام ورقة انتخاب بها اكثر من 50 رمزمختلف فى صندوق الفردى وفى هذا صعوبة شديدة وتحتاج لوقت طويل لكل ناخب بالاضافة الى ورقة اخرى بها رموز اخرى لانتخابات القوائم علما بانه حتى الان لم يتم حسم الرموز بالنسبة لكل القوائم
بل انى لا ابالغ ايضا اذا قلت ان بعض المرشحين حتى الان لم يستوعبوا تماما نظام الانتخابات الجديد ومعظمهم فى بداية حملتهم الانتخابية واغلبهم تائة نظرا للاتساع الكبير فى الدوائر الانتخابية التى تضاعف حجمها فالدائرة الواحدة اصبحت تشمل اكثر من مركز فالمهمة اصبحت مستحيلة بالنسبة للمرشح الفردى الذى اصبح مطلوب منه فى وقت ضيق جدا جمع اصوات من مدن ومراكز لايعيش فيها ولا يعرف اهلها ولا يعرفوه ولم يتعامل معها سياسيا قبل ذلك.
اما المشكلة الاكبر والاخطر والتى استبعد معها تماما نجاح الانتخابات هى الفوضى والانفلات الامنى الشديد بمعظم انحاء مصر فالمحافظات التى سيتم فيها الانتخابات فى المرحلة الاولى وبعد اقل من اسبوعين هى (القاهرة والاسكندرية واسيوط ودمياط وكفر الشيخ والاقصر)وبنظرة سريعة على بعض المحافظات المذكورة نجد ان القاهرة فضلا على سيطرة البلطجية فيها على اماكن كاملة فهى ايضا تنتظر مليونية 18/11و التى لا يستطيع ان يتوقع احد ما يمكن ان تسفر علية بعد ان اعلنت معظم القوى السياسية مشاركتها بها وسط تحذيرات وتهديدات من اندلاع اعمال عنف وشغب فى هذا اليوم.
اما فى الاقصر فوصل فيها الانفلات الامنى الى مراحل اكثر خطورة وسط وجود حالات اختطاف ورهائن بين العائلات والقبائل وقطع بعض القرى المياة والامدادات الغذائية عن قرى اخرى ودعوة اهالى بعض القرى الى الانفصال اداريا عن قرى مجاورة وتصاعد مخيف ومجنون للعنف وسط غياب امنى تام
ودمياط تشهد ايضا اعمال عنف دموية ادت الى مقتل اثنين على الاقل وقطع الطرق وحرق مصنع كيماويات وغلق ميناء دمياط وخسائر بعشرات الملايين وتحليق بالطائرات فوق المتظاهرين الذين اغلقوا طريق الكورنيش وحاصروا المحافظة ومديرية الامن وهددوا باقتحام ميناء دمياط مما اضطر القوات المسلحة لانزال قوات كوماندوز لحماية المنشات الحيوية وكفر الشيخ هى الاخرى كانت على موعد مع حرب اهلية بين اهالى بلطيم وسوق الثلاثاء اسفرت عن مقتل خمسة مواطنين اربعة من بلطيم بالاضافة الى جندى امن مركزى واصابة اكثر من مائة وتطورت المعارك الى قطع امدادات الغاز والكهرباء والمواد الغذائية عن قرية سوق الثلاثاء ومحاولة اهالى بلطيم تسميم خط المياء المتجة الى سوق الثلاثاء وحرق واتلاف محال وعقارات وسيارات بعشرات الملايين وبيع ممتلكات اهالى سوق الثلاثاء لشراء اسلحة وتوزيعها واعلان اهالى بلطيم الجهاد ضد اهالى سوق الثلاثاء اغلاق المدارس والمصالح الحكومية لاجل غير مسمى.
كان هذا ملخص سريع للحالة الامنية فى المحافظات التى تنتظر خلال ايام قليلة اهم انتخابات فى تاريخ مصر واكتفى بذلك واترك لكم الحكم والتعليق وادعوكم الى تخيل ما يمكن حدوثة فى مثل هذه الاجواء
ويجب الا ننسى ان معظم المحاكم ابوابها مغلقة نظرا للخلافات الحادة بين القضاء والمحامين وسط مخاوف من مقاطعة القضاء للانتخابات هذا بالاضافة الى اعلان القضاء ان اشراف السفراء والقناصل بالخارج على الانتخابات غير قانونى ومناقض للاعلان الدستورى الذى ينص صراحة على وجوب اشراف القضاء على كل مراحل ولجان الانتخابات
كل هذا يجعلنى اؤكد تماما ان الانتخابات القادمة لن تتم فهى محكوم عليها بالاعدام قبل مولدها
ولكن يبقى السؤال الهام والخطير ما هو السيناريو المتوقع حال فشل الانتخابات القادمة فى ظل الانفلات الامنى والانهيار الاقتصادى وعدم وجود اى مجالس تشريعية ووجود وزارة يقترب ادائها من العدم وسط غموض شديد من المجلس العسكرى ؟؟؟!!!