محمد حسين يونس
مع الحرب العالمية الثانية (1938 -1945 ).. تزايدت أعداد النساء اللائي إلتحقن بالتعليم بجميع مراحلة وكان بعضهن من نساء الريف..واللائي إشتركن في العملية الإنتاجية .. كما ضمت الأحزاب الليبرالية و اليسارية عضوات فاعلات منهن .. لتتعدد الأفكار والأيدلوجيات والأهداف والاساليب بين عضوات الحركة النسوية،التي بدأت تتجاوز تكوينها النخبوى لتضم عناصر من شرائح أدني في السلم الإجتماعيى .
وهكذا اتسمت تلك المرحلة بنهج أكثر راديكالية . وتعالت أصوات الأجيال الشابة من المتأثرات بالحركات الطلابية والعمالية يطالبن بالمساواة ، ولم يعدن راضيات عن وضع الإتحاد النسوي المصري الأرستقراطي الطابع ... . بل صرحن أن تكتيكات وأساليب عمل الأميرات والهوانم قد ولى زمنها ، واحتاجت للتجديد، فلم يعد كافيًا إنشاء المبرات الخيرية...( دون إنكار) أهميتها... أو توزيع العطايا و أن مثل هذه السلوكيات ليست بحل مناسب لمشاكل المجتمع المزمنة
لقد تطور مفهوم المساواة في الحقوق، مع تغير المفاهيم السياسية بالشارع ..فلم يعد يعني فقط الحق في التعليم، ولكن تعدى ذلك المنظور بكثير.
((عام 1942، أُنشى الحزب النسائي المصري، والذي ترأسته فاطمة نعمت راشد، حيث نادى باستكمال المسيرة للمساواة بين النساء والرجال في التعليم، والعمل، والتمثيل السياسي، والحقوق. كما نادى بأجازة وضع مدفوعة الأجر للنساء العاملات)).
و((تشكل اتحاد نسائي أخر عام 1948، بعنوان ( بنت النيل) كان شاغله الرئيسي هو الحصول على كافة الحقوق السياسية للنساء. و التركيز على إشراك المرأة في عمليات اتخاذ القرار. كما دعم برامج محو الأمية، و تحسين الخدمات الصحية بين الفقراء، و تعزيز كفاح المرأة والعناية بالأطفال)).
وكانت درية شفيق قائدة الحركة، قد عكست التوجه الليبرالي للنسويات الحديثات، والذي تحدى نشاطهن الدولة بشكل ظاهر ففي عام 1951، اقتحمت درية شفيق و1500 امرأة البرلمان، مطالبات بحقوقهن السياسية كاملةً، واصلاح قانون الأحوال الشخصية، ومقابل عادل لساعات العمل.
وهكذا ما أن هلت خمسينيات القرن الماضي ..حتي كانت مصانع المحلة الكبرى و كفر الدوار تمتليء بالعاملات القادمات من القرى المجاورة ..و بنات الريف ينضممن للترحيلة جنبا إلي جنب مع شبابها ..بل يشاركن في طبلية الخرسانة يحملن القصعة و يتحركن في طوابير طويلة لصبها.. و بعضهن يعملن في المدن خادمات و تمرجيات أو بياعات لمنتجات الريف في الأسواق الإسبوعية .. و من تعيش في القرية لا يتوقف جهدها منذ الفجر حتي العشاء تحمي الفرن و تخبز و تحلب الجاموسة و تصنع القشدة و الجبن و تراعي الدواجن و تجمع البيض و تجهز الطعام ..
نساء عاملات مجهدات لم يتغير سلوكهن أو ملابسهن أو أغانيهن ..و رقصهن في المواسم و الأعياد عن جداتهن .و لم يتأثرن بهدى شعراوى أو حسن البنا .
وكان بالمدن طبقة وسطي من النساء اللائي يرتدين ملابس عصرية حاسرات الرأس ..يمثلن نتاج حركة نسائية قوية ( بعد إقبال الشابات علي الفور والتعليم بكل مراحله ) .. سيدات يعملن في مهن مختلفة منها التدريس و التمريض و السكرتارية و البيع بالمحلات الكبرى .. و بعض الممثلات في المسرح و السينما مثل عزيزة أمير و بهيجة حافظ وفاطمة رشدى و أمينة محمد .. ثم أسيا و مارى كوين .. .. و رائدات في الصحافة .. و قيادات تعليمية نسوية .. و أعتقد أن في ذلك الزمن كان هناك سيدة تقود طائرة..
