عاطف بشاي
من المسؤول عن السماح للأصولية بأن تكون تيارا «جماهيريا».. بل من المسؤول عن تكبيل العقل بحيث يصبح مغيبا»؟..
تطرح السؤال «د. منى أبوسنة» في مقالها المهم.. المثقفون سلموا الجماهير للسلطة الدينية بـ«المصرى اليوم» بتاريخ 7/6 الماضى.. وتجيب عنه بحسم وثقة: إنهم المثقفون الذين تركوا رواد التنوير بلا مدافع.. لقد خافوا وهربوا.. كما خاف وهرب «أفلاطون» بعد الحكم بالإعدام على «سقراط».
والحقيقة أنه من قبل وصول الإخوان إلى سدة الحكم.. والسادة الليبراليون العظام.. والصفوة أو النخبة الأفاضل كانوا في حالة ذعر دائم.. أو فلنقل في حالة ذعر عام.. فقد أفزعتهم الأغلبية التي حققها الإخوان في مقاعد برلمان (2005) واستنكروا ونددوا فتجاوزوا وصمتوا.. وأفزعهم أنتصار (نعم) المؤمنة ضد (لا) الكافرة في غزوة الصناديق مع أنهم وافقوا وتحمسوا لوجود أحزاب ذات مرجعية دينية باسم الديمقراطية.. رحبوا بالمبدأ ولم يقدروا العواقب.. ولم يدركوا بديهية أنك إذا وضعت زيتا وماء في قارورة واحدة.. ومهما اجتهدت في رج القارورة فلن يمتزج العنصران أبدا.. إنهم يعرفون حق المعرفة أن الإخوان لا يؤمنون بالديمقراطية إنما بمبدأ السمع والطاعة.. وأنهم يسعون إلى السلطة لإنشاء دولة دينية وتطبيق الشريعة.. أفزعهم تزوير الانتخابات الرئاسية والاستفتاء على الدستور وانقلاب الإخوان على الديمقراطية.. وجاهدوا جهادا «عظيما» لإثبات أن الأغلبية لا تؤيدهم وأن وصولهم إلى الحكم تم برشاوى الزيت والسكر.
فإذا كان الإخوان باطلهم حق.. وحقهم صدق.. وقولهم هو عين الحقيقة وعنوان الإيمان.. وفعلهم هو جوهر اليقين.. وهو الصواب الذي لا يحتمل الخطأ ولا يقبل التأويل.. وأن من عداهم من البشر مضللون وكفار.. وإذا كان الليبراليون والنخبة يرون أنهم على العكس من ذلك يكذبوب ويدلسون ويعانون من الازدواجية والتناقض بين القول والفعل فيتصرفون بما لا يبطنون ويخفون ما لا يعلنون.. وأنهم فاشيون.. وأعداء للحرية والإبداع.. ودعاة ظلام وردة حضارية.. وعنصريون وإرهابيون ويشيعون فتنة بين صفوف الجماعة الوطنية.. وأنهم أتوا إلينا بإسلام ليس هو الإسلام السمح الذي نعتنقه.. فمن المنطقى والبديهى أنهم لم يهبطوا علينا من كوكب آخر.. ولم يتسللوا في جنح الليل كالهكسوس ليسرقوا الثورة ويحتلوا البلاد.. ويستعبدوا العباد.. فهم موجودون بيننا.. ويعيشون وسطنا.. ويؤثرون فينا.. ويجتاحون الشارع المصرى منذ سنوات طويلة.. ويطبعونه بطابعهم وثقافتهم ومزاجهم العام...
وقد صرح وقتها أحد الدعاة المشهورين «أننا لا نقبل ديمقراطية الردة والزندقة والإباحية» وفى ثقة بالغة وزهو كبير وشكر وامتنان لله سبحانه وتعالى قال الشيخ «حازم أبوإسماعيل» إنه جاء الوقت لنقول لربنا سمعًا وطاعة ونطبق شرع الله على الأرض وسيحاسبنا المولى عز وجل على ذلك حسابا عسيرا إذا ضيعنا هذه الفرصة.. والمقصود بذلك فرصة تحقيق الانتصار الكاسح للتيار الإسلامى في الانتخابات البرلمانية.
