الأقباط متحدون - مبادئ الشريعة الإسلامية . بين الدين والسياسة (1)
أخر تحديث ١٥:٠١ | الخميس ١٦ فبراير ٢٠١٢ | ٨ أمشير ١٧٢٨ ش | العدد ٢٦٧٢ السنة السابعة
إغلاق تصغير

مبادئ الشريعة الإسلامية . بين الدين والسياسة (1)


بقلم : نبيل عبد الملك
 
 فى حديث لي ببرنامج "وطن ف المهجر" على موقع الأقباط متحدون، بتاريخ 5 فبراير**،  وكان موضوعه الأساسي حول الأوضاع  المضطربة التي تمر بها مصر، من عنف منفلت وتحديات المرحلة الإنتقالية وخاصة ما يتعلق بتسليم الحكم إلى سلطة مدنية وتعارض الرؤى السياسية بين التيارات الفاعلة،  تطرق الحديث فى جزءه الأخير إلى موضوع الدستور الجديد، ونظام الحكم الديموقراطي وتحقيق أهداف الثورة المتمثلة فى "الحرية والكرامة والعدالة الإجتماعية. وفى هذا السياق، جاء ذكر الشريعة الإسلامية والمادة الثانية من الدستور، والتي كانت قد عُدلت فى عام 1971 لتنص على أن "الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي من مصادر التشريع."  
 
     وكما هو معلوم، لمن عاصر تلك الفترة عن قرب أو من درسوها، أن الإضافة لم تكن فى الجوهر لتطبيق الشريعة بالمفهوم "الديني" الشعبي، ولا حتى بالمفهوم القانوني، بقدر ما كانت أداة استخدمها الرئيس السادات لوضع مادة دستورية جديدة تسمح له بالترشح لرئاسة الجمهورية لفترات غير محدودة. 
    أذكر هذه النقطة، كمثال على استخدام هذه المادة، بشكلها الجديد، لأوضح الجانب السياسي فى استخدام "الدين" ليس فقط  لتحقيق مأرب سياسي محدد، أي تمديد مدد الرئاسة، وإنما أيضا لتأسيس "شرعية" الحكم آنذاك. فقد استلم السادات الحكم ولم يكن له أي رصيد عند الشعب المصري أمام "كاريزما"  شخصية "الزعيم المُلهم والخالد" جمال عبد الناصر. هكذا قالوا ، وكان هو الحال عند الغالبية العظمي من المصريين آنذاك.  
 
    ولا شك أيضا فى أن هزيمة العرب فى حرب 1967 كان لها أثر مباشر وقوي فى ظهور التيار الديني كقوة معنوية فى مواجهة "العدو الصهيوني" الذي لم يكن نصره إلا بسبب "بعدنا عن الدين وشريعته" وهذا ما قاله الجميع أيضا، المؤسسات الدينية والتعليمية والعسكرية. 
     هدا واقع الأمر، ولم يكن فى مصر فقط، بل وفى الغالبية العظمى من الدول العربية التي عدلت فى دساتيرها، ونصت على أن الشريعة مصدر (أو المصدر حسب تعديل عام 1981) الأساسي للتشريع. وهنا مرة أخرى يمتزج الديني بالسياسي.
 
     ولكن الملاحظ، أن لا السادات ولا مبارك قد طبقا الشريعة كما تطبقها السودان، أو باكستان، أو السعودية مثلا. ومع ذلك، فقد طُبقت "أحكامها"، أو فقهها، على الأقباط على يد بعض القضاة المتعصبين فى حالات عدة، وخاصة فيما يتعلق بشهادة المسيحى فى  القضايا التي كان  فيها طرف مسلم، أو فى قضايا الطلاق الناجمة عن تحول الزوج أو الزوجة إلى الإسلام، وما يتبعها من أسلمة الأطفال قسرا بإدعاء "علو الإسلام" وإنتفاء "ولاية" الطرف المسيحي لصالح الطرف الذي أسلم! 
 