الأميرات و الطبقة العليا .. كنت تراهن في الإحتفالات .. و الأعمال الخيرية ....و تملأ صورهن الجرائد جميلات في ملابس فاخرة و ز ينه مكلفة ..و تدور الأحاديث و النميمة حولهن في الجرائد و المجلات .. و لكنهن خارج إطار بنات الشعب لهن مجتمعهن الخاص الذى يصعب اختراقة حتي لاسر الباشاوات المحدثين.
و كانت هناك أسماء نسائية تلمع في كل المجالات ..مثل صفية زغلول ،أسماء فهمي ، عائشة تيمور ، أمينة السعيد ،حكمت أبو زيد ،درية شفيق ،سهير القلماوي ،فاطمة راشد ، عائشة عبد الرحمن ،مفيدة عبد الرحمن ،ملك حفني ناصف ،نبوية موسى ، نفوسة خليفة ، عزيزة خليفة ،نعمات أحمد فؤاد ،نوال السعداوي ،هدى شعراوي ، سيدات ناضجات مؤثرات في محيطهن ..بعضهن إزدهرن قبل 1952 و البعض من خلال الحراك التالي .
الشارع المصرى في بداية خمسينيات القرن الماضي .. كان مشبعا بعوامل التغيير .. و الثورة ضد المحتل .. و الأرستقراطية الحاكمة المنفصمة عنه ....و كانت الأحزاب الفاشيستية ( مصر الفتاة و الأخوان المسلمين ).. و اليسارية .. و الشيوعية و القومية .. لكل منها أجندتها الخاصة و جرائدها .. و كوادرها من الرجال و النساء و حركتها بين الجماهير
في ذلك الزمن كان هناك العديد من الكتاب و الفنانين الذين يدعمون حركة تحرير المراة .. سنأخذ منهم مثالا سلامة موسي.. في كتابه المرأة ليست لعبة الرجل .. حيث كان يطالب فيه من الأغلبية غير المتطورة
(( إني أدعوك أيتها المرأة المصرية إلي أن تثبتي وجودك الإنساني و الإجتماعي في الدنيا بالعمل و الإقدام و أن تختارى حياتك و إختباراتك )) . ..(( أدعوك أن تدربي ذكاءك و تربي شخصيتك و تستقلي في تعيين سلوكك و تزدادى فهما و خيرا و نضجا بالسنين )) ..(( لا نكوني لعبة نلعب بك نحن الرجال للذتنا نشترى لك الملابس الزاهية و الجواهر المشخشخة و نطالبك بتنعيم بشرتك و تزيين شعرك و كأن ليس لك في هذه الدنيا من سبب للحياة سوى أنك لعبتنا نلعب بك و نلهو )) .. لقد كان العم (سلامة) متأثرا بمسرحية الكاتب النرويجي إبسن ( بيت الدمية ) والتي يبشر فيها بتمرد النساء و تغير دورهن في المجتمع .
كان للفن خصوصا السينما و الأغاني المذاعة في الراديو و الأدب دور هام في تعديل مفاهيم البرجوازيات المصريات .. يمكن مشاهدة أثاره في الأفلام المبكرة أو قصص كتاب ذلك الزمن .. و بالخصوص طه حسين .. الحكيم .. ثم نجيب محفوظ بعد ذلك .
الأخوان المسلمين خلال هذه الفترة .. كانوا قد خاضوا معارك إغتيالات متبادلة بينهم و بين الحكومة أدت لوفاة رئيسي وزارة أحمد ماهر و النقراشي .. و تصفية حسن البنا .. لذلك لم يظهر علي السطح كوادر نسائية عدا زينب الغزالي و لم يزاولوا إلا ما بدأ به مرشدهم الأول ..في تقديم بعض الخدمات لفتح مشاغل أو فصول تعليمية أو كتاتيب تحفيظ القرآن أو تقديم مساعدات إجتماعية للمحتاجين أو ترديد بعض الإرشادات .
و لكنه كان دورا ضعيفا في المدن لا يوازى المد الذى يغير من كينونة نساء الطبقة الوسطي .. لدرجة أن المرشد بعد 52 و كان قد تصور أن الضباط المنقلبين .. من رجاله .. طلب من عبد الناصر أن يجعل نساء مصر تلبس ( طرح ) و لكنه كما جاء في خطبة شهيرة له رد (( عندما تلبس إبنتك الطبيبة طرحة سأقوم بهذا )) . .( نكمل حديثنا باكر )