بقلم: إيهاب الهادي
نعانى كثيرا منذ اكثر من عام من المتاعب والاحباطات المتنوعة مابين نظام سابق ونظام حالى كما ارهقتنا التناقضات مابين الافراد وبعضهم بل ما بين الشخص ونفسه فى قبول أورفض الثورة اضافة الى الصناديق الزجاجية التى اغتالت الاحلام , وها هى الدعوات المتناقضة بحلول الذكرى السنوية الاولى تنهال من كل اتجاه , والحقيقة قلبى يقبل عودتها للتحرير لعلها تصلح ما أفسدته فى حين أن عقلى يقول كفى لا نحتاج للمزيد من السوء . وهكذا ضاق عالمنا بنا وصار متعبا لنا من شدة تعبه ,واصبحنا ننشد الراحة فلا نجدها .
احبائى اكتب لكم اليوم لكى لا أنشد الراحة لكم بل اريد ان ازعجكم أكثر , واتمنى النجاح فى ذلك . نعم اننى اسعى الى النجاح فى ازعاجكم وقبل ان تغلق تلك الصفحة فى هذا الموقع بحثا عن صفحة اخرى لا تزعجك وتقدم لك البهجة اقول لك لن تستريح اذا فعلت ذلك . لكن على اى حال لك مطلق الحرية أن تفعله , لكن ثق اننى ارحب بك دائما متى عدلت عن فكرك ورجعت الى تلك الصفحة لكى ازعجك .
وطالما انت اصبحت هنا فقد قبلت ان ازعجك لكن اسمح لى ان اوضح اى نوع من الازعاج أقصده من خلال تلك القصة البسيطة :
سافر زوجان للاستمتاع بثلوج الشتاء فى بلاد الشمال وهناك وسيلة المواصلات المعروفة العربة التى تجرها الكلاب وفوق عربة منهم استلقت الزوجة بينما كان الزوج يقود العربة وهو سائرا على قدميه . كانت المناظر بديعة واللون الابيض الرائع يضفى على الجبال و المكان نقاء يبعث السلام والسكينة فى القلوب , ومع الطريق استرخت الزوجة المستريحة وارخت جفنيها مستسلمة لهدوء الطبيعة وبدأت فى النوم فعلا . لاحظ الزوج ذلك فشد على لجام الكلاب حتى جعل العربة تسير بسرعة شديدة فوق المنحدرات والجبال مما جعل العربة تهتز بعنف والمرأة فوقها كادت ان تسقط على الجليد واستيقظت مذعورة تصرخ فى زوجها لكى يهدئ السرعة , لكن الزوج لم يتوقف عن الجرى حتى وصلا الى فندقهما وفى شئ من الضيق مما حدث سألته عن سبب ذلك فقال لها يا عزيزتى لو نمت فى العربة لتجمدت حتى الموت لذلك قصدت ازعاجك كى لا تستسلمى للنوم ...
ولعلك ادركت الآن لماذا اريد ان ازعجك ؟ أو بالأحرى لماذا يزعجنا الله ؟ بل لماذا يجب أن يزعجنا ؟هذا لاننا ربما على وشك ان نتجمد روحيا إلى الموت خاصة مع وجود الاحساس المتنامى بإقتناعنا بأنفسنا نتيجة تفكيرنا فى أنفسنا بطريقة تقليدية . لذا وجب على الرب أن يقلقنا بعنف .
والكتاب المقدس يخبرنا أن الله قد أزعج الكثيرين فهو يعرف كل شئ , وعيناه تخترقان استار الظلام , وكل شئ مكشوف وعريان لعينى ذلك الذى معه أمرنا . قال داود النبى قديما أين أذهب من روحك ومن وجهك أين أهرب إن صعدت الى السموات فأنت هناك , إن فرشت فى الهاوية فها أنت إن أخذت جناحى الصبح وسكنت فى أقاصى البحر فهناك أيضا تهدينى يدك وتمسكنى يمينك قلت انما الظلمة تغشانى فالليل يضئ حولى , الظلمة ايضا لا تظلم لديك والليل مثل النهار يضئ كالظلمة هكذا النور ... إن الله يعرف كل شئ لذا فهو يريد أن يزعجنا .
تصور معى أن هناك شخص ما يعرف كل شئ عنك كل حركة كل نظرة بل يدخل الى أعماقك ويعرف كل فكرة هل يزعجك شخص مثل هذا ؟ نعم يزعجك , يزعجنا لأنه يعرف كل شئ عنا . وهو يزعجنا أيضا لأنه لا يعرف لغة الحياد مع الشر والخطية فى الحق . إنه كالنور الكاشف الفاضح الذى يظهر عرى وخزى البشر ويميط اللثام عن الشر الدفين والفعل المستتر , لأجل هذا أحب الناس الظلمة أكثر من النور لأن أعمالهم كانت شريرة .
إن الله يعمد على إزعاجنا عندما يرانا نكاد نتجمد روحيا دون أن ندرى , فهو يهزنا من الأعماق لكى نستيقظ رجوعاً إليه .
ومن بين من أزعجهم الله النبى إشعياء فيحدثنا الوحى عن دخول إشعياء النبى الى الهيكل فيقول فِي سَنَةِ وَفَاةِ عُزِّيَّا الْمَلِكِ، رَأَيْتُ السَّيِّدَ جَالِسًا عَلَى كُرْسِيٍّ عَال وَمُرْتَفِعٍ، وَأَذْيَالُهُ تَمْلأُ الْهَيْكَلَ.
لقد أزعج الله اشعياء فى وقت الازمة و كانت الازمة متمثلة فى موت عزيا الملك الرائع التقى وكان أشعياء حزينا لموت عزيا لانه كان ملكا مباركا وصالحا وعادلا , وكثيرا ما شجع وعضد أشعياء نبى الله . لكن عزيا مات , وكان المشهد مظلما , لكن لنتذكر انه فى دار العرض السينمائى يجعلوا المكان مظلما لكى تبدو الصورة اوضح .
هل ضاقت الحياة بنا ؟ او ضقنا نحن بالحياة ؟ ليت الظلام الذى نجتاز به يكون سببا لكى نرى النور الحقيقى .
لقد مات الملك الارضى لكن هناك الملك السماوى حى لايموت لقد رآه اشعياء جالسا على كرسى العرش هو الذى يحكم وفى يده مقادير الامور ونحن قد نيأس او نخشى من القادم لمصر ولغيرها لكنه حى جالس على كرسيه وأذياله تملاء الهيكل .
لقد أزعج الله أشعياء لكنه أراه مجده فعرف أشعياء النبى الهه قدوسا عاليا , ورأى نفسه خاطئا نجسا , ورأى خلاصه معجزيا شاملا ... إننا عندما نلتقى الله تظهر خطيتنا فى ضوء وجهه ...إننا فى حضرته نبدو عراه من ثوب إدعائتنا ويسقط رداء ذوقياتنا وتظهر حقيقتنا .
كما أزعج الله بطرس عندما دخل الى سفينته واتخذ منها منبرا علم منه الجموع ولما فرغ من الكلام قال لسمعان ابعد الى العمق وألقوا شباككم للصيد . فاجاب سمعان وقال له يا معلم قد تعبنا الليل كله ولم نأخذ شيئا ولكن على كلمتك القي الشبكة . ولما فعلوا ذلك امسكوا سمكا كثيرا جدا فصارت شبكتهم تتخرق . فاشاروا الى شركائهم الذين في السفينة الاخرى ان يأتوا ويساعدوهم .فأتوا وملأوا السفينتين حتى اخذتا في الغرق . فلما رأى سمعان بطرس ذلك خرّ عند ركبتيّ يسوع قائلا اخرج من سفينتي يا رب لاني رجل خاطئ ... فقال يسوع لسمعان لا تخف من الآن تكون تصطاد الناس .
لقد امتحن نور المسيح الكاشف حياة بطرس فهزها بعنف , وكشف كل سقوط وعداوة , وحيلة , وتظاهر كاذب بالإحترام , فقد وخزه يسوع بمصل من الألم المغنى قبل أن يشفيه تماما .
وتكررت حوادث الازعاج التى تهز الحياة بعنف مع يونان والمرأة السامرية وغيرهم كثيرين
نعم إن حضور الله يكشف ما فينا .. إنه يعرف كل ما فى دواخلنا , ويفضحه أمام عيوننا .. والحقيقة إننا لن نعرف الشعور بالراحة بدون ألم مسبق يقتلع من نفوسنا شيئا مقلقا هو الخطية , وقبل الفرح بولادة الطفل لابد لأمه أن تعانى من ساعة الكرب , وحين ندخل إلى محضر الله لابد من الانزعاج والقلق .
إنها دعوى الآن لننزع عنا ثوب الرياء والتدين الظاهرى ... نقف أمامه ... أمام القدوس ...أمام عينيه الناقضيتين .
نعم سأشعر بالإنزعاج ... لكن مع الانزعاج أركع تائبا راجعاً إليه .