بقلم: القس بولس فؤاد سيدهم
بسم الآب والإبن والروح القدس الإله الواحد آمين
الأبناء المباركين والأخوة الأحباء فى كل مكان
يسعدنى أن أهنئكم بعيد الميلاد المجيد ، وحلول العام الجديد 2012 ، ناقلاً لكم تهنئة وتمنيات أبينا صاحب النيافة الحبر الجليل الأنبا إيليا أسقف الخرطوم والجنوب وأوغندا، سائلاً الرب القدير أن يكون العام القادم عام سلام وبركة وهدوء وتوبة وعودة إلى حظيرة الرب ، وإيماناً بأن من أتى إلى عالمنا طفلاً رضيعاً ، ورضع من لبن العذراء مريم ،، وعاش بيننا كإنسان ، وتعب من أجلنا محتملاً كل أنواع التهكُّم والإزدراء ، حتى وصل إلى الصليب ، مستسهيناً بالخزى..... هو القادر أن يحفظ وديعتنا إلى التمام ،، وأن يطرد من قلوب أولاده كل الخوف والقلق، وأن يحل بسلامه الذى لا يشوبه كَدَر ، فى كل قلب ، وفى كل نفس خائفة أو ضعيفة. وهو القادر على كل شىء.
يأتى عيد ميلاد السيد المسيح هذا العام ، والعالم أكثر إضطراباً ، والأحداث تتوالى كل يوم ، ومشغوليتنا بها تبعدنا عن التفكير فى خلاصنا. فهى أحداث أليمة ومليئة بإنذارات الشر، والسير وراءها يستهلك وقتنا وجهدنا وفكرنا ، بينما طفل المذود يأتى فى هذا اليوم المبارك ليذكرنا ويخاطبنا : " لماذا أنتم خائفون" ؟ لماذا تضطرب قلوبكم ؟ لماذ نسيتم وعودى ومواعيدى ؟ ما هذا الذى تفعلون ؟
ألستم أنتم الذين تعرفون من أكون ؟ ... ألستم أنتم الذين أُعلِن لك يوم البشارة بميلادى أن إسمى هو عمانوئيل الذى تفسيره " الله معنا" ؟ (مت 1 : 23)
ألم أقل لكم حينما كنت معكم بالجسد: " أنا هو لاتخافوا" (مت 14 : 27) ، سلامى أنا أعطيكم
( يوحنا 14 : 27 ) .... ها أنا معكم كل الأيام وإلى انقضاء الدهر؟ (مت 28 : 20).... نقشتكم على كفى ، من يمسكم يمس حدقة عينى (زك 2 : 8)... إلخ.
هل نسيتم كل هذا ؟ ما بالكم مرتبكون ومنزعجون وتتضارب أفكار كثيرة فى أذهانكم ! هل نذهب هنا أو هناك ؟ هل نبقى ؟ وما هومصير أولادنا ، وأموالنا " وشقى عمرنا" ، وأسئلة كثيرة تتردد على أذهانكم. هل نسيتم هكذا بسرعة ؟ ألم اقل لكم " إن الحاجة إلى واحد ؟" (لو 10 : 42)
ألم يقل لكم سليمان الحكيم أنه " باطل الأباطيل ، الكل باطل ولا منفعة تحت الشمس ؟"
(جا 1 : 2)
، ألم أقل لكم " يكفى اليوم شره ، أطلبوا أولاً ملكوت السموات وبره ، وهذه كلها تزاد لكم.
(مت 6 : 33)
لقد أتيتُ إليكم طفلاً لأوكِّد لكم إنه إن لم ترجعوا وتصيروا مثل الأولاد فلن تدخلوا ملكوت السموات
(مت 18 : 3)
لقد تركت لكم وصيتى أن تحبوا بعضكم بعضاً ، وتركت لكم إثنين وثمانين تلميذاً ورسولاً ، وقد فتَنوا المسكونة وحوَّلوا أنظار العالم كله إلىَّ؟
ما هذا الذى أسمعه عنكم. كيف تتفرقون هكذا إلى شِيع ومذاهب ؟ ........ كيف تتطاحنون وتأكلون بعضكم بعضاً وتقولون أننا صائمون لا نأكل لحماً ؟
كيف تعبدون المال والشهوة وأصنام العالم وتقولون أنكم تعبدوننى؟
كيف يأخذ التلفاز والإنترنت والمحمول جُلَّ إهتمامكم وأوقاتكم وتهملون الحديث معى ، وأنتم تعلمون أن لذَّاتى فى بنى آدم" (أم 8 : 31)
ياأبنائى ، وياشعبى الذى سُرَّت به نفسى، يامن فديتكم بدمى وتحملت شتى أنواع الألم من أجل خلاصكم، كيف تستهينون بكل هذا وتبقون على حالكم؟
إلى متى تظلُّون كما أنتم؟ أليس اليوم كالأمس ( بل ربما أسوأ من أمس) ؟
أناشدكم أن تسألوا أنفسكم عن دوافع حضوركم ليلة عيدي ميلادى بالكنائس ، وأتعشم راجياً أن تكون للتوبة والتقرّب للأسرار المقدسة .
أنا لن أجيب نيابة عنكم ، بل أنتظر الإجابة ، وسأظل أنتظر حتى تقولوا يارب أعنَّا ، حينئذِ ستجدوننى فى إنتظاركم.
أنا أخوكم وأنا طفل ، وصديقكم وأنا شاب ، وأبوكم حينما صرت رجلاً.
تعالوا إلىَّ ياجميع المتعبين والثقيلى الأحمال وأنا أريحكم. (مت 11 : 28)
تعالوا نُسَرّ ونفرح ونجعل كل أيامنا أعياداً حقيقية ، لا تخافوا ولا ترتبكوا بنير عبودية. تعلموا منى لأنى وديع ومتواضع القلب ، فتجدوا راحة لنفوسكم. (مت 11 : 29)
ياطفل المذود ، يامن أحببتنا أولاً وأتيت إلى عالمنا وديعاً متواضعاً، وصرت فى الهيئة كإنسان، واحتملت موت الصليب من أجلنا.... من فضلك لا تعاملنا حسب خطايانا ، بل حسب مراحمك المتسعة إقبلنا إليك.
لا تردَّنا فارغين ، إقبل توسلاتنا الهزيلة ، وصلواتنا الباهتة ، وتقدُماتنا التى لا تتناسب ومقامك الرفيع.
أذكرنا فى هذا العيد واحفظنا وثبتنا على الإيمان.
نشكرك لأنك لا تعاملنا مثلما نعاملك، ولا تجازنا حسب أخطاءنا ، فنحن نعرف أنك رؤوف ومتحنن وطويل الروح وكثيرالرحمة وبار.
نشكرك على عام مضى وعام يأتى. ونسألك أن تجعل من قلب كل واحد منا مذوداً لك إعتباراً من اليوم، فإن نفوسنا لا ترتاح إلا فيك.
أنت مصدر تعزيتنا وقوتنا، أنت فرحنا.
أنت عمانوئيل الحال فى وسطنا دائماً ، وشاهد على كل أحوالنا.
إرجمنا يالله ، ثم ارحمنا .
آمين
وكل عام وأنتم بخير
القس بولس فؤاد سيدهم
كاتدرائية السيدة العذراء بالخرطوم
7 يناير 2012