عاطف بشاي
«إيسوب» هو حكيم عاش فى القرن السادس قبل الميلاد.. ونسب إليه الكثير من الحكايات الخرافية ذات المغزى الأخلاقى والتى ترجمها د. إمام عبد الفتاح فى كتابه عنه، والذى يؤكد فيه أن شخصيته تضاربت الأقوال حولها، فمن الباحثين من ينكر وجوده أصلا ويعتقد أن اليونانيين القدماء كانوا ولوعين بنسبة الأعمال إلى مؤلف ما، فإن لم يجدوه اخترعوا لها مؤلفا.. ومنهم من يدعى أنه شخصية شبه أسطورية، وأنه المؤلف لمئات من الحكايات الخرافية التى تحمل حكمة ما.. أو تلخص معنى فلسفيًا.
وقد أعجبتنى بعض هذه الحكايات والتى أرى أنها تعكس دلالات عصرية تستحق التأمل والتعليق.
بعد أن توفى الأسد ملك الحيوانات.. وصاحب الذكرى العطرة.. اجتمعت الحيوانات لاختبار ملك جديد.. ولقد قام القرد بعمل دعاية انتخابية عظيمة لنفسه بالرقصات التى أداها أمام الجميع من حشد الحيوانات التى اجتمعت لانتخابات ملك المستقبل.. وهكذا استقر الرأى على اختيار القرد.. غير أن الثعلب الغيور لم يرض عن هذا الاختيار، ولذلك عندما لمح شركًا به قطعة من اللحم، أخذه إلى القرد وهو يقول: تفضل هذه الوجبة الشهية التى وجدتها ولم أرض أن أتناولها أنا وقلت إنها تليق بمقام صاحب الجلالة الملك.. وتناولها القرد بلا اكتراث فوقع فى الشرك.. وعندما اتهم الثعلب بأنه هو الذى دبر هذه المكيدة، وأوقعه فى الفخ، رد الثعلب قائلًا: وهل يمكن لأحمق مثلك أن يتخيل أن يصبح ملكًا على الحيوانات؟!.
والمغزى الأخلاقى لهذه الحكاية هو أن كل من يقوم على عمل غير جدير به يعانى من عواقبه وأبسطها أن يضحك الناس عليه.. وهذا شىء منطقى.. لكن الغريب أنه فى زماننا هذا يحدث العكس.. فما أكثر ما يكتظ مجتمعنا بمن يعملون فى أعمال غير جديرين بها.. لكنهم للأسف لا يعانون من عاقبة ذلك.. بل تتم مكافأتهم وتعلو مكانتهم أكثر.. والذين يضحكون عليهم فى السر.. يتملقونهم فى العلن.
الحكاية الثانية فحواها أن ثعلبة سخرت ذات يوم من «لبؤة».. لأنها لا تنجب أبدًا سوى شبل واحد فى كل مرة.. فأجابتها اللبؤة: «واحد فقط نعم.. لكنه أسد».
والمغزى الأخلاقى لتلك الحكاية أن القيمة الحقة لأى شىء تكمن فى نوعه لا عدده.. أى أن المهم هو الكيف لا الكم.. وأهدى هذه الحكاية لمحدودى الموهبة من الكتاب ومؤلفى المسلسلات التليفزيونية الذين يمطروننا بوابل من أعمالهم الغزيرة السطحية، وقد تحولوا من كتاب إلى ماكينات «فيشار» كما أهديها للمسؤولين عن خريطة «رمضان» التليفزيونية الذين يصرون كل عام على تخمة درامية تكتظ بها الشاشة ثم تفاجأ فى النهاية بحصاد هزيل.
الحكاية الثالثة: تقول إنه كان فى مدينة «أفوس» منذ سنوات طويلة مضت.. امرأة فقدت زوجها الذى كانت تحبه حبًا جمًا، فوضعت جثمانه فى تابوت، وعاشت فى منزل بجوار قبره حزينة تنعى هذا العزيز الغالى.. تبكيه ليل نهار وتعيش على ذكراه.. وذات يوم اتهم لص بسرقة معبد كبير الآلهة «زيوس» وحكم عليه أن يصلب.. وقد جرت العادة أن يكون هناك جنود يحرسون جثث من صلبوا، ويمنعون اللصوص من سرقتهم، وكانوا يجلسون بجوار القبر الذى دفنت فيه المرأة زوجها.. وعاشت فى المنزل المجاور.. وحدث أن نال العطش ذات يوم من أحد الجنود، فطلب جرعة ماء من جارية المرأة، فرأى الجندى الأرملة لأول مرة.. فوجدها امرأة رقيقة، رائعة الجمال، فوقع فى غرامها من أول نظرة، وبدأ يختلق الأعذار لرؤيتها كل يوم، محاولًا أن يتودد إليها، وشيئًا فشيئًا، بدأت المرأة تلين وتستسلم لغزله، ثم وقعت فى حبه، وهكذا أصبح هذا الحارس يقضى لياليه معها، وكانت النتيجة أن اختفت ذات ليلة جثة من جثث الذين صلبوا.. وكان يقوم على حراستها.. وفى الصباح أخبر الحارس معشوقته بما حدث وهو مذعور خوفًا من العقاب الصارم الذى ينتظره.. لكن المرأة بهدوء وبرود ودون تردد كان جوابها حاضرًا: خذ جثة زوجى وضعها مكان الجثة المسروقة.
ويقول المغزى الأخلاقى لهذه الحكاية إنه بهذا العمل القذر فقدت المرأة احترام الناس، وفقدت سمعتها الطيبة السابقة، وقد أصبحت نموذجًا للإثم والفجور.
ما أبعد اليوم عن البارحة، فالزوجة الخائنة فى هذا الزمان لا تنتظر أن يموت زوجها قضاء وقدرًا لتعيش حياتها كما تريد.. لكنها تستخدم الساطور والسلق والتعبئة فى أكياس البلاستيك.. أو تتواطأ مع العشيق على ذبحه بالسكين.. وتعطيه رداءه النظيف.. حينما تتلوث ملابس العشيق بالدم.
المهم أنهن يعترفن أمام جهات التحقيق بأنهن غير نادمات على قتل الزوج حيث إنه كان بخيلًا فى عواطفه.. شحيحًا فى حنانه، لا يتمتع برومانسية كافية تماثل رومانسيتها الطاغية.
نقلا عن المصرى اليوم