محمد حسين يونس
يصنف العلماء مستوى الحضارات .. طبقا لقدرتها علي إنتاج الطاقة .. و تخزينها .. والسيطرة عليها و إستخدامها .
و أن الطاقة المتداولة لدى (كائن ما) تدل علي مدى إمتلاكه لخاصية التفكير و الإستنتاج .. و الدراسة و الأدوات التي لديه وإسلوب العمل بها .. أى مستوى تحضرة
و هم يقسمون الحضارات التي من المفترض أن تكون بالكون إلي خمس درجات ..كلها تتقدم علي حضارة البشر الذين في أحسن الظروف كما قدر الفلكي الأمريكي كارل سيجان عام 1973، حضارة من نوع (0.7) (( بناء على استخدامنا للطاقة، ومع المزيد من التقييمات التالية فإن موضعنا الآن هو حوالي (0.72) على مقياس كارداشيف))
فلنقترب بحرص من الموضوع بمراجعة ما حدث لسكان هذا المكان خلال 16000 قرن .. قبل أن نتوغل في الفضاء للحديث عن حضارات ذات درجات (1، 2، 3 ، 4، 5 ).
إستغرقت مسيرة الإنسان علي درب تطوره مئات الالاف من السنين .. مرت فيها الإنسانية بمرحلتين أساسيتين .. أحداهما بطيئة طويلة تبدأ مع وعي الهوموإريكتوس منذ 1.6 مليون سنة .. و حتي مطلع القرن العشرين ..
و الثانية متسارعة التطور دشنتها الحرب العالمية الثانية (1938 ) و إستمرت يغذيها تنافس القوميات المختلفة حتي اليوم .
الإنسان البدائي و لمدة طويلة لم يستخدم إلا الطاقة المنتجة بواسطة العناصر الطبيعية من النبات و الحيوان عن طريق (الطعام ) أى الأكل و الهضم وتحويل الطاقة المختزنه بداخلها لطاقة نموه هو و حركتة..هنا كان لا يختلف كثيرا عن الحيوان.. فلم يكن قد خطي بعد علي سلم التحضر .
عندما إكتشف النار .. وإستعمل الأدوات للصيد و البحث عن الغذاء وتبادل الحديث بلغة بدائية و إستفاد من عناصر الطبيعة كاالكهوف والينابيع الساخنة.و الريح و تيارات المياة في الأنهار .. تغيرت حياته بكاملها و وضع قدمه علي بداية سلم التحضر أو ما يمكن ترقيمه علي مقياس ”كارداشيف“ للحضارات في حدود (0.1).
عندما بدأ ينحت الحجارة ويحولها إلى أدوات، وإستخدم قوة الحيوانات المستأنسة ..إنتقل إلى العصر الحجري و إرتقي عُشر درجة أخرى ليصبح (0.2)، لقد كان البشر بإمكانهم معرفة كيفية إضرام النار واستخدامها لصالحهم، واستخدام إشارات الدخان للتواصل مع القبائل البعيدة و النزوح لجميع أنحاء الأرض.
مع استمرار التطور يكتشفون المعادن ، لقد كان الانتقال من العصر الحجري إلى العصور المعدنية بطيء إستغرق الجزء الأكبر من زمن مكوث الإنسان علي الأرض..وإنتهي بالتوقف عن إستخدام الحجارة و إستبدالها بالنحاس والبرونز ثم التقدم إلى سبك الحديد لتحل الأدوات المعدنية محل الحجرية..و تنتصر الأقوام مالكة الأسلحة الحديدية علي ما سواها و تبدأ تتكون مجتمعات أكثر تطورا علي ضفاف النيل و دجلة و الفرات .. و قد يكون في الهند والصين أيضا .
ما بقي لنا من تلك الفترة الزمنية بعض المعابد و القبور .. المبهرة .. لقدرة البشر علي إقامتها بأدوات بسيطة أولية .. مستخدما طاقة الحيوان و الإنسان ( العبيد ) ..و فنون الصناع المهرة ... حتي أن البعض .. يشكك في عدم إتساق النمط الحضارى (أى الطاقة المتحكم فيها ) مع هذا الإنتاج .. و يشير صراحة أو تلميحا أن كائنات أكثر تقدما عاشت في هذه الأماكن و أقامت هذه المنشئات ثم إختفت .
