بقلم ايهاب الهادى
فى كل عام فى مثل هذا التوقيت نحتفل جميعا بانقضاء عام وبداية عام جديد وتتزامن تلك الاحتفالات مع احتفالات الشعب المسيحى بعيد الميلاد المجيد
واحتفالاتنا هذا العام مختلفة حيث تضطرب مشاعرنا وتتباين منذ عام مضى بدأ فى لحظاته الاولى بتفجير كنيسة القديسين بالاسكندرية وكما يقال "الكتاب يبان من عنوانه " فصار هذا العام الممتلئ بالاحداث يشغل عدة صفحات فى كتاب التاريخ . نعم ان هذا العام الذى قارب على الانتهاء اصبح ماضى وانتهى ننظر اليه للخلف ونتذكر اننا عشناه فى قلق وخوف وحزن مابين مطالب مشروعة واجهتها الألة العسكرية او كراهية الآخرين لقد مضت 2011 تاركة خلفها دماء الشهداء والمصابين , وتتركنا امام حاضر نحياه الآن نفقد فى كل لحظة فيه هويتنا المصرية وننتظر عام جديد آت يحمل فى طياته لنا مستقبل مجهول , معالمة المعروفة قاسية وما اكثر معالمه المجهولة .
وهكذا كل عام نحيا مابين انتصارات وانكسارات عام مضى ونحلم بمستقبل افضل للعام القادم وذلك يوضح ان للزمن فى حياة الانسان دور رئيسى فى كينونته . فنحن كثيرا ما نظرنا الى الاعوام المتساقطة من عمرنا على انها الزمن الجميل , وايضا كلما تقدم بنا العمر ننظر الى المستقبل بنظرة تشائومية وان القادم لايمكن ان يكون كالماضى وحينما نرفع ابصارنا لنرى المستقبل نجد ان الموت خلفه واقفا ينتظرنا.
وهكذا نجد انه بتأملنا فى اﻻنسان نميز ان الله خلقه مخلوقا زمنيا يرتبط وجوده بالزمن فهو له ماضى انقضى وحاضر يعيشه ومستقبل ينتظره وخلفه الموت. وينتقل الانسان صاعدا على سلم الوجود مرورا بالثلاثة ازمنة خلال حياته التى تمتد من لحظة ميلاده مرورا بحياته وحتى لحظة مماته . ليكون الانسان بذلك هو كائن حى مرتبط بالزمن يتجه نحو الموت .
واﻻنسان فى خلال سنوات حياته دائما ما نراه منشغل بأمرين يسيطران على افعاله وتفكيره وهما المستقبل والموت .ويؤكد الوحى ذلك فهو يظهر الموت على انه عدو للحياة وهو اجرة الخطية , كما يبين تطلع الانسان لمعرفة المستقبل ولعلنا نلاحظ فى تاريخ شاول اول ملوك شعب الله خير مثال لذلك فهو كان يشاهد رؤى وفى نهاية ايامه كان يبحث عن عرافة لتبين له المستقبل وكيف كان يحيا ايامه فى الخوف من الموت . وهكذا وعلى مر التاريخ يحاول البشر استطلاع المستقبل ومعرفته مسبقا سواء بطلب رؤى و تفسير أحلام أو قرأة البخت والطالع .
والانسان المتزن نجده يسعى ويجتهد فى حياته الحاضرة مستمدا خبرات ماضيه لكى يتطلع الى المستقبل ويحاول ان يؤمن ويحسن من هذا المستقبل عن طريق اقتناء ممتلكات واكتناز اموال او تحصيل علم او تقلدسلطات فنجده يضع خطط واهداف مستقبلية قصيرة وطويلة الامد , وهو فى مسعاه هذا نجده يعيش فى خوف من لحظة فناء حياته وانقضاء ايامه وموته وهكذا يعيش الانسان فى النهاية سنوات عمره ككائن زمنى يتجه الى وينتظر الموت الحتمى .