بنى الإخوان والسلفيون دعايتهم الانتخابية لدى الناخبين الذين يتوقون إلى عدالة ورحمة وعيش كريم بأن تحقيقها مرهون بعطايا السماء.. وهكذا تحول الخطاب الدينى والعقائدى إلى تصويت سياسى على أساس طائفى.. والذين يتحدثون باسم الدين حينما يتمتعون بشرعية التواجد وأحقية تكوين أحزاب وخوض انتخابات وظهور إعلامى مكثف فلا بد أن يعربوا عن توجهاتهم السياسية.. بل عن آرائهم في الفن.. والاقتصاد والفلسفة وعلم النفس والاجتماع وجميع مناحى الحياة.. ويولون ظهورهم لقناعات السلف الصالح والتنويريين من علماء الدين.. ما لهم هم ورفاعة الطهطاوى وجمال الدين الأفغانى والإمام العظيم محمد عبده الذين يؤكدون في خطابهم أنه لا يوجد في الإسلام نفوذ دينى مطلقا في غير إقامة الشعائر الدينية.
وفى مرحلة النزاع على رئاسة الجمهورية.. وفى غفلة من المتباكين على الدولة المدنية والذين اكتفى معظمهم بالسخرية والتنكيت على تخلف ورجعية الأصوليين المكفرين ثم تحولوا إلى العويل والولولة والعديد.. وأسئلة ثكلى ملتاعة من نوعية: لماذا الخداع؟.. ألم تقولوا لنا إنكم لن ترشحوا«أحدا» للرئاسة يا كدابين؟.. ليه كدا يا وحشين؟.. أتذكر أنى قلت لصديقى النخبوى العتيد وقتها: الندب لا يليق بترفعكم والعديد لا يتناسب وكبرياؤكم؟
فبادرنى بسخط وانفعال واستعلاء وهو ينفث دخان سيجارته في وجهى:
- لقد كسبوا جولات مفصلية ما هي إلا مرحلة انتقالية أيديولوجية تمثل عدة مراحل تتفاعل فيها حركة التاريخ اللولبية مع مرجعيات أصولية ذات توجهات جدليه تتسم بانشطار حضارى يتفق ونظرية المؤامرة التي تتحدى الآليات المنبعجة التي تتقاطع محوريا مع...
قاطعته صائحا في غضب: فعلا «.. صدق سارتر حينما قال: إن الجحيم هو الآخرون.. فأنت ومن على شاكلتك ممن يتحدثون بلغة لا يفهمها العامة كما لا يفهمها المثقفون الحقيقيون.. أنتم أصل كل بلاء وسبب كل داء.. لقد ساهم الصفوة من الحنجوريين أصحاب الياقات الموشاة من أمثالك يشاركهم السماسرة وباعة الوهم والمتاجرون بالوطن.. ولاعبو الثلاث ورقات والمهرجون الذين يستبدلون قناعا بقناع ويتحولون من تيار إلى تيار.. ومن مذهب إلى مذهب ومن موقف إلى عكسه.
لقد ساهمتم جميعا- كما رأت د. منى أبوسنة- لتسليم الجماهير إلى السلطة الدينية.. وقادكم فزعكم البارانوى وخوفكم المرضى.. وربما انتهازيتكم إلى فلسفة «عصر الليمونة» والذى فسرها لى النخبوى العتيد إياه قائلا:
إن آليات التماهى الأيديولوجى الانشطارى في اتجاه الاشتباك المحتشد ضد الأجندات المؤطرة بتحالفات تآمرية تفرض علينا تفويت الفرصة على النظام البائد ممثلًا في أحمد شفيق (الفلولى)؛ انتصارا للحلفاء من الأصوليين «الراديكاليين» وتجنبا لانشقاق فيالق الثوار التقدميين و.....
وكنت قد انصرفت وهو يكمل لرفاق الطريق أبعاد المرحلة وهم يلتقطون الصور التذكارية مع «مرسى».
نقلا عن المصرى اليوم