مع إكتشاف الفحم أو الوقود الحيوى المأخوذ من آبار محلية .. ليحل محل الخشب لتوليد طاقة حرارية حدث تطور درامي في مجالات عديدة منها الصناعة التي غيرت من نمط حياة البشر .
في هذه المرحلة إستطاع الإنسان تأمين الاكتفاء الذاتي من الطاقة وبدء صناعة وتطوير منشئات التي تسمح بتخزين المياه، و تطوير شبكات توزيعها في المدن والقرى ليرتفع مقياس الحضارة ويصبح (03).
و مع ذلك فما قام به الانسان حتي ذلك الزمن كان تسخيرا لطاقة الرياح (قلوع المراكب ) والمياه ( الأمواج و التيارات في الأنهار و البحار ) لإنتاج كمية ضئيلة وغير كافية من الطاقة وببطء شديد.
النقلة التالية كانت استخدام الوقود المدفون في الأعماق على نطاق واسع، النفط أو الغاز الطبيعي ليقطع الناس شوطاً طويلاً علي مسار التقدم والتطور، والذي عرف باسم ((الثورة الصناعية)) حيث إستخدمت طاقة البخار ثم الكهرباء. ليصبح للبشر حضارة توازى (0.4 ) علي مقياس كارداشيف.
خلال الثمانين سنه الماضية تم الاكتفاء من الكهرباء و بدأ التطور يتجه نحو قياسات الحضارة الكونية بمعدل مذهل حيث أستخدمت الطاقة النووية .. و الشمسية .. و أمواج البحر .. والرياح ..و الوقود الحيوى فضلا عن الكهرباء و البترول ....لتظهر أنظمة النقل السريع (التي تمكن الناس من عبور كوكب الأرض ).. والأسواق العالمية والأنشطة التجارية
بالإضافة الى أنظمة للاتصالات العالمية والثورة التكنولوجية ( كومبيوترات كمية ضخمة ) و إكتشاف منظومة الـDNA والنانو تكنولوجي، فضلا عن التقدم في المجال الجيني لنحقق علي مقياس الحضارة في قرن .. ما لم نحققة في 16000 قرن .. و نصل إلي (0.72 )..
نحن كبشر مستمرون بالتقدم العلمي وماضون في هذا الطريق لا محال.. و لكن المحزن .. أنه خلال التطور البطيء للحضارة كنا كسكان هذا المكان ( كيميت و بابل و الشام ) في مكان الريادة .. و عندما بدأت وتيرة التغير في التسارع مع بداية القرن العشرين .. تذيلنا الصفوف .. و توقفنا عن المساهمة .. و إكتفينا بإرث الأجداد نردده كالببغاوات .
حتي بعد طفرة إكتشاف البترول في أرضنا و تداول و إمتلاك بعض الأدوات الحديثة بدا كما لو كنا ننتمي للقبيلة البشرية .. إلا أن بناء المدن و الطرق و الكبارى و ناطحات السحاب .. و أطول و أضخم و أعلي منشئات تضعنا في الموسوعات و لكنها لا تنفي أن إنتمائنا للبشرالمعاصرين هو إنتماء شكلي طفيلي لا أساس له من المعرفة .. و العلم أو إمتلاك الأدوات التي تجعلنا .. ننتج و نخزن .. و نسيطر علي الطاقة المتيسرة لنا و نستخدمها الإستخدام الأمثل .
لا زلنا (للأسف )رغم مرور الأيام نقف عند علامة مستوى (0.4 ) حضاريا أى بعد الثورة الصناعية بقليل
و هكذا إذا أردنا المضي قدما إلى حيث أصبح البشر المعاصرون فيجب أن نستثمر في العلم والتعليم، لقد سبقونا ..لاننا أضعنا طاقتنا في الصراع الداخلي و لم نكن إنسانيون كفاية بحيث إستخدمنا التطور العلمي كأداة قهر عسكرية فاشيستية مهلكة تعيق تقدمنا.(( نكمل حديثا باكر )) .