     الأخطر من كل ذلك، هو تصاعد العنف الديني (وليس الطائفي، كما يسمونه) ضد الأقباط على مدى أربعة عقود، على يد الجماعات "الجهادية" من سبعينات القرن الماضي ثم على يد العامة من سكان القرى والعشوائيات مند التسعينيات وإلى اليوم. 
     وهنا لا أستطيع أن أقول أن هذه الهجمات مؤسسة على الشريعة الإسلامية بأي حال، إنما هي مؤسسة على أقوال فقهية عنصرية كتبها إبن قيم الجوزية وإبن تيمية (على وجه الخصوص)، ولا علاقة لها بصحيح الإسلام (القرآن والسنة الصحيحة).
     ان من يُلام على كل هده الأحداث هي مؤسسات الدولة، من رئاسة الجمهورية والمجلس التشريعي  وجهات فى القضاء المصري حتى جهاز الأمن والشرطة وبعض رجال الدين الإسلامي من المتعصبين، ومؤسسات التعليم والإعلام.
 
     لمادا؟ لأنهم جميعا لم يتخذوا أية إجراءات عملية لإصلاح المناخ العام وتنظيم العلاقات الإجتماعية بين الأقباط والمسلمين على أسس من العدالة والمساواة والقانون. ولكن قد يسأل البعض مرة أخرى: لمادا لم يتخذوا أية إجراءات فعالة للتغيير؟
     مرة أخرى، وبالإضافة إلى ما سبق وقلت، أرى أن ما نحن أمامه هو فى صميم الواقع "سـياسة" وليس دين على الإطلاق. المشكلة فى عمقها وجوهرها – من وجهة نظري - كما بينت بأمثلة، أن من هم فى السلطة ما برحوا يستخدمون الدين للسيطرة على العامة، ولا حساب لأقلية أو للوطن ذاته، فيكفي عليهم التعامل مع الأغلبية، والسيطرة عليها. هذه هي طبيعة الإستبداد فى كل تاريخ من حكموا مصر فى الخمسين عاما الماضية، وقبلها مند الحكم البيزنطي وإلى عصر المماليك: قهر المصريين سياسيا واجتماعيا، والأقباط بشكل أكبر، ولكن بغطاء ديني!
     إدا كان الأقباط – والمسلمون أيضا فى بعض الفترات - قد عانوا فى القديم تحت معظم فترات الحكم الإسلامي العربي، فقد نتفهم ذلك، ولا نتوقع غيره من مستعمر أو غاز أو مستوطن. أما اليوم، فالموضوع مختلف. 
 
     نحن فى عصر لم تشهد البشرية مثيلا له فيما يتعلق بالحرية الإنسانية – أفراد وجماعات وشعوب – وبالتالي فلا مكان فيه للإسـتبداد  "الملتحف"  بالأيديولوجيا، سواء كانت قومية أو دينية.
    نعم، مصر تحديدا، وكل البلاد ذات الأغلبية الإسلامية، تواجه "معضلة سياسية" موروثة، ولم تتطور عبر ألف عام. ويجب أن نعلم أن الصراع "سياسي إسلامي" داخلي من الأساس ومن بداية ما يعرف بالحكم الإسلامي، وخاصة منذ عهد عثمان بن عفان. 
    الأمر اليوم مختلف تماما، فهناك ملايين من المسلمين ممن يؤمنون بالديموقراطية والحرية والعدالة وغير دلك من المبادئ الحديثة والآليات السياسية التي دفعت بدول كثيرة إلى الرقي والرفاهية  والتقدم العلمي.  
 
