محمد حسين يونس
لقد نضجت المرأة (البرجوازية ) المصرية من خلال مشاركتها .. في الهم القومي ..ولدت مع حركة تحرير المرأة 1919.. و تطورت من خلال فترة التحول الليبرالية التالية .. و نالت حقوقها القانونية مع التحول الإجتماعي و السياسي الواسع الذى صاحب الستينيات .
و لكنها في نفس الوقت لم تنل نفس الحقوق علي أرض الواقع .. لقد كانت التقاليد .. أقوى من القانون .. لذلك ظلت المراة علي حالها في القرى لا تتغير إلا قليلا بسبب التلفزيون الذى دخل حتي أصغر نجع ..و في المدن كانت الإختيارالثاني بعد الرجل عند شغل الوظائف أو الدرجات العلمية أو الإنتخاب للبرلمان .. أو توزيع التركة ..ومواطن درجة ثانية في منازل الأسر ذات الأصول الريفية المحتفظة بقيمها و أفكارها .. دون تعديل .
لذلك ظلت المراة دائما في حاجة لحماية .. في مواجهة عدوانية و شراسة مجتمع الرجال .. ليتحول كفاحها خلال الستينيات إلي سلسلة من المحاولات لإثبات الذات في مواجهة المجتمع الذكورى .. و لتصبح صيدا سهلا إستغلته الحكومات عند التصويت في الإنتخابات و الإستفتاءات لتسيرها كيفما تريد .
بعد هزيمة 67 كان سكان مصر يتكونون من طبقة رفيعة للمستفيدين برأسمالية الدولة .. تجدها علي كراسي الحكم ومراكز إتخاذ القرار و في البرلمان و مجالس إدارة شركات القطاع العام و مؤسسات الدولة و في المصايف و الملاهي و أماكن الترفية .
ثم طبقة عريضة مترهلة من سكان المدن المختلطين بالنازحين من الأرياف ..تحمل تناقضات الأصول الريفية مع سمات أهل المدن ..تائهه مترددة .. خائفة .. و في نفس الوقت إنتهازية تنتظر لحظة الوثوب .
ثم أغلبية من الفلاحين ..تقودهم الجمعيات التعاونية الزراعية البيروقراطية ..و العمال توجههم نقابات هيكلية .. تعبر عن وجهات نظر حكومية ... أغلبهم يجهل القراءة و الكتابة .. يعاني من الإحتياج و الفقر .. ينتظر الخروج إلي مجالات الامان ببيع قطعة من أرضة داخل كردونات القرى .. أو تجريف الأرض و بيعها لمصانع الطوب أو الهجرة للمدن و الدول العربية .
من بين هؤلاء ..لم يكن يؤرقه الهم العام إلا الطلاب فقد أخرجت منظمات الشباب أعدادا من الصبايا و الشباب المثقفين سياسيا .. و الذين رفضوا الهزيمة .. و ثاروا لاول مرة ضد المتسببين فيها ..
و هكذا كانت الحركة الطلابية بشقيها 68 و 72 المفرخة التي قدمت لنا .. نماذجا إيجابية من الشباب المحب لوطنه .. و شابات رائعات عندما أشاهد فتايات لبنان المتظاهرات اليوم بعد ما يقترب من الثلث قرن .. أتذكرهن .. أروى صالح .. سهام صبرى.. سلوى بكر.. ليلي عوني .. ليلي الرملي ..سوزان فياض ..سوسن الزنط .. سامية صالح ..و أخريات . كانت همومهن .. هي هموم الوطن .
لن أطيل في الحديث عن الحركة الطلابية فهناك دراسات و كتب عديدة كتبها صناعها .. و بالخصوص أحمد شعبان .. و أحمد عبداللة رزة .. و أروى صالح .. و فتحي إمبابي .. و لكن سأنقل عبارة المهندس أحمد شعبان ..((من رحم هزيمة 1967، ولدت الحركة الطلابية الجديدة في السبعينات، من انهيار المُثل وخيبات الأمل واكتشاف حجم المأساة والإحساس العميق بوطأة الاحتلال، ومن مهانة الوضع القائم في مواجهة الرايات الصهيونية المختالة التي كانت ترفرف فوق التراب الوطني المقدس، انفجرت صواعق الغضب الطلابي)) .