وحوارنا هذا يقودنا الى محاولة تعريف المستقبل فما هو المستقبل ؟ المستقبل هو مانتوقعه اليوم ونحققه او نحقق بعضه او غيره فى الغد , او انه واقع لم يتحقق بعد ولكنه سيحدث فيما بعد .. ولكنه متى حدث سيصبح واقعا معاشا .. ولكن مع مرور الوقت يمضى بعيدا ويصير تاريخا يطويه الزمن ويتجاوزه .
هذة هى الحقيقة المؤلمة ان مستقبل الانسان هو مستقبل يمضى سريعا ويزول يحلم اﻻنسان به ويحلق بخياله فيه الى ان يأتى ومتى أتى يتحول المستقبل إلى واقع الذى سرعان ما ينسحب من تحت قدميه ويصير ماضى ليعود يحلم من جديد وهكذا يستمر الحال بالانسان فى دائرة حياته مابين مستقبل يأتى ويصير ماضى . فمستقبل الانسان مستقبل مؤقت وهو فى النهاية يصير ماضى.
لكن فى اطار معايشة الانسان لهذا المستقبل المؤقت يختبر مستقبلا آخر ﻻ يستطيع صنعه او ان يخطط له او ان يضع حسابات له انه المستقبل المطلق انه تدخل الله فى الزمن تدخله قديرا صانعا له ﻻ كحلقة من حلقاته بل كحدث يلخص التاريخ ويجمع كل شئ ما فى السموات وما فى الارض تحت راس واحد هو المسيح.
فقد تدخل الله فى الزمن عبر تجسد المسيح وانشطر الزمن الى نصفين , قبل وبعد الميلاد لقد تدخل الله فى الزمن وفتح طريقا ممهدا يجذب فيه البشرية من المستقبل المؤقت الى مستقبل مطلق , فمن خلال تجسد المسيح وصلبه وقيامته وصعودة يدخل الانسان الى المستقبل المطلق وتدخل البشرية فى ابدية حب الله يقول الوحى " وأنا إن ارتفعت، أجذب إلى الجميع".
انه المستقبل الحقيقى الآتى وهذا المستقبل الآتى يقوم بين مجيتئين يشكلان زمن الكنيسة .
لقد كان مجئ المسيح الاول فى تواضع بشريتنا وسيكون مجيئه الثانى فى بهاء ومجد الوهيته وهذا المستقبل الآتى يجعل اﻻنسان يتحول من كائن يتجه نحو الموت الى كائن يتجه نحو المسيح كائن ﻻيقيس الوقت بعقارب ساعة تدور بل يقيسه باستعداده فى انتظار المسيح فى ترقب وشوق ورجاء ويتوق الى مجيئه بفرح وسرور .
ان المستقبل اﻵتى فى المسيح الآتى والمسيح اﻵتى هو المسيح الحاضر هو امس واليوم والى اﻻبد هو من نحتفل به عند المزود وهو الذى يجب ان نعد الطريق له ونصنع سبله مستقيمة ياتى له الرعاة ويسجد عنده المجوس وهو ايضا الذى تناديه الكنيسة امين تعالى ايها الرب يسوع.
لقد ترنمت له الملائكة ترنيمة تربط بين مستقبلين وعالمين مؤقت ومطلق اﻻرض والسماء قائلة المجد لله فى اﻻعالى ( المستقبل المطلق ) وعلى اﻻرض ( المستقبل المؤقت ) السلام وبالناس المسرة .
الا تستحق احتفالاتنا هذا العام ان تنطلق بفرح وسرور ونرنم تلك الترنيمة ونشدو بها مع الملائكة ونعلن للكافة اننا نعيش برجائنا فى مستقبل ابدى ورائع مستقبل بدايته ميلاد المسيح فى قلبى مستقبل اصل اليه بغنى ميراثه للقديسين قوة قيامة المسيح فهو الذى قهر الموت واعطانا ان نقول له اين شوكتك ياموت واين غلبتك يا هاوية . انه مستقبل يضئ حتى وان كنا فى وادى ظل الموت لان السيد هناك يشرق بنوره على الجالسين فى الظلمة وظلال الموت .
لقد اتى المسيح وفتح الطريق لنا نحو مستقبل أبدى وأعطانا الرجاء ... لكنه سيأتى ثانية يقول الوحى عنه " ها أنا آتى سريعا ... أمين تعال ايها الرب يسوع "