     ولا ينبغي أن ننسي أن قيام الثورات فى منطقتنا لم يكن إلا تعبيرا و شوقا نحو هده المبادئ ومن أجل حياة أفضل، الأمر الذي يجعلنا، نحن المثقفين، من كل الأديان والرؤى السياسية وخاصة الليبرالية والإشتراكية، نركز على تحقيق مبادئ الحرية والعدالة والمساواة، ولا شئ آخر. بمعنى أن نتعامل مع كل ما – ومن - يساعدنا على تحقيق "ما نريد"، لا أن نواصل "رفض" ما لا نريد .. مجرد الرفض، دون ان "نعمل كل ما فى وسعنا" لتغيير الأمر الواقع، الأمر الذي سيعطي مزيدا من الفرص لسيطرة التيارات الرجعية على السلطة والمجتمع مما سيؤدى إلى مزيد من التخلف والخسائر على الجميع!
     لا تزال أمامنا الفرصة، فنحن فى عصر الحقوق والحريات التي لا يمكن أن يتمتع بها الإنسان إلا فى ظل النظام الديموقراطي الحاضن للتعددية على إطلاقها، ودولة القانون حيث يسود الشعب عندما يضع حدودا لجبروت السلطة.  
    في مثل هدا الإطار، يمكن أن يكون لكل الأديان إحترامها وحرية ممارستها دونما عدوان بأي شكل على الأديان أو العقائد الأخرى. هذا أحد أشكال التعددية التي لا يمكن أن يكون  للديموقراطية وجود بدونها. وهذا يستلزم العمل ثم العمل مع الآخر، وفى الساحتين السياسية والثقافية، وليس فى أية ساحة أخرى. 
 
    لدلك، عندما لا أعارض وجود "الشريعة الإسلامية" كجزء جوهرى فى المنظومة الدينية للمسلم، سواء كان منتميا لأغلبية أو أقلية، أكون قد عبرت  عن إيماني بحقوق الآخر، وأمام ذلك، وفى مجتمع ديموقراطي ودولة القانون أنال أنا أيضا كمسيحي أو غير مسيحي نفس المعاملة ونفس الحقوق.  أما إذا تحولت أية شريعة سواء كانت دينية أو غير دينية إلى أداة للتمييز أو القهر او الكراهية والعدوان، فهنا لا يعد الأمر "دينا" إنما سياسة، وأيديولوجية. 
    وفى هده الحال يكون الفعل، لمواجهة تلك الإيديولوجية، على ذات المستوى وفى ظل القوانين الحاكمة لحقوق الإنسان، وليس الدخول فى مهاترات دينية أو  متعصبة تعمي الأبصار عن رؤية جوهر القضية والتمكن من عمل كل ما يلزم لتحقيق الأهداف الكبرى بالوسائل الناجزة و دون الانجرار إلى مزيد من المعارك الجدالية الخاسرة. 
 
    أليست السياسة هي "فن الممكن"؟ نعم الممكن هو أن نؤكد ونعمل (مرة أخرى: نؤكد ونعمل) –  مع كل المصريين الأحرار -  على  إقامة النظام الديموقراطي ودولة القانون حيث نحقق جميعا مبادئ أعظم ثورة قام بها المصريون: "عيش وحرية وعدالة اجتماعية".    
    نعم، فى مجتمع يسوده الجهل والتعصب والفقر وإنهيار المؤسسات، وهو حال المجتمع المصري اليوم، يجب أن نفهم أن المهمة ليست بالسهلة، وبالتالي لا ينفع معها الشجب والرفض، إنما الاهتمام المخلص بالعمل الجاد فى إيجاد الحلول العلمية على المستوى السياسي والقانوني والثقافي والإقتصادى. 
    دور الأقباط هنا – فى الداخل كما هو فى الخارج، يتطلب مشاركة فعلية مع التيارات الليبرالية واليسارية ومع ومنظمات المجتمع المدني أيضا، داخل مصر وعلى المستوى العالمي. 
 
    ولكي يكون العمل قوي ومؤثر لا بد من وجود مؤسسة مدنية بها كوادر متخمصصة فى كافة الجوانب السياسية والحقوقية والثقافية والإجتماعية، وإن تكون على علاقة طيبة مع الكنيسة وكل التيارات السياسية المصرية.
   قيام مثل هذه المؤسسة يعتبر من أكبر التحديات التي تواجه الأقباط. وأحسب أن العقبة الأساسية فى طريق قيام مثل هذه المؤسسة هو العامل المادي والتنظيمي مع غياب الرؤية الشاملة والهدف الإستراتيجي لدى النشطاء الأقباط الموجودين على الساحة.  
 
 
** لمشاهدة حديث الأستاد/ نبيل عبد الملك،
إضغط على الرابط الآتي: 
 

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع