د. مينا ملاك عازر
عفوا سادتي القراء، أتوقف عن نشر سلسلة خط الفقر والتنمية المستدامة التي كان المقرر إنهاءها اليوم، وأنشر هذا المقال لداعي الضرورة والعجلة بالرغم من تأخيري في نشره لظروف خاصة بالرغم من أنه كان جاهز من يوم الاثنين الماضي
فبين رغبتنا في سرعة معرفة أسباب وملابسات حادث معهد الأورام، وبين رغبتنا الجامحة أن تقول الحكومة الصدق، وبين انتظارنا بيان رسمي من الحكومة وقف خيالي شارد، فيما لو كان هذا عمل إرهابي؟ هل ستعلن وتكشف عنه الحكومة أم ستكتفي بمعرفة خيوطه وتنفذ ضربة لمن وراءه؟ خاصة وأنه لو تم إعلان أنه عمل إرهابي فلا جدال أنه كان يستهدف منطقة السفارات القابعة على نهر النيل وقد أت السائق بطريق عكسي لاتجاه السير لكي يكون في معاكسة توقعات الشرطة الحامية لتلك المنطقة المكتظة بالسفارات خاصة الأمريكية والبريطانية، ولعله أتى مسرعاً لكي يسرق اللحظة ويخطف المسؤولين عن الأمن، وإعلان مثل هذا سيهز ثقة العالم بأمننا وأماننا الذي نحاول الترويج له، وستهتبله دولة كبريطانيا خاصة وأنها ستكون أولى المستهدفين بعمل كهذا، وبدون عمل كهذا أوقفت طيرانها لمصر أسبوع، وهو الطيران الذي عاد قريباً بعد توقف طويل على خلفية عمل إرهابي انكرته وتنكره الحكومة المصرية للآن بإسقاط طائرة شرم الشيخ، على كل حال على الحكومة المصرية كشف ملابسات وغموض الحادث لنفسها على الأقل، وتحيط نفسها به علماً، ففكرة عمل إرهابي دنيء كهذا متوافرة بهذه الشاكلة سالفة الإشارة والشرح بحيث يأتي المفجر من حيث لا ترى الشرطة من خلفها باتجاه عكسي وفي وقت متأخر لا يستهدف عنصر بشري من موظفي السفارات بقدر ما يستهدف المسؤولين عن تأمينها، ويستهدف زعزعة الثقة بين دولة تلك السفارة ومصر، وربما زعزعة ثقة كل دول السفارات التي بالمنطقة وليس بحسب السفارة التي قد تكون مستهدفة.
حجم التفجير هائل، صحيح أنه قد يكون بشكل عارض وأنه مجرد صدام سيارات عادي خلف تفجير كبير كهذا لكنه يكشف عن فداحة حالة المرور في مصر سيارة تسير عكس الاتجاه، وبسرعة كبيرة هكذا دون أن يستوقفها أحد، ولا ينتبه لها أحد، الكارثة كبيرة ليس بمصابيها و شهداءها فحسب ولكن في معناها ومكانها وحالها، وبالتالي يجب أن تستوقفنا وإلا نكون قد خسرنا الكثير لو لم نتعاطى معها التعاطي الواجب تعاطيه.
التفجير أتى بين شاطئين شاطئ النيل وشاطئ المرض، الحادثة أودت بحياة وأصابت كثيرين، وهددت حياة مرضى عزل، وأقلقت آباء وأمهات كثيرين يسير أبناءهم على هذا الطريق وعلى طرق كثيرة في مصر، هم بالتأكيد قلقين على أبنائهم بدون هذا الحادث بسبب تردي الحالة المرورية وسوء حالة الطرق في معظمها لكن وبشكل خاص تزايد نسبة القلق بسبب حادث كهذا، وإن كان مدبر أو ارتجالي فهو يكشف عن مصاب عميق في جسد الأمن المصري المنشغل بأمور سياسية وإرهابية، وأغفل ضرورة تأمين البديهيات، وهو بالمناسبة يقع في نفس ما تقع به الدولة المصرية من تجاهل الأولويات أثناء ما تدعي بأنه تقوم به من نهضة للبلاد والعباد.
هذه السطور السابقة كنت قد كتبتها وأنا متشكك قبل أن تصدر الداخلية المصرية بيان جريء يعلن الحقيقة دون مواربة السيارة كانت تحمل متفجرات، إذن العمل مدبر وكان يستهدف غالباً السفارات القابعة بالقرب من تلك المنطقة.
ومن ثمة، فتحية لداخليتنا، والآن دور خارجيتنا لتطمئن الذين كانوا مستهدفين، وعلى الأمن المصري مراجعة الأمر والقبض على الخلية وكل من هم وراء تلك التفجير وإلا سيؤتي ثماره المعنوية والسياسية، وإن كان قد فشل في إتيان هدفه على أرض العمليات مع وضعنا في الاعتبار أنه يبدو أن الحادث قد تأخر كنتيجة لتوقف رحلات الطيران البريطانية لمصر، ما يعني أن ثمة معلومات بعمل إرهابي متوافرة لأجهزة مخابرات لدول تبدو صديقة، ولم تعلمنا بها أو أعلمتنا وقصرنا لذا يجب محاسبة المقصرين.
المختصر المفيد أولويات الدول هي بديهياتها.