مات عبد الناصر في سبتمبر 1970، وتولى أنور السادات،القادم بأجندة مخالفة لسلفة .. بدأت بالإصطدام مع الحركة الطلابية عام 1972 .. ثم إقتحام الحرم الجامعي لفض إعتصام الطالبات و الطلبة و إعتقالهم و محاكمة بعض منهم .. ثم مطاردتهم بواسطة جماعات الإسلام السياسي لتتغيرشكل الحياة في مصر ..و تبدأ الحركة النسوية عصرا جديدا يقوده لاول مرة حفيدات حسن البنا .
ففي عام 1972، نُشر كتاب نوال السعداوي المرأة والجنس،طالب الكتاب بمعيار موحد لمفهوم الشرف لكل من النساء والرجال، وهجر الممارسات الاجتماعية التي تستغل الدين لتبرير اضطهاد المرأة.
((سبب الكتاب رد فعل عنيف داخل المجتمع المصري، خاصة لأنه جاء مع صعود الأصولية الدينية في البلاد)) .
عندما كان بمصر أميرات و هوانم ..كن النموذج و المثال لسيدات و أنسات الطبقة الوسطي .. و عندما زال زمنهم ..إنتقلت القدوة لتصبح لخريجات الجامعات من طبيبات و صيدليات و مهندسات أو لنجوم المجتمع من الصحفيات و مذيعات التلفزيون أو الممثلات .
مع تقديم الوهابية للمصريين .. لم يكن الأمر صعب بالنسبة لساكنات الريف .. و الأحياء الشعبية .. فهن في كل الظروف يزاولن نفس الطقوس و السلوك .. مهما تغيرت الأمور حولهن .. ولكن لتأمين عدم تأثير التلفزيون عليهن أعطاهم الوعاظ السند الديني و جعل الرجال القيمون عليهن أكثر حرصا علي ألا يتغير الواقع .
ثم قاد المشايخ حملة لا تتوقف علي رموز النموذج و المثل .. و كان للشيخ كشك جولات و صولات بهذا الخصوص ثم تلاة سيادة الشيخ الوزير .. لم يسلم منهم حتي السيدة أم كلثوم .
و حاصرت القرية المدينة .. تسللت حتي نهاية الثمانينيات من خلال الدارسات الريفيات .. و بنات الأحياء الشعبية .. ليسود الزى القروى علي المدني .. و في بعض المراحل كانت الأنسات المعنيات يتم إغراؤهن بالمنح و الهدايا المتصلة بالمظهر .. ثم جاءت الضربة الكبرى بعد زلزال 1992عندما إستطاع الدعاة جعل بعض الممثلات ( بطرق مختلفة ) يعدلن من مظهرهن .
مع تغير سلوك السيدات القدوة ( الجامعيات ) و ( الممثلات ) و ( بعض الشخصيات العامة ) تغير شكل الشارع المصرى .. خلال الفترة حتي 2011 .. كانت معظم ساكنات المدن .. عدا جزر منعزلة في الزمالك و جاردن سيتي و مصر الجديدة .. غير سافرات .. و لا يفترقن عن الريفيات .. لقد إنتقم الريف من المدينة و غزا نساءها .
الامر تم .. بسلاسة غريبة .. بحيث جعل البعض يتصور قوة سحرية .. لمن قاموا به .. و لكن هذا غير دقيق .. فالأخوان المسلمين لم يحققوا هدفهم و يلبسوا المصريات الطرح كما أرادوا في بدايةأحداث يوليو 52 .. و السلفيين لم يحولوا إلا أعداد بسيطة من السيدات للعودة للبرقع بعدما خلعته هدى شعراوى 1923
.. المصرية لم تغير من إسلوب إرتدائها لملابسها منذ قرن سواء في الريف أو في الأحياء الشعبية .. و لم تكن تحتاج لضغوط الرجال لكي تحافظ علي مظهرها التقليدى .. و نساء الطبقة المتوسطة في شريحتها الدنيا وجدن أن المظهر الجديد يوفر كثيرا ..و في شرائحها العليا سرعان ما تبدل مظهرهن علي طرفي النقيض و إن ظلت سيدات الأحياء الارقي علي حالهن منذ الستينيات .. فأثناء الثمانينات، تكونت مجموعات نسوية لمواجهة الأصولية الدينية. مثل حركة المرأة الجديدة في القاهرة، والتي ركزت على دراسة التاريخ النسوي للبلاد بهدف تحديد برنامجها لاتخاذ أخر ما توصلت له الحركة النسوية كنقطة انطلاق. وتشكلت منظمة أخرى وهي لجنة الدفاع عن النساء وحقوق الأسرة عام 1985. بهدف دعم حملة تعديل قانون الأحوال الشخصية....(( نكمل حديثا باكر عن أحداث 2011 )).