محمد حسين يونس
في مرحلة الطفولة لا يستطيع الانسان ان يفرق بين الواقع و الخيال Fancy وهو يخلط بين ما يتمنى وما يحدث .. بين ما يفهم وما هو واقع .. لذلك فهو دائما ما يتمسك باحتمالات غير واردة .. كأن يكون هناك عدالة ، رغم أن العدالة مفهوم انسانى متغير من شخص لشخص ومن مجتمع لمجتمع ومن ظرف الى ظرف ولا يمكن قياسه دون الوقوع فى عدم العدالة مادام لا يوجد قانون/ دستور/عقد اجتماعى متعارف عليه ومحترم .
او أنه " لا يصح الا الصحيح "، فى حين ان الفعل غير معروف من الذى سيقوم به ويجعله صحيحا و التعبير غامض غير متفق على معناه، حتى بين أفراد الجماعة الواحدة .
" العدالة والصحيح" هنا احلام .. أن يقوم ولى الأمر " الحاضن " بأخذ الاجراءات التى تعيد الحق لأصحابه كما يراها القائل من وجهة نظره وهو أمر مستحيل الحدوث .
النصيب ، القدر ، المكتوب كلها كلمات تعزية عن فقد الأمل فى التعرف على حقيقة الفعل وأسبابه واختباره للاستفادة منه فى عدم التكرار .
إننا كائنات ضئيلة في كون متسع لمالانهاية له .. قد نكون .. جزء من ذراع كائن ضخم سرمدى .. وقد نكون جزء من شجرة مزروعة في جنة رضوان .. وقد نكون أى شيء .. نحن نجهل من نكون .. ولكن إذا إمتلكنا الخريطة الجينية للكون .. فقد نصبح .. السوبر مان القادر علي التحكم فيه بواسطة جيناته التي أوجدت كائنات مشاغبة .. تصر علي المعرفة
وهكذا ذا سلمنا بان الحياة ـ كما نعرفها ـ تتبدى في اشكال عديدة منها البدائي مثل البكتريا و المركب مثل باقي الكائنات النباتية و الحيوانية حتي تصل الي قمة نضجها في الاشكال الواعية .. و انها ـ اى الحياة ـ لها اسلوبها الذى لا تحيد عنه بأن تبدأ بالبسيط حتي تصل الي المركب .. لا فارق في ذلك بين سلوك النبات (بذرة ، جذور ، ساق ، اوراق ، ثمار ) أو الحيوان ( بويضة ، جنين ، صغير يحتاج الي حاضن ، صغير يعتمد علي نفسة ، كائن كامل ) .. وأن النباتات و الحيوانات تسعي بشكل مستمر لتجديد تواجدها فيما يشبه القوانين الازلية .
و اذا سلمنا بان الحياة خلال رحلتها الطويلة عملت وفق قانون اخر يتصل بالقدرة علي التوافق مع البيئة المحيطة فابادت بعض الكائنات كالديناصورات و اجبرت اخرى علي التغيير لتبق مثل ذلك الحيوان الثديي الصغير الذى اصبح ممتلكا للوعي .
فان الانسلن كقمة وعي الحياة بذاتها لا يشذ عن هذه القوانين بل لقد سلك بنفس الطريق و اتبع نفس النمط خلال رحلة انتاجه لمعارفه و حضارته ..
فاللغة التي بدات اشارات ، فاصوات ، فدلالات ، تطورت لتصبح محملة باعقد النظريات العلمية والفلسفية علي الرغم من اختفاء بعضها و تدهور اخرى، فان الارتقاء كان الحصيلة النهائية .. انها نتاج بشرى شكلته نفس قوانين الحياة الازلية كما شكلت الفن و اعداد الطعام و التداوى و الملابس و المساكن ووسائل النقل و الاتصال .
قانون الحياة لا يرحم ولا يتوقف و لا يجامل انه قانون مثل قانون الجاذبية الارضية ، المد و الجذر، حركة الكواكب .. قانون من البسيط للمركب مع تنحية غير المتوافق و لا امل في تعديله .
المجتمعات البشرية ـايضا ـ خضعت لهذا القانون ، كانت قطيع بشرى هائم ، فقبيلة متنقلة ، فاسرة مستقرة ،فقرية متعاونة ، فمدينة متعددة الانشطة ، فدولة ثم مجتمع بشرى متناقض الميول و الاهداف .. ومع ذلك فيبدو ان الانجازات التي قامت بها القبيلة البشرية عبر عشرون الف سنة ـ هي عمر وعيها ـ لم تكن كافية لعمل انتقال متوازن من مرحلة الطفولة الحاضنة الي التطور الخاص بالكائن الناضج ..
المجتمعات البشرية اليوم تعاني من انفصام قاسي بين مراحل التطور البشرى المختلفة يتراوح بين تقدم و انسانية سكان اسكندنافيا ( حاملي الوعي و العقل و الضمير ) في تناقض مع بدائية و تسطح اهل الجزيرة العربية (الذين يروجون لعودة العبودية و تجارة الرقيق ) كل منها يقع في مرحلة مختلفة علي سلم التطور البشرى فالاولي تكاد تطرق بقوة علي ابواب عالم النضج و الاخرى لا زالت تحتاج لحاضن (مادى و معنوى ) الدور الذى قام بة دائما الحكام و رجال الدين .
المجتمعات التي تسابق الزمن لاستكمال نضجها الانساني خففت من نفوذ الحكام و اوقفت تأثير رجال الدين ( الحكام بالديموقراطية و احترام حقوق الانسان .. و رجال الدين بفصله عن الدولة و حصر نشاطه في المعبد ) اما المجتمعات التي لازالت تحبو فانها تتمسك بتجميد اللحظة و ترجو العودة الي رحم الام ايام الزمن الجميل المفقود بالوعي .
ما تفجرة انتفاضات الشارع في المنطقة بمثابة الاضواء الكاشفة التي تظهر مدى عجز هذه المجتمعات علي تخطي مرحلة الطفولة البشرية في تناقض مقلق مع سرعة وتيرة تقدم الاخر و الذى يبدو انه يمهد لنا مفاجأة انقراض بفعل التخلف و عدم التوافق مع البيئة .
أن لغة التقدم تغيرت عبر القرون .. و أصبحت تعتمد علي الفلسفة والمعمل و التجارب و إرتياد المجهول والعمل الجماعي .. وأن هذا إنعكس علي سلوكيات المجتمع و تصرفات أفراده والاليات التي تنظم العلاقة بين منتسبيه ..و أنه خلال النصف الثاني من القرن العشرين تباعدت الاسباب بيننا و بين من أصبحوا أحرارا في تفكيرهم لا يخيفهم ضابط و لا كاهن فإرتفع سقف الابتكارلديهم و التعلم لمدى لايمكن إدراكة لاصحاب العاهات الثقافية الذين مصيرهم إذا ما تنفسوا السجن و الفقر و التجاهل .. و الاستخفاف .