الأقباط متحدون - من يهدم هوية مصر؟
أخر تحديث ٠٦:١٢ | الاربعاء ٢١ ديسمبر ٢٠١١ | ١١ كيهك ١٧٢٨ ش | العدد ٢٦١٥ السنة السابعة
إغلاق تصغير

من يهدم هوية مصر؟

بقلم: د. عايدة نصيف
لصالح مَن حرق المجمع العلمي؟ ولصالح مَن، مَن يريد أن يطمس ثقافة وهوية مصر، وأن يرجع بمصر إلى عصور التخلف والرجعية، ولصالح مَن انطلاق الدعوات لتكفير أدب "نجيب محفوظ"، وتكفير الرموز الثقافية والوطنية في تاريخ مصر، بل وتهديد الوحدة عن طريق إيثار ما يسمى بالإحياء الديني، منطلقة من أحكام كفرض الجزية على الأقباط، متناسيَّا في ذلك أن الأقباط في مصر ليسوا عنصرًا أو عرقًا أو جنسًا أو طائفة أو مذهبًا أو دينًا، بل هم جزء من تاريخ مصر ونسيجها الوطنى، بل أن لفظ أقلية لا ينطبق عليهم لأنه لفظ عددى إحصائى ولا يدل على جوهر أو هوية، ولم يكتفى أصحاب المصالح على دعوات فرض أحكام باسم الدين على الأقباط بل انسحب الأمر على المسلمين أصحاب الفكر الإسلامى الوسطى الصحيح، الذين منهم ليبراليين وعلمانيين ووسطيين، ومن ثم ظهور دعوات التكفير لأبناء الوطن الواحد. ولم يقف الأمر عند ذلك بل امتد إلى محاولة لتشويه أدب "نجيب محفوظ" على أنه يخدش الحياء، وكأن فكر هذا الرجل المستنير، الذى تتشرف به مصر انحصر فى هذا القالب المادى. 
 
 
لست أدرى هل هدف هؤلاء ضياع الهوية للحياة المصرية؛ لتسير مصر فى الحياة السياسية بالتبعية السياسية للقوى الخارجية، وفقدان القدرة الذاتية المصرية على أخذ القرار، وتفتيت وطننا الحبيب إلى اتجاهات مذهبية وطائفية ويضيع مفهوم الشعب الواحد، أم هو توظيف لدعوات الإحياء الدينى من القوى الداخلية والخارجية لتفتيت وحدة مصر، وكأن مصر لم يكن بها دينًا سماويًّا، وكأن هؤلاء نسوا أن الشعب المصرى متدين بالفطرة، وأن الدين هو روح مصر التي تضم تحت لوائها المسلمين والمسيحيين وكل الاتجاهات. 
 
 
فيجب أن نعي التاريخ جيدًا، بل وندرك أن الإرداة الإنسانية تحقق الإرادة الكلية للشعوب، لا الإرادة المزيفة التى رأيناها فى المراحل السابقة من الانتخابات عن طريق تزييف الوعى المصرى، والتى تصدرت المشهد السياسى على أنها إرادة الشعب الذى يُسحل ويُقتل أبنائه وبناته، وأن نحلل الأمور التى تحدث بموضوعية دون إقصاء فصيل عن آخر، وألا يتم إلقاء التهم بالقوى الثورية الحقيقية التى قامت بالثورة، وتشويه صورتهم وقهر إرادتهم التى أرادت أن تغير مصر إلى مستقبل أفضل، فهل يقابل ما فعلوه من خلع النظام السابق وإحداث نوعًا من التغيير الديمقراطى بنوع من إنكار دورهم وتصوير شباب الثورة على أنهم مُخربين وبلطجية، بل وسحقهم وقتلهم. أقول لا للعنترية الكاذبة، ولا لمن يقهر شباب مصر، ولا للاتجاهات المتشددة التى تريد سرقة الثورة من أصحابها؛ فشباب مصر الجسور قد فعلوا ما لم تفعله أية قوى تدَّعى أنها جاهدت وحاربت وسُجنت في العهد السابق؛ ومن ثم أعطوا لأنفسهم الحق في سرقة ثورة الشباب. 

 
وأطرح سؤالى، في أية مرحلة من التاريخ مصر تعيش؟ هل تعيش اتجاه السلفية عند العامة ويشتد هذا الاتجاه كما هو حاصل الآن، فى نفس الوقت الذى يظهر فيه الاتجاه العَلماني والليبرالي عند الخاصة، ومن ثم ظهور الخِصام بين الفريقين، وحرب بلا توقف فى الفضائيات ووسائل الميديا، بل وفى الشارع، حرب أدواتها بالنسبة للفريقين غير عادلة تنفصم من خلالها عروة الشخصية المصرية، فيضيع وعينا بتاريخ وطننا وثقافتنا وتراثنا، ويصبح وعيًا سياسيًّا فارغًا معلقًا فى الهواء، دون أساس سليم، والأساس السليم فى اعتقادى هو وضع العقل والنقل أمامنا؛ أى وضعهما دون الخلط ودون تسييس الدين، بصورة متوازية وليس مختلطة فخلط الدين بالسياسة يضعف الدين ويعمل على طمس المفاهيم السياسية. 


 
والمواطن الحقيقى المُحب لوطنه يجب أن يكون مدركًا لطبيعة اللحظة الثورية والتاريخية التى تعيشها مصر الآن؛ بألا يكون باغضًا للعلم وللثقافة، بل محبًا لهما، ولا يستهين بالفنون والآداب العامة وكافة الثقافات التي تعبر عن ميراث مصر الحضاري، فالمواطن الحقيقى عليه أن يدرك أنه مسئول أمام التاريخ عن أنظمة الحكم فى الدولة، كى لا يقع ضحية الصراع بين الدين والسياسة، ونرجع إلى عهود التخلف والانغلاق، وهذه ليست مسئولية المواطن فقط بل مسئولية من يقومون بتدريس الأديان، وبث روح الاعتدال ووضع الأشياء فى نصابها الصحيح فى إطار منظومة متسقة فى جميع جوانبها مستوعبين التغيرات العصرية التى تسير  بسرعة تتجاوز كل التوقعات النظرية، ومن ثم العمل على صد الهجمة الشرسة التى تريد حرق قلب مصر وحرق تاريخها وثقافتها وعاداتها وتقاليدها. وأخيرًا أقول مصر لن تُحرق ما دام هناك إرادة إنسانية وما دامت هناك قلوب تحب هذا الوطن، وما أكثرها.

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع