نبيل صليب عوض الله
نحن نعرف ونسمع كثيراً عن الحصانة القضائية وكذلك الدبلوماسية، ولكن أيضاً لبيوت العبادة حرمتها وحصانتها، فمادامت تشيد من أجل عبادة الخالق، فغير جائز أن يتوقف بناؤها على تصريح إدارى أو موافقة من مخلوق - أياً كان - كما يجب ألا تقف القوانين أو اللوائح قيداً أو عثرة فى سبيل بنائها، فيكفينا القانون ١١٩ لسنة ٢٠٠٨ الخاص باشتراطات البناء، فكل بناء مهما كانت وظيفته أو الغاية منه أو الغرض من إنشائه خاضع لأحكام هذا القانون، وفيه من القواعد والضوابط الكافية لترخيص أى بناء مستجد أو ترميم مبنى قائم.
فنحن فى الألفية الثالثة، عصر الموبايل والفضاء والكمبيوتر والتقدم العلمى غير المسبوق، فغير معقول الارتداد لعصر الاستبداد العثمانى، الذى كان يستلزم فى بعض الحالات استصدار تصريح بالبناء، فالعالم من حولنا يتقدم بسرعات فائقة، ونحن نتخلف ونتقهقر للوراء بدرجات مفزعة، فمازلنا نتجادل فيما كان مثاراً أيام الإمام الجليل محمد عبده فى بداية القرن العشرين والمستشار المستنير قاسم أمين، محرر المرأة، كما لا توجد دولة على سطح الأرض متقدمة أو نامية لديها قانون خاص بكل دار من دور العبادة، أو حتى قانون موحد لبناء دور العبادة، فهذه بدعة للتمييز بين بيوت العبادة رغم أن تابعيها جميعاً من أصحاب الديانات السماوية، وفقاً لما نصت عليه المادة ٦٤ من الدستور.
وإذا كنا نتوسع فى بناء المستشفيات، خاصة المختصة بعلاج مرض السرطان فى جميع المحافظات، ونفرح ونتهلل لذلك ونجمع من أجلها التبرعات، فدور العبادة أيضاً تعد مستشفى روحانيا للعلاج من أمراض الخطية، فسرطان الخطية أخطر بكثير من سرطان الجسد، فالأخير يفقدك حياتك، التى مصيرها مع المرض أو بدونه الوفاة، بينما برص الخطية يفقدك أبديتك، وهذا هو الدور الأهم لدور العبادة كمقر لعلاج رعاياها من لدغات الخطية، التى ازدادت وانتشرت بعنف فى أيامنا المعاصرة، وأصبح البعض لا يخجل، بل يتباهى بالإعلان عن إلحاده أو شذوذه.
فالجامع أو الكنيسة مثلاً ليسا مجرد صحن لأداء الصلوات التقليدية، بل هما فى الحقيقة سفارة السماء على الأرض، فإن كنا نملك تغيير السفير، سواء كان شيخاً أو كاهناً، فهل نملك غلق السفارة؟.
فكم هى حاجاتنا لبيوت العبادة، لأننا مهما طالت أعمارنا فنحن غرباء فى الأرض، ويوماً ما سنتركها ونعود إلى وطننا السماوى، فالإنسان مخلوق سماوى خلق للحياة الدائمة مع الله، وهو فى نظر الله أعظم وأغلى من الخليقة كلها، فهو الوحيد دون سائر المخلوقات الذى يحمل فى داخله نسمة من روح الله، وتلك النسمة هى الفيزا السمائية بلغتنا الأرضية، فالحياة هى الأصل والموت استثناء، فهو دخيل على البشرية نتيجة الخطية، فحياتنا على الأرض طالت أم قصرت، هى مجرد ترانزيت سنغادرها يوماً ما فى وقت مفاجئ للاستقرار فى الجنة المعدة لنا، فإذا تعلقت آمالنا بالأرض فهى لا تملك أن تعطينا شيئاً سوى قبر، بينما إذا ارتقت أرواحنا وتطلعت أنظارنا لأمجاد السماء سنأخذ عرشاً.
والله الموفق وتحيا مصر، التى تباركت بمجىء العائلة المقدسة إليها دون سائر المسكونة، وذُكرت فى جميع الكتب السماوية ووُصفت منفردة بأجمل وأرقى وصف كجنة الله أرض مصر - سفر التكوين - وهى ليست هبة النيل، كما ذكر ذلك المؤرخ هيرودت، بل هى هبة المصريين، فالنيل يجرى بطول إفريقيا ولم تنشأ حضارة على جانبيه إلا فى مصر.
* عضو مجلس القضاء الأعلى، ورئيس اللجنة العليا للانتخابات السابق
نقلا عن المصرى